دخلت الهدنة في سورية، حيّز التنفيذ، ولم تشهد الهدنة في يوميها الأوّلين، خروقات تصل حد انهيارها. تصيد النظام السوري، وكذلك حلفاء النظام، وفي مقدمتهم إيران وحزب الله، بالقواعد العامة للهدنة، وبخرائط متفق عليها. تقول المعارضة السورية، بأنها لم تطلع على تلك الخرائط، التي تتضمن الجغرافيا التي تسيطر عليها «داعش» و»النصرة». من يعرف خارطة سورية قبل الهدنة، لا يتفاءل كثيراً بأن تلك الهدنة ستعمّر طويلاً، وبأن انهياراً شاملاً وسريعاً، سيحمل في طياته، صورة الشكل القادم من الصراع على سورية... ما حدث في الأيام الثلاثة الأخيرة، كان لافتاً للنظر، صحيح أن هنالك خروقات قد حدثت، لكنها لا ترقى إلى مرحلة تهديد الهدنة بالانهيار. استمرار الهدنة هو أداء سياسي في إدارة الأزمة السورية، والوصول بها إلى مرحلة التسوية الإقليمية والدولية في آن... كما أن انهيارها في حال حدوثه، ودخول سورية مرحلة الحسم، هو أداء سياسي، من نوع آخر، للوصول في سورية إلى تسوية إقليمية ودولية في آن. وهنالك مصالح إقليمية ودولية، باتت قائمة، للوصول لتلك التسوية الشاملة! لعله من نافلة القول، بأن القوتين العظميين، في هذا العالم، روسيا والولايات المتحدة، باتتا على اتفاق خطوط عريضة، فيما يتعلق بالأزمة السورية، الأمر الذي سحب نفسه على قوى إقليمية متعددة، وأبرزها تركيا وإسرائيل والسعودية. أصحاب الرأي القائل، بانهيار الهدنة، وانهيار النظام السوري، لحسابات إقليمية، باتوا في حالة تردد وضعف ووهن، في وقت لا تزال فيه الفصائل الارهابية كداعش والنصرة وهوامشهما، ينشدون «خربطة الأوراق» عبر عمليات ارهابية، بدت هشة وضعيفة في اليوم الأول من الهدنة، عبر قصف مدينة دمشق، بمدافع الهاون! مثل هذه العمليات مرشحة للازدياد، بل وإضافة وسائل أخرى لها، كالسيارات المفخخة... والعبوات الناسفة، أكد حصار هكذا عمليات، والتغلب عليها، هو أمر ممكن وبمتناول اليد، في حال الالتزام العام، بوقف إطلاق النار. النظام السوري، سيحاول كسب الوقت، والإفادة مما يخلقه وقف إطلاق النار، من فرص لعمل النظام من أجل الحفاظ عما تبقى منه، بل ومركزة هذا النظام. عبر هذا الفهم تحديداً، سارع النظام للإعلان عن موعد قريب لإجراء الانتخابات النيابية، وليس غريباً أن يحدد موعداً آخر للانتخابات الرئاسية. لعله من نافلة القول، إن ما تعايشه سورية، من أحوال أمنية وسكانية، ونزوح الملايين السوريين إلى الخارج، هو حالة غير مهيأة لإجراء الانتخابات. الانتخابات تحتاج إلى مسرح انتخابي مهيأ إلى استقرار، ومراكز انتخابية، ومرشحين ودعايات انتخابية، وعودة من فروا من بلادهم إلى الخارج. حلفاء سورية الأساسيين، يرون في خطوة إجراء الانتخابات، خطوة مستعجلة وتحتاج إلى إعادة دراسة. أمام النظام في سورية، إبان الهدنة وما بعدها، في حالة عدم انهيارها، مهمات كثيرة ومعقدة، وتحتاج إلى وقت غير قصير. لعلّه أجدى للنظام، فيما لو فكر جدياً، بإعادة مأسسة الجيش وقوى الأمن الداخلي، بمشاركة أوسع القطاعات الشعبية، وفتح حوار جدي داخلي، لمشاركة سياسية واسعة في أجهزة الحكم، وفي المقدم منها، قانون الأحزاب، فيما يمهد الطريق لفتح الباب جدياً لانتخابات تشريعية، لا تقتصر على لون سياسي واحد، كما هو معمول به في سورية، وكان من أبرز عوامل الاحتقان الداخلي، وصولاً لحالة الانفجار، التي أضعفت سورية، وجعلت منها دولة فاشلة، تحتاج إلى تدخلات دولية وإقليمية في آن! لا تزال سورية، تعيش مرحلة الخطر الشديد. الاتفاق الروسي ـ الأميركي، بشأن الهدنة، وإحداث ترتيبات داخلية، عبر حوار سوري ـ سوري، برعاية دولية، يحتاج أولاً وقبل أي شيء آخر، لتعاون النظام السوري مع التوجه الدولي، وعدم الاستعجال، بأية إجراءات داخلية، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات، لأن في ذلك، محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء!