"أغسطس آب اللهاب" عاد ليطل برأسه الملتهب على غزّة ومن يقطنون بها في حرب سرقت منهم كل شيء يُمكن أنّ يربطهم بالحياة، هذه السنة الثانية التي يُعاني منها المواطنين في شهر أغسطس الذي تنقلب فيه الأجواء وتتنوع ما بين الحارة والحارة العالية جداً، ومما يزيد من معاناتهم هو نزوحهم على الشريط الساحلي من القطاع، حيث المعروف أنَّ نسبة الرطوبة في المنطقة القريبة من البحر تكون أضعافاً مما هي عليه داخل القطاع وبعيداً عن البحر.
رطوبة عالية وماء مالح وارتفاع في درجات الحرارة مع وجود الطامة الكبرى، وهي الخيام التي هي عبارة عن شادر من النايلون المقوى والذي يزيد من حرارة الأجواء فلا يستطيع المواطن الفرار من حر الصيف إلا بالخروج من خيمته والجلوس بجوارها أو النوم لساعات طويلة بحثاً عن نسمة هواء باردة تُعيد له اتزانه وتُعدل من ضغط الدم الذي ارتفع عشرة أضعافه.
وعلى طول ساحل البحر المتوسط لا يجد المواطن النازح من بيته ومنطقته ملجأ من الحر سوى بالتوجه لشاطئ البحر والاستحمام به عله يجد شيئاً من البرودة المفقودة في وطن اجتمعت فيه حرارة الطقس مع نيران الصواريخ التي لم تهدأ لحظة منذ نحو عامين.
وكالة "خبر" اطلعت على ما يُعانيه المواطن في غزّة والتقت ببعض العائلات التي انشغلت بتعبئة المياه في خزاناتها ليتسنى لهم الاستحمام والاغتسال كلما ارتفعت درجة الحرارة.
محمود وأولاده وجميع عائلته التي نزحت من الشمال لغرب مدينة غزّة، فرح فرحًا شديدًا حين سمع صوت سيارة المياه التي تجوب الشوارع لتقدم المياه للنازحين فخرج مسرعاً من خيمته هو وجميع أفراد العائلة كباراً وصغاراً نساءاً وشباباً لتعبئة مياه باردة في جو يزداد رطوبة وحرارة.
يقول محمود: "المياه عصب الحياة لكل مخلوق على وجه الأرض فكيف بنا نحن النازحون من بيوتهم والذين يقطنون في خيام من النايلون الذي يزيد من درجة الحرارة أضعافاً مماهي عليه، فحين سمعت بسيارة المياه تجوب في المنطقة خرجت أنا واخوتي وأبنائي لنعبئ المياه في خزاننا الذي لم نراه معبأ على الأقل للنصف منذ أن رحلنا واستقرينا في هذه المنطقة نظراً لشح المياه وعدد النازحين الكبير فيكون نصيبنا ونصيب غيرنا فقط عبارة عن قِربة (وهي عبارة عن قارورة بلاستيك يعتمد عليها النازحون في تعبئة مياه الشرب) لاتتعدى سعتها الـ10 لتر من المياه.
ويُتابع في حديثه لمراسلة "خبر": "مجموع القِرب التي نقوم بتعبئتهم لاتكفي للاستحمام وغسل أواني المطبخ وللنظافة الشخصية فنضطر يومياً للركض خلف سيارات المياه لنحصل على بعض يسير من الماء، وفي موجة الحر هذه يزداد اعتمادنا على المياه، حتى أننا نسينا بأنه علينا تعبئة المياه في الخزان الذي لم يعبأ كثيراً وقمنا بسكب المياه على رؤوسنا وأجسادنا لنحصل على بعض من البرودة في جو يصيبنا بالغثيان وضربة الشمس تتسبب في اغماءات متكررة للصغار ولكبار السن وخصوصاً من يعانون من أمراض مزمنة".
وأضاف: "سكبنا الماء على أنفسنا وأدخلنا الفرح على قلوب صغارنا رغم الموت والدمار وارتفاع الحرارة والعيش في خيام تفتقر لأدنى مقومات الحياة إلا أننا شعب نُحب الحياة ونبحث عنها ما دام النفس في أجسادنا".
"نور ومحمد وغادة" كغيرهم من أطفال غزّة تكسي وجوهم سمرة وشعرهم أشقر نتيجة عوامل الجو التي تكسبهم ذاك اللون، تراهم على شاطئ البحر يلهون ويلعبون ويقضون أوقاتهم الطويلة وهم يسبحون ويلعبون في رمال البحر ومياهه، غير آبهين بنداءات أهلهم لهم بالكف عن اللعب إلا أنهم في هذا الجو الصعب لا يتحملونه فيصرون على قضاء معظم أوقاتهم في مياه البحر.
"أم محمد" تقول لمراسلة "خبر": "إنَّ المياه شحيحة والحرارة مرتفعة في الخيام وأطفالي طوال الوقت يبكون من حرارة الجو، عدا عن أنَّ أجسادهم أصبحت مليئة بالبثور والحساسية نتيجة ارتفاع الحرارة والتي تزيد من معاناتهم أكثر، فلا يوجد أدوية مناسبة للتخلص من تلك البثور، ولا مياه متوفرة لغسل أجسادهم للتخفيف منها".
وأكملت: "لا نعرف مما نحمي أطفالنا! هل نخبئهم من لهيب الصواريخ؟ أم من حرارة الجو التي تعدت الأربعين درجة مئوية!".
يُذكر أنَّ دائرة الأرصاد الجوية حذرت المواطنين من التعرض لأشعة الشمس المباشرة وضرورة التزام المواطنين بذلك خشية أنّ يصابوا بضربة شمس قوية لكن بكل تأكيد هذه الارشادات لاتشمل قطاع غزة لأنه ومنذ سنتين يتنقل من مكان لمكان في خيام تفتقر لأدنى مقومات الحياة والتي ساعدت على تفاقم معاناتهم اليومية في ظل شح للموارد المائية النظيفة.






