فرحة ممزوجة بالثبات والعزيمة والإصرار على مواصلة الحياة رغم ما عايشه الطلبة من فقدان لأدنى مقومات الحياة وانعدام للحياة التعليمية بفعل آلة الحرب التي دمرت المدارس والجامعات والمراكز التعليمية، بل واستُشهد مئات الطلبة في حرب لم تُفرق بين مدني وعسكري، بين شجر وحجر وبشر، استُشهد الأطفال والكبار، الشياب والشبان وتركوا في قلب ذويهم حسرة وألم سيتجرعونها دائماً، وقد بدأت تلك الحسرة فعلاً حين تم الإعلان عن نتائج الثانوية العامة من قبل وزارة التربية والتعليم بمدينة رام الله وفرحة الطلاب وذويهم بنجاحهم.
فهنا خيمة لطالب في الثانوية العامة ويحتفل بين أهله ومحبينه وأقربائه بنجاحه، وهناك خيمة أخرى لأُم تجلس بجانب خيمتها تبكي وهي تستذكر ابنها أو ابنتها الشهيدة التي كانت ستحتفل معهم لولا يد الغدر التي امتدت إليهم وقتلتهم.
مشاعر متناقضة ووجع يكسوه فرحة، وفرحة تكسوها وجع، هي معادلة لاتستطيع أنّ يفهمها من لا يعيش في غزّة.
"زينة سويدان" حرمتها الظروف من دراسة سنتيها الدراسيتين كغيرها من الطلبة في غزّة، وكل ما فعلته أنّها درست وجاهياً عبر الإنترنت بشكل لا يمكن لأحد من الطلبة في سنها استيعابه، فاضطرت لأنّ تدرس عند أحد المدرسين الخصوصيين دروساً مدفوعة الثمن لكي تستوعب ما يتم دراسته، وبفضل إصرارها على التعلم والنجاح نجحت بمعدل عالٍ يُمَكِنها من اختيار أيّ تخصص جامعي مستقبلياً.
تقول زينة: "سنتين ونحن نعاني، دمر الاحتلال بيتنا ومصدر رزق والدي، نزحنا من منطقة إلى منطقة ومن منزل إلى منزل، واجهنا الموت مراراً وتكراراً، لذلك كان من الصعب أنّ نحمل كتاباً وندرس، أو مدرسة لنلتحق بها ونتعلم كغيرنا من الطلبة في العالم، في ظروف طبيعية".
وتُتابع: "تقدمت إلكترونياً لدراسة السنة الحادية عشر الفرع العلمي وقد كان تحدياً كبيراً استطعت تجاوزه والتفوق عليه رغم الظروف الصعبة المحيطة بنا والحمد لله نجحت واستمرت الحرب لسنة جديدة، كنا نأمل أنّ تقف حتى نستطيع دراسة الثانوية العامة بشكل جيد على مقاعد الدراسة أمام مُدرسين يعلموننا ويجيبوننا على تساؤلاتنا، لكن الحرب لم تقف فاضطررنا للدراسة عن بُعد عبر الإنترنت في ظل انقطاعه المتواصل ولكنني وبفضل أمي التي هيأت لي الظروف داخل الخيمة وحاولت التخفيف عني قدر المستطاع من عبئ الحياة ومرارتها حتى درست ودرست، لم أنم الليل وأنا أجتهد في دراستي والحمد لله على كل حال، صحيح أنني لست راضية عن نتيجتي فقد حصلت على 95.7% الفرع العلمي، كنت آمل أن تكون نتيجتي أعلى من ذلك، رحم الله زملائي الشهداء ممن لم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة لكنهم حصلوا على شهادة أعلى وأفضل بكثير منا جميعاً".
ولأنّ فضل الأم دائماً حاضر مع ابنها في كل شيء وفي كل مرحلة من مراحل حياته، فكيف الأمر مع الأم الفلسطينية التي ضحت وتُضحي من أجل أولادها ووطنها، وفيما يتعلق بالحياة التعليمية لأبنائهن، حاولت الأمهات توفير مايمكنهن عمله لتكون البيئة مناسبة لكي يّركز أولادهن في تعليمهم وخصوصاً في المرحلة الحرجة والصعبة وهي مرحلة الثانوية العامة، والتي يراها البعض بأنها مرحلة إما الموت وإما الحياة ، بل ويرونها أصعب بكثير.
صورة السيدة لينا الزريعي تعانق نجلها المتفوق
وبالعودة لفضل الأم فقد واظبت الأمهات على توفير بعضاً من الوقت المناسب من هواتف مشحونة عبر ألواح الطاقة الشمسية، وإفراغ الخيمة من أيّ عناصر ضوضاء يمكن أنّ تشوش على أولادهن الطلبة، والبحث عن شبكات الإنترنت القوية لتساعدهم على التعلم والتقدم للامتحانات، ومساعدتهم على التعلم من قبل الأمهات المتعلمات، وقد حصدن بالفعل ثمرة تعبهن طيلة سنتي الحرب المريرة فكانت لينا الزريعي مثالاً للأم الصابرة القوية التي تعبت وسهرت وعانت وقاومت ومدت يد العون لإبنها الذي لم يُضع تعبها وقد حصل على معدل جيد جداً، تقول: "من بين الوجع والدمار يولد الفرح والانتصار، الانتصار بتحدي الصعاب والمعاناه التي مررنا بها من نزوح لآخر وجوع وخوف، والفرح بعودتنا سالمين معافين وسلامة بيوتنا رغم قصف بعضها، والفرح أيضاً بعودة أسرانا البواسل لتأتي فرحة أخرى فرحة نجاح ابني البكر التي طالما انتظرناها، سنتين من الدراسة والتعب والمعاناه والسهر وسط الركام والبرد القارس والجوع أطول توجيهي يمر في التاريخ توجيهي 2006 ليحصد ثمار تعبه وجهده %81.9 الفرع العلمي.. الحمد لله دائماً وأبداً".
يُشار إلى أنَّ وزارة التربية والتعليم العالي أعلنت عن نتائج التوجيهي لأكثر من 26 ألف طالب من قطاع غزة مواليد 2006، يوم الثلاثاء الماضي، فيما تبقت نتائج الطلبة من مواليد 2007 والذين تقدموا للامتحانات قبل أيام لكي يلتحقوا بزملائهم الطلبة الناجحين، ويطووا معها عذاب سنتين قاسوا فيها جميع أنواع الظلم والقهر والفقد في حرب قتلت فيهم أجمل ما فيهم.
وكالة "خبر" تابعت الطلبة وذويهم ورصدت نجاحهم وفرحة أهلهم بهم عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وكانت كالتالي:















