مفاوضات اليوم التالي للحرب

WptCE.jpg
حجم الخط

الكاتب: رجب أبو سرية

 


لن يقر رئيس حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالهزيمة، حتى لو فقأت النتيجة عينيه الاثنتين، وربما يجد مما سبق لصديقه الشخصي والسياسي ترامب الذي استند أحدهما للآخر بهذا الشكل أو ذاك للبقاء في الحكم او العودة اليه، حين خسر السباق الرئاسي عام 2020، ولم يقر بهزيمته، وادعى بأنه تم تزوير الانتخابات، وسيظل نتنياهو يتشدق وحتى يهدد، تماماً كما يفعل المدانون في المحاكم، حتى وهم يساقون لحبل المشنقة، وها هو بعد ان اضطُر لإرسال وفده التفاوضي الى الدوحة مجدداً، بعد أسبوعين من سحبه من هناك، وليس ذلك وحسب، بل اضطر الى القول بنبرة مهزومة، الى ان الصفقات الجزئية قد انتهت، بما يعني أو يؤكد ما قاله الوسطاء مؤخراً، خاصة الجانب المصري، بأن التفاوض ذاهب الى صفقة اخيرة تنهي الحرب، وتكون عبارة عن صفقة شاملة، مضمونها الكل مقابل الكل، وقد يعني ذلك ان تستند في الجوهر لما طرحته القاهرة من مقترح قبل أيام لهذه الصفقة.
في حقيقة الأمر، إن الذهاب الى صفقات جزئية كان استراتيجية نتنياهو نفسه، الذي عبرها كان يحافظ على ائتلافه اليميني المتطرف الحاكم، فقد كان من شأن جولات التفاوض الماراثونية، والتي كانت تجري بهدف «التفاوض من أجل التفاوض» حتى أيام ولاية جو بايدن في البيت الأبيض، لأن ذلك كان يخفف الضغط الداخلي الذي كانت تمارسه عائلات المحتجزين الإسرائيليين والمعارضة، كذلك المجتمع الدولي، من خلال جلسات مجلس الأمن، فيما كان حتى التوصل لصفقتين جزئيتين، إحداهما كانت في نوفمبر 2023، والثانية في يناير 2025، لا يوقف الحرب، بل يوقف اطلاق النار مؤقتاً، لبضعة أسابيع، يجري فيها التقاط الأنفاس، على الجانبين، ورغم ذلك فإن الصفقة الجزئية الثانية ادت الى ان يخرج إيتمار بن غفير من الحكومة، دون الخروج من الائتلاف الحاكم، وان يكتفي بتسلئيل سموترتيش بوعد نتنياهو بمواصلة القتال، دون الذهاب لتطبيق المرحلة التالية الخاصة بمفاوضات نهائية كما نصت صفقة يناير التي جرت في عهد دونالد ترامب.
وحتى آخر جولة تفاوضية، اي تلك التي جرت بعد قطع نتنياهو الطريق على مواصلة تطبيق صفقة يناير، ورغم انها جرت وفق ظروف مثالية له، حيث انطلقت بناء على مقترح الأميركي ستيف ويتكوف، القاضي بإطلاق نصف المحتجزين الأحياء والأموات، ورغم ان نتنياهو اكتفى بوزيره المقرب جداً منه رون ديرمر، وأخرج رئيسي الموساد والشاباك من دائرة التفاوض باسمه، ورغم انه عاد للتفاوض مع اطلاق عملية عربات جدعون، أي وفق صيغة الجلوس على الطاولة مع الضغط العسكري الأعلى حدة، خاصة بعد ان قام «بتطهير» الجيش ممن اعترضوا على عدم مهنيته في قيادة الحرب، نقصد وزير الجيش الليكودي السابق يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان هيرتسي هاليفي، واستبدلهما بكل من إسرائيل كاتس، الأكثر منه إخضاعاً للعمل العسكري وفق حسابات السياسة، وايال زامير، الذي حمل على عاتقه الانطلاق بعربات جدعون، بهدف ان يجبر حماس على الاستسلام، مع إرفاق القتل اليومي بمعدل مئة شهيد ومئات الجرحى، مع تجويع تام وشامل، أي ان «عربات جدعون» ترافقت مع حصار كامل وعملية عسكرية قاسية استمرت من خمسة شهور مضت.
ان يعلن نتنياهو بنفسه بأنه ذاهب إلى مفاوضات تضع حداً للحرب، يعني إقراراً منه بفشله السياسي في التفاوض، بعد فشله العسكري في تحقيق على الأقل واحدة من أهداف حرب الإبادة التي استمرت عامين، وهو إطلاق سراح المحتجزين، أما الأهداف الأخرى، وهي نزع سلاح حماس، وإسقاط حكمها، فمهما معلقان بنهاية هذه المفاوضات التي نعتقد بأن الجانبين الأميركي والاسرائيلي يسعيان لإنهائها خلال اقل من شهر، أي قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك للتخفيف ما امكن من الاحتفاء الدولي بالاعترافات الجماعية للدول بدولة فلسطين، بعد المؤتمر الذي عقد برئاسة السعودية وفرنسا في نيويورك آخر الشهر الماضي، وتلته إعلانات دولية بالاعتراف بدولة فلسطين من دول عظمى ومهمة عالمياً، لأنها كانت دائماً تعد من إصدقاء إسرائيل نقصد دول أوروبا، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بعد السويد والنرويج وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا، كذلك كندا واستراليا، فيما حماس بتقديرنا ستسعى الى عدم الاستعجال، وانها ستظل تقاتل تفاوضياً حتى لا تخرج من كل هذا المولد بدون اي مقابل!
النص الصريح الذي يدل على انكسار نتنياهو كان قوله يوم الثلاثاء الماضي لقناة آي 24 بالحرف: أعتقد أن الصفقة الجزئية أصبحت وراءنا، وقد حاولنا مراراً لكن تبين أنهم يخدعوننا، كذلك كان حال البيت الأبيض أيضاً، الذي توافق تماماً في كل التفاصيل مع نتنياهو منذ دخل ترامب البيت الأبيض، وحتى اللحظة، حيث قال إنه ورث الحرب عن بايدن، وإنه بذل جهوداً كبيرة لإنهاء الحرب، لكن حماس لم توافق على مقترحاته، ولم يقل بالطبع بأنه كان مهتماً طوال الوقت بإطلاق المحتجزين دون اهتمام بالضحايا ولا بالأسرى الفلسطينيين، بل إنه أطلق إعلان التهجير منذ أن دخل البيت الأبيض، وبشخص رئيسه ترامب وليس أحداً غيره!
ما يجب الإشارة إليه هو أن حماس أظهرت خضوعاً بالعودة للتفاوض بعد عدم التزام إسرائيل بصفقة يناير، خاصة وان التفاوض جرى على أساس مقترح ويتكوف _كما أشرنا_ ولم تنجح محاولات مصر وقطر حينها بالهبوط بسقف عدد الذين سيفرج عنهم من المحتجزين الأحياء، وكان وفق ويتكوف 10 محتجزين احياء مع 18 اموات، وقالت مصر بأن يكون بين 7_8، فيما قالت حماس بأقل من ذلك، والأخطر كان نص المقترح بأن يجري إطلاق سراح  نصف هؤلاء في اليوم الأول، والنصف الثاني في اليوم السابع، وقد كان جوهر الصفقة إدخال المساعدات مقابل إطلاق المحتجزين، حيث لم تكن هناك مرونة إسرائيلية فيما يخص إعادة انتشار الجيش خاصة في محوري موراج وفيلادلفيا، او فيما يخص إطلاق سراح ممن يوصفون بالأسرى القادة، من الوزن الثقيل، مروان البرغوثي واحمد سعدات وعبد الله البرغوثي.
اي أن أميركا وإسرائيل، ارفقتا التجويع مع عربات جدعون، وممارسة الضغط الميداني الى أقصى حد، مستغلة صمت جبهات الإسناد بعد الهجمات على إيران، ومع إشغال ترامب العالم بحربه التجارية، لتقايض إطلاق سراح المحتجزين بالمساعدات الإنسانية، والدليل على ذلك ان ذلك كان بعد ان تم تنفيذ الخطوة الإسرائيلية _الأمريكية المشتركة بهذا الخصوص، وهي حصر توزيع المساعدات بلجنة غزة الإنسانية التي سببت سقوط مئات الضحايا، بما هو اكثر من ألف ضحية سقطوا بالقصف الإسرائيلي لحشودات الجوعى وهي تحاول الحصول على الطعام من مركز توزيع تلك اللجنة بالتحديد.
ومع اعلان الجيش الاسرائيلي المنهك انتهاء عملية عربات جدعون، وقد ترافق ذلك مع وقف التفاوض، اي دون اخضاع حماس للهدف الاسرائيلي_الأميركي بإطلاق نصف المحتجزين مجاناً تقريباً، أي مقابل وقف حرب التجويع، صارت الحالة أمام مفترق طرق، سعى نتنياهو الى ان يرتب له بتهديد آخر، وهو عملية عسكرية أخرى هدفها إعادة احتلال غزة بالكامل، اي ترحيل مليون مواطن من مدينة غزة والمخيمات الوسطى باتجاه خان يونس المدمرة اصلاً، لكن ليس فقط بسبب معارضة الجيش الطبيعية، لأن الجيش منهك ويحتاج جنوداً إضافيين لا يحصل عليهم مع مواصلة نتنياهو إعفاء الحريديم، بل ما يحدث منذ أسابيع من «تسونامي» دبلوماسي عالمي ضد إسرائيل، ومن هياج دولي لفظاعة مشاهد التجويع الجماعي، أدى مترافقاً مع عودة الضغط الداخلي لأعلى مستوى، لتأكُّد الإسرائيليين من أن توسيع العملية العسكرية سيؤدي الى مقتل اكثر من عشرين محتجزاً ما زالوا أحياء، إضافة لمئات الجنود الذين سيلقون حتفهم.
هكذا وصلت الحالة الى «عقدة المنشار»، لذلك يذهب نتنياهو صاغراً لهذه الجولة التفاوضية الأخيرة، وهو يشد من إزر نفسه ويخاطب حلفاءه، قائلاً إنه سيتفاوض على انهاء الحرب بشروطه، وقد بات يكتفي بان تلك الشروط لا تشمل التهجير صراحة، ربما لأن مصر بدرجة أولى ستقف في وجه هذه الخطوة بالتحديد بكل ما أوتيت من قوة، ولهذا فان التفاوض سيجري بناء على المقترح المصري، وهو يحدد التفاوض لإنهاء الحرب، بما يتضمن إطلاق سراح المحتجزين، للجانب الإسرائيلي، وتجميد سلاح حماس، وهذا حل وسط فيما يخص هذا البند، اي ان ما سيجري التفاوض عليه في الحقيقة هو صورة اليوم التالي.
يبدو ان التهجير وبقاء حماس باتا هدفين هنا وهناك مستحيلَي التحقق، اما المؤكد من التحقق فهو إطلاق سراح المحتجزين ووقف الحرب، والتفاوض سيجري أولاً حول من سيدير غزة، وهنا المقترح المصري يقول بحل وسط، مقابل رفض إسرائيل عودة السلطة، هناك مقترح بلجنة عربية سداسية من بين أعضائها السلطة، توجه إدارة محلية، أما القوة الميدانية فهي قوة شرطية يتم تشكيلها عبر مصر والأردن وأميركا.