ليس مفاجئاً أن يطير الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ماليزيا ويلتقي رئيس وزرائها أنور إبراهيم، في إطار جولة موسعة تشمل اليابان وكوريا الجنوبية، وتهدف إلى تعزيز حضور الولايات المتحدة الأميركية في آسيا.
هذه الزيارة هي الأولى لترامب إلى ماليزيا والثانية بعد زيارة الرئيس الأسبق باراك أوباما منذ عقد تقريباً لدولة آسيوية تقف في المنتصف بين الغرب والشرق، بين واشنطن وبكين التي تحاول تعزيز وجودها السياسي والتجاري والعسكري في بحر الصين الجنوبي.
أجندة الرئيس الأميركي ممتلئة بالأحداث والاجتماعات خلال جولته الآسيوية، إذ من المقرر حضوره حفل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا، والمشاركة في قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا «آسيان» في كوالالمبور.
بالتأكيد، سيخطف ترامب الأضواء في حفل توقيع الاتفاق بين تايلاند وكمبوديا، وسيشير إلى إنجازاته الكبيرة في وقف الحروب ودوره في استعادة القوة الأميركية واستعداد بلاده للانخراط أكثر للتوسط في قضايا الحدود الإقليمية بين الدول.
ثمة منافع لكلا البلدين، واشنطن وكوالالمبور، من زيارة ترامب المقررة، إذ ترغب ماليزيا في الحصول على معاملة تفضيلية بما يخص الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة عليها، هذا إلى جانب استغلالها قمة «آسيان» لجذب القوى الكبرى والاستفادة منها.
بالنسبة لواشنطن، الموضوع مرتبط بالدور الأميركي في آسيا وتوسيع قاعدة التحالفات مع الدول لتشمل ماليزيا، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي المرتبط باحتمالات توقيع اتفاقيات تجارية مع كوالالمبور.
أما زيارته إلى اليابان فتأتي في إطار تعيين أول امرأة في موقع رئيس الوزراء، إذ فازت ساناي تاكياتشي في انتخابات داخلية للحزب الليبرالي الديمقراطي بعد استقالة رئيس الوزراء السابق شيغيرو إيشيبا.
ترامب يريد التأكيد على متانة العلاقات الاستراتيجية التي تربط بلاده مع طوكيو، وفي المقابل تحرص رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة على تقوية العلاقة مع واشنطن، وربما نسمع عن اتفاقيات تجارية وعسكرية بين البلدين.
في كوريا الجنوبية المحطة الأبرز، من المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي نظيره الصيني تشي جينبينغ، والهدف من اللقاء تفعيل مبدأ الحوار بين البلدين بعد عواصف الرسوم الجمركية العالية التي فرضتها الولايات المتحدة على بكين.
ترامب يريد أن يظهر في مختلف زياراته الدولية بأنه صانع صفقات محترف، ولذلك يرى أن عليه الحصول على ثمن من جولته الآسيوية، ويبدو أنه مهتم للوصول إلى صفقة رابحة مع الصين تخفف التوتر التجاري بين البلدين.
على الجانب الآخر، هناك ملفات حساسة سيتحدث عنها ترامب، من بينها موضوع تايوان والحرب الروسية على أوكرانيا ومسألة اعتماد بكين على النفط الروسي، إلى جانب موضوع المعادن النادرة والرقائق وخلافات تقنية أخرى.
بالتأكيد ليس بيده عصا سحرية لحل كل هذه الموضوعات، لأن الصين ليست دولة عادية أو هامشية، إنما لها دور قوي جداً وقد تجاوزت مرحلة الضغط والتأثير عليها، وبالتالي تمتلك أجندة ونفسا طويلا بالحرب التجارية مع أميركا بعيداً عن سياسة الرضوخ.
قد تحقق الجولة الأميركية الكثير من الرضا للرئيس ترامب الذي يراهن على تلميع صورته على المستويين الخارجي والداخلي، إذ تتعمد السياسة الترامبية توسيع نفوذ الولايات المتحدة في العالم بمنطق الدولة الأقوى.
كذلك هناك تحديات داخلية يفرضها تنامي الأصوات التي تحذر من تحول ترامب إلى أحد الأباطرة أو الملوك الذين يختزلون السلطة في شخصهم، ولذلك يُصعّد الرئيس في الخارج لإحداث تغييرات جوهرية تنعكس إيجاباً على المواطن الأميركي.
هذا يعني أنه سيعلن بعد جولة آسيا عن نجاحه شخصياً في استتباب الأمن والسلم الدوليين، وتلميع صورة الولايات المتحدة أمام العالم، وأنه جاء باتفاقيات تجارية واقتصادية تحقق المنفعة لبلاده وتخفف من حدة التوتر الداخلي مع الرأي العام الأميركي.
وبالنسبة لعلاقته مع الصين، فقد يرغب في احتوائها تكتيكياً بهدف تبادل المنافع الاقتصادية وتجنب حرب تجارية قد تخسر فيها بلاده، لكنه ملتزم في ذات الوقت بسياسة كسر الصين وجعلها خلف الولايات المتحدة وبعيدة عنها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
في المقابل، يمكن القول، إن بكين لا تريد مواجهة مفتوحة مع واشنطن تفرملها اقتصادياً، ولذلك قد تلجأ إلى فتح قنوات الحوار للوصول إلى حل وسط تجاري يرضي الطرفين، لكن الصين عازمة على توسيع نفوذها بهدوء تام إلى أن تصل مرحلة يمكنها فيها مواجهة المارد الأميركي.
لقاء أمريكي صيني مرتقب ضمن جولة ترامب الآسيوية
25 أكتوبر 2025
