ترمب.. الوسيط أم المخادع

thumb.jpg
حجم الخط

بقلم محسن ابو رمضان

منذ بدء العدوان العسكري الاحتلالي على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر للعام 2023 ، تشكلت لجنة وسطاء تتكون من مصر وقطر والولايات المتحدة بهدف وقف إطلاق النار والتوصل إلى تهدئة. واذا كان الموقف المصري والقطري واضحاً في أهدافه الرامية لوقف الإبادة الجماعية ومنع مخطط التهجير وإعادة بناء قطاع غزة فإن الموقف الأمريكي كان يتسم بالانحياز للموقف الإسرائيلي.

وغني عن القول ان الإدارة الامريكية هي شريك كامل لدولة الاحتلال بارتكاب أعمال ترتقي للابادة الجماعية بفعل توصيف كل من محكمتي العدل والجنايات الدولية وتقارير منظمات حقوق الإنسان الأشهر والأكثر مصداقية وهما منظمتي امنستي وهيومن رايتس ووتش .

برزت هذه الشراكة من خلال التمويل والتسليح والمشاركة بإعداد الخطط التي تجاوزت قطاع غزة والضفة الغربية لتصل إلى الاعتداء على لبنان واليمن وسوريا وصولا لإيران.

تتشارك الإدارة الأمريكية مع دولة الاحتلال الأهداف بما يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية وفعاليات المقاومة بالاقليم وتحجيم قدرات إيران وذلك على طريق تشكيل شرق أوسط جديد تتسيد بة دولة الاحتلال القرار .

ربما هناك اختلافات بالتكتيك بين دولة الاحتلال التي يتزعمها نتنياهو والادارة الأمريكية التي يتزعمها ترمب.

فالأول يريد التسريع في مسألة تصفية القضية وتنفيذ خطة الحسم وكذلك ضرب ايران وصولا لاسقاط النظام والثاني يريد تبريد الصراع في غزة عبر هدنة مؤقتة تتم بها عملية إخراج الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة كهدف مشترك .

اجتهد بعض المحللين مؤخرا بخصوص قيام ترمب بالضغط على نتنياهو لإجبارة للتوقيع على مقترح ويتكوف الأخير وذلك خلال زيارة الأخير للبيت الأبيض وذلك بهدف الدفع باتجاه تحقيق أهداف شخصية لنتنياهو من ضمنها الضغط على جهاز القضاء بعدم محاكمته علي خلفية ملفات الفساد التي تلاحقه اضافة الى وعد من إدارة ترمب بموافقتها على ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية وخاصة منطقة ج الى جانب الدفع بمسار ابراهيم التطبيعي.

لقد تم نثر التفاؤل بخصوص قرب التوصل الي صفقة تبادل وهدنة وفق مقترح ويتكوف مع تزامن زيارة نتنياهو للبيت الأبيض ومع إرسال وفد إسرائيلي للمفاوضات بالدوحة .

اعتقد اننا بحاجة الى إعادة نظر بهذا التقييم الذي لم تزكه الوقائع على الارض.

لقد عاد نتنياهو بعد انتهاء زيارته وكرر ذات العبارات السابقة والمحددة بالقضاء على حماس ونزع سلاحها وإخراج قادتها كما اخترع هو ووزير الحرب كاتس مسألة المنطقة ( الإنسانية ) بعد نقطة موارج لتستوعب 600 الف مواطن سيتم الزج بهم بهذا المعتقل الجماعي الأمر الذي يمهد الى تنفيذ عملية التهجير والتطهير العرقي.

لقد قام وفد دولة الاحتلال المفاوض بالدوحة بنشر خرائط تؤدي الى سيطرة الاحتلال العسكرية على مساحات واسعة من قطاع غزة بما يظهر النوايا العدوانية لدولة الاحتلال .

ويشار هنا ان وفد دولة الاحتلال مازال لا يبدي مرونة تجاة آلية المساعدات علما بأن مؤسسة غزة ( الإنسانية ) أثبتت أنها مصائد للموت وكذلك بخصوص الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال حيث لم تتم الموافقة على الإفراج عن بعض الأسماء والقيادات من ذوي الأحكام العالية. وعليه فقد وضع نتنياهو العديد من العراقيل في دولاب مفاوضات التهدئة والتبادل.

يعكس ما سبق عدم دقة التحليلات السياسية التي اجتهد بها بعض المحللين وأفضت الى نوع من التفاؤل.

ومن المهم الإشارة الى ان ترمب قد أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو عندما انقلب على اتفاق الدوحة الذي أبرم في 17 يناير ثم عاد في منتصف مارس لنفسه عبر قيام جيش الاحتلال  بتنفيذ عملية عربات جدعون العسكرية.

لقد قام ترمب ومبعوثيه أيضا وخاصة بوهلر وويتكوف بممارسة الخداع عندما استعادوا المحتجز عيدان ألكسندر وهو مزدوج الجنسية الامريكية والاسرائيلية وذلك كبادرة حسن نية دون اعطاء حماس اي مقابل .

قام ترمب أيضا بممارسة الخداع تجاه إيران عندما كان مقررا ان يرسل وفدا أمريكيا للاجتماع مع وفد إيران في مسقط وقبل موعد الاجتماع بيومين قام بإعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو لضرب إيران عسكريا في عملية مباغتة مصحوبة بسحاب من التضليل والخداع .

يستنتج مما تقدم التالي:-

-ان ترمب يتعامل بالسياسة كتعامله مع الصفقات العقارية والتجارية التي تحتمل المراوغة والتحايل والتضليل والخداع .

-ان اصرار المفاوض الفلسطيني على وجود ضمانات شخصية من ترمب لوقف الحرب رغم وجاهته الا ان التجربة اثبتت ان ترمب شخص مخادع ويغير مواقفة ولا يمكن الاعتماد على ضمانته الشخصية بأي حال من الأحوال.  

-اننا بحاجة الى إعادة النظر بمقولة تبعية إسرائيل الى أميركا وبأن بإمكان الثانية ان تملي قراراتها على الأولى بسهولة .

قد ينطبق ذلك على بعض قضايا الإقليم التي من الممكن أن تهدد المصالح الحيوية الامريكية ومكانة إسرائيل كما حدث في قرار ترمب بوقف العدوان الإسرائيلي على إيران بعد اثني عشر يوما بسبب مخاطر انفلات الأمور خارج السيطرة.

-ان المسألة الفلسطينية يتم التقرير بها من دولة الاحتلال وتعمل اميركا على تبنيها ومحاولة تمريرها، ودعونا نتذكر ان ترمب أحال سؤال مستقبل غزة والتهجير والدولة الى نتنياهو ليس بهدف إحراجه كما ذهب بعض المحللين بل لقناعته ان نتنياهو هو المقرر بهذه المسائل وان دور أميركا يكمن بالتبني والدعم والاسناد والترويج.

لقد طبق ترمب ذلك في ما يسمى بصفقة القرن التي كانت نتاج توجهات ومقترحات  نتنياهو وقام ترمب بتبنيها .

-واضح ان العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة انتقلت من حالة التبعية كما كان بالسابق أي بعد تأسيس دولة الاحتلال والجميع يتذكر إنذار ايزنهور لبنغوريون إبان العدوان الثلاثي عام 1956 على مصر الأمر الذي أدى لانسحاب الجيش الإسرائيلي فورا من سيناء وغزة .

-لقد تغيرت العلاقة بحيث أصبحت إسرائيل شريكا في بعض القضايا وبالأخص القضية الفلسطينية التي أصبح قرارها حصرا بيد دولة الاحتلال وببعض قضايا الإقليم الأخرى وذلك لعدة أسباب منها تنامي نفوذ اللوبي الصهيوني ( الايباك ) بالولايات المتحدة، الحروب التي تخوضها دولة الاحتلال بالإقليم والتي تخدم مصالح الولايات المتحدة والغرب والتي تهدف لتعزيز الهيمنة الأمريكية على منابع النفط وممرات التجارة ومضائق البحار وبهدف الاستفراد بالمنطقة على حساب إمكانيات وجود نفوذ لكل من الصين وروسيا الى جانب رغبة أميركا بتوكيل دولة الاحتلال للعديد من قضايا الإقليم لتتفرغ هي لمواجهة الصين تحديدا وذلك بسبب تنامي نفوذها الاقتصادي المقلق للولايات المتحدة.

-يتم الضغط من قبل ترمب على نتنياهو في حالة واحدة والتي تكمن بشعور الأول ان مصالحه قد  تتضرر اذا استمر بدعم الثاني.

من الممكن أن يتم ذلك في حالة استخدام العرب أوراق القوة المالية والنفطية والموقع الاستراتيجي حيث حصل ترمب في زيارته لبعض البلدان الخليجية علي مبلغ 5,5 تريليون دولار .

ان معادلة المال مقابل وقف الدمار في غزة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني ممكن ان يؤثر على قرارات ترمب.

-هناك شعور لدي نتنياهو أنه يستطيع أن يستمر في مخطط التطهير العرقي في غزة والضم والتهويد بالضفة دون معيقات ودون ان يؤثر ذلك على المصالح الأمريكية.

يعود السبب في ذلك لاحساسه بعدم وجود أوراق قوة عربية من الممكن أن تضغط على ترمب وتؤثر على المصالح الأمريكية.

او ان هذه الأوراق وان تم اثارتها فإنها ليست بالقوة الكافية التي من الممكن أن تلعب دورا ضاغطا وبصورة جدية .

وعليه فان المعيقات التي وضعها نتنياهو بما يتعلق بمفاوضات التهدئة والتبادل ليست ذات طبيعة تكتيكية بل انها تنطوي على مخاطر جدية وخاصة بمسألة إنشاء معتقل جماعي في رفح يهيئ للتهجير .

ان مواجهة الخطر الوجودي الذي يواجهه شعبنا في غزة والذي من المحتمل ان يسحب على الضفة يتطلب تغيير في قواعد العمل عبر تشكيل وفد موحد للمفاوضات تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية وبمشاركة كل من حماس والجهاد أسوة بحرب عام 2014 الى جانب التوجه لجامعة الدول العربية واستثمار الثقل الاقتصادي لكل من السعودية وبلدان الخليج والثقل السياسي لمصر.

ان هذه الآلية المقترحة ستعمل علي تغيير موازين القوي التفاوضية وقد تفضي الى التأثير والضغط على ترمب الذي سيؤثر بالضرورة على نتنياهو ليس فقط بما يتعلق بهدنة مؤقتة بل باتجاة الوقف النهائي للحرب والشروع بتنفيذ الخطة المصرية العربية بدلا من مخططات دولة الاحتلال.