يفتي الشيخ القطري من أصل مصري، الذي كان قبل سنوات يملأ الدنيا ويشغل الناس، بعدم جواز شد الرحال إلى القدس الشريف، باعتبار أن فيها محتلا إسرائيليا، ولا يفتي بعدم جواز سفر الوزير القطري محمد العمادي ومرافقيه، المتكرر والمتواصل إلى غزة، عبر إسرائيل وحواجزها وأختامها، كما أنه لا يفتي بعدم جواز استضافة الإعلاميين الإسرائيليين، وحتى موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية عبر قناة الجزيرة، ولم يفت بالطبع بعدم شرعية وجود المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة، ولم يفت من قبل بحل دم أو بخروج من يقوم بالتآمر أو بالتخطيط من وراء ظهور الناس مع الإسرائيليين ضد مصالح العرب والمسلمين.
لهذا ولغيره، فقدت أغلبية الناس الثقة بالشيخ، لكن ما زال عليها أن تتابع وتراقب ما يفعله ويقوم به أتباعه، أو موظفوه من أفراد البيت القطري الحاكم، ولعل ما يثير اهتمامنا نحن الفلسطينيين، أكثر من أي أحد آخر، هو مواصلة قطر سياسة التعامل معنا "بالقطعة" والكيل بأكثر من مكيال، فإن كنت فلسطينيا / حمساويا فأنت شقيق، وإن كنت غير ذلك، فنحن لا نعرفك، وربما كنت عدوا، إن كنت مصريا/ إخوانيا فأنت حبيبنا، وإن كنت مصريا وطنيا، فأنت مع السيسي !
في الحقيقة، إن المفارقة مفصلة على قد قطر، وتكاد تكون _ المفارقة - ماركة قطرية بامتياز، ففي وقت كانت تصدح فيه جزيرة قطر وتتغنى بالحريات، ودعم المقاومة والممانعة، حين كانت قطر على علاقة جيدة بإيران / سورية وحماس، كانت وما زالت القواعد العسكرية الأميركية تقيم في السيلية القطرية، وما زالت الدوحة تحتفظ بعلاقات معلنة، ممثلة بوجود المكتب التجاري الإسرائيلي، وبعلاقات أهم واخطر خفية مع إسرائيل !
والمفارقة القطرية تكاد تكون صادمة، حين يتعلق الأمر بالحكم فيها، فبعد صراعات تاريخية بين أبناء العمومة من آل ثاني، لم ينص الدستور القطري على طبيعة التوريث، فليس بالضرورة مثلا أن يكون ولي العهد الابن الأكبر للحاكم (لم يكن تميم أكبر أبناء حمد)، كما أنه يمكن أن يكون الأخ أو ابن العم، كما أن الدستور يبدو أنه لا يجرم الابن الذي ينقلب على حكم أبيه، ويحرمه بالتالي من شرعية الحكم، وهذا يبدو أنه صار أمرا متوارثا، حيث انقلب حمد على أبيه خليفة، فيما كان تنصيب تميم في حياة أبيه أكثر سلاسة، لأن الأب قبل هذه المرة تسليم الحكم لابنه !
في علاقات قطر بشقيقاتها العربيات، ومنذ عهد حمد، أي قبل نحو عقدين من السنين، وهي تتبع سياسة "خالف تعرف" لتحقق طموحاتها، وهي الإمارة صغيرة المساحة، قليلة السكان، ولأول مرة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، تقطع دول منه (السعودية والإمارات) علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، أما مع دول الجوار العربي فحدث ولا حرج، فما زالت قطر تناطح الصخر، في عدم الاعتراف بثورة 30 يونيو في مصر، وما زالت تتعامل مع حماس كما لو كانت دولة، وتشد على يد الانقسام الفلسطيني، رغم كل ما يشاع، لأن العبرة بالنتيجة، وتحتفظ بعلاقة جيدة مع إسرائيل وتركيا.
المهم، انه كلما طال الانقسام، واستمر عدم وجود أفق بإيجاد حل له، وفرد عباءة الشرعية الفلسطينية على قطاع غزة، بقيت طموحات قطر وتركيا، في إدارة القطاع، حيث انه سبق لإسرائيل التي لا تفكر مطلقا بالعودة للقطاع أن عرضت على مصر العودة لإدارة قطاع غزة، كما كانت عليه الحال قبل أن تحتله العام 1967، لكن مصر رفضت بدافع قومي، ولأنها مع قيام دولة فلسطينية مستقلة وموحدة في الضفة وغزة، قلبا وقالبا، لذا فقد تسابقت تركيا وقطر، من اجل أن تنال إحداهما هذا الامتياز
تركيا طرحت علنا، قبل وقت، إنشاء ممر بحري يربط غزة بقبرص التركية، وهي محمية تركية، سلختها تركيا عن دولة قبرص، ولم يأخذ المقترح طريقه للتنفيذ، لأنه كما قيل تحفظت عليه مصر، التي ترى في وجود تركي على بوابتها الشرقية تهديدا امنيا، في حين صمتت قطر، بكثير من الخبث والذكاء، فهي تقوم بترسيخ قواعد "إدارتها" للقطاع، على الأرض بهدوء ودون ضجيج يغريها حلم السيطرة على 50 كلم من شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
وقد خصصت قطر مسؤولا محددا لهذا الأمر هو الوزير محمد العمادي، دائم الذهاب إلى غزة، والذي قد لا يطول الوقت حتى يقيم فيها، على تلك الأرض التي منحه إياها إسماعيل هنية على شاطئ البحر، ليقيم "منتداه" الخاص، ربما، والذي يذكر وجوده بالفريق المصري يوسف العجرودي، الذي كان حاكما عسكريا للقطاع في خمسينيات القرن العشرين الماضي.
قواعد إدارة قطر لقطاع غزة، ترسيها قطر بنفسها، فهي - أي قطر - ليست عاجزة عن إعمار غزة وحدها وبالكامل، خلال أسابيع أو أشهر، فالدولة التي تصرف مئات مليارات الدولارات على تنظيم كأس العالم لكرة القدم، قادرة على إعمار غزة بثلاثة أو أربعة مليارات فورا، لكنها تريد ضمانة مركبة من شقين: الأول - أن تهدأ غزة ولا تدخل في حرب مدمرة جديدة مع إسرائيل، وهذا الأمر يتحقق مع مرور الوقت، حيث تثق إسرائيل في إدارة قطر الصديقة لغزة. والثاني، أن تضمن سيطرة مباشرة، أي دون وساطة حماس والقسام، وقد ظهر هذا في سياسة اللجنة القطرية بتنفيذ مشاريعها التي أثارت حفيظة اتحاد المقاولين في غزة، لدرجة انه اصدر بيانا يحذر فيه اللجنة، من احتمال التوقف عن العمل معها، الأمر مهم جدا وخطير، وربما تجيء لحظة نعتبر فيها بيان اتحاد المقاولين بمثابة بيان تحرري تجاه مشروع جديد للسيطرة الخارجية على غزة، بدافع الإعمار، الذي يبدو أنه صار بديلا عن "الاستعمار" بعد إسقاط حرفي السين والتاء فقط !
300 أكاديمي يوقعون رسالة لإدارة بايدن بشأن الحقوق الفلسطينية
30 سبتمبر 2023