مرة أخرى يتصدر حزب الله اللبناني واجهة الجدل أمام خصومه وأصدقائه، فمنذ عقد بات هذا الحزب رقماً في معادلة الصراع في المنطقة؛ بعدما فاجأ الجميع في معركته الشرسة ضد إسرائيل والتي شكلت على إثرها لجنة التحقيق « فينوغراد»، وهي المرة الثانية في تاريخ الدولة التي يتشكل فيها لجان بحث إخفاقات الحرب بعد لجنة «إجرانات» التي تشكلت إثر حرب 73، فليس في تاريخ الصراع مع إسرائيل معارك حقيقية غير هاتين المعركتين اللتين تتباعدان بثلث قرن.
ليس الجديد فيما يتعلق بحضور الحزب اللبناني ضيفاً دائماً على وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث اعتادت بعد تلك الحرب على الاهتمام والمتابعة بنشر أخبار الحزب التي تكثفت في الآونة الأخيرة: مرة بالتهديد باجتياح الجليل، وأخرى بأنه يمتلك 100 ألف صاروخ تغطي كل إسرائيل، وأخرى أن إسرائيل ستواجه في الحرب القادمة جيشاً من 45 ألف جندي مدرب للحزب، والكثير من التحليلات والسيناريوهات التي تصفها مراكز الأبحاث الأمنية في الدولة وخصوصاً بعد التدريبات الميدانية المكثفة التي تلقاها الحزب من المعارك في سورية.
لكن الجديد هو ما ورد في نص البيان الصادر عن وزراء الخارجية العرب من إشارة لحزب الله وصفته فيه بالإرهابي.
صحيح أن المواطن العربي اعتاد على سماع تلك التهمة ضد الحزب من قبل إسرائيل لأن إسرائيل تعتبره كذلك، لكن أن تصدر من إحدى مؤسسات الجامعة العربية فقد أثار ذلك نقاشاً بين المثقفين العرب، وقد صدرت سلسلة من المقالات في اليومين الماضيين معظمها يرفض تلك الإشارة بالموقف والتحليل، وذلك بعد إعلان تونس والجزائر رفضهما لاتهام حزب الله بالإرهاب، وكذلك تنصل الخارجية المصرية.
فلسطينياً استنكرت الفصائل الفلسطينية هذا الاتهام وسط صمت حركتي فتح وحماس المثقلتين بسلطتين؛ لعبت وطأة السلطة دوراً في ذلك الصمت، بعكس حالة الرفض الواضحة من قبل الآخرين الذين يعتبرون أن الحزب أحد ممكنات القوة العربية في مواجهة إسرائيل، هذا بعد أن وصلت لهذا المستوى من الضعف، إلى الحد الذي جعل إسرائيل تتعاطى بلا مبالاة مع الحالة العربية، التي لم يعد لديها سوى مبادرات لم تتواضع الدولة العبرية حتى بالرد عليها بعد أكثر من عقد.
بقي حزب الله الظاهرة العربية الوحيدة التي تراقبها مؤسسات الأمن في إسرائيل بقلق، وخصوصاً بعد أحداث ما عرف بالربيع العربي، فمراكز الدراسات لم تتوقف عن رصد الحزب منذ أن اعتبرت أن نهاية الحرب في سورية بسقوط الرئيس الأسد ستهدي إسرائيل تجفيف حزب الله، وهذا ما قاله رئيس مجلس الأمن القومي السابق يعقوب عميدور للسفراء الأجانب منذ بداية الأحداث في سورية: إنه ليس لإسرائيل مشكلة مع سورية وإن كل مشكلتهم مع دمشق هي حزب الله.
تابعت إسرائيل بسعادة كبيرة مجريات الحرب عندما كانت توابيت مقاتلي الحزب تعود من سورية مراهنة على أن الحزب غاص في الوحل السوري ولن يخرج منه سليماً. لكن التقييم الإسرائيلي تغير في الأشهر الأخيرة ومع احتكاك مقاتلي الحزب بالقوات الروسية لتتحدث عن اكتساب الحزب خبرات جديدة وتدريبه على أحداث المعدات وربما تهريبه لجزء من أحدث وسائل التكنولوجيا والأسلحة، فعادت للحديث عن إمكانيات ومعركة قادمة لا تشبه المعارك السابقة وعن تدمير متبادل في إسرائيل ولبنان.
حالة الجدل التي أثارتها تصريحات الأمين العام للحزب في خطابه الشهر الماضي والتي أعقبت تهديداته بضرب مخازن الأمونيا في حيفا لم تهدأ حتى اللحظة، بل وزادت إسرائيل التي تحاول إسكات المطالبين بنقل المخازن من حيفا؛ يقيناً بشراسة خصمها وبأنه يمتلك مائة ألف صاروخ تستطيع إصابة أي مكان في إسرائيل بدقة، أي أن الحزب بإمكانه ضربها أينما كانت.
لكن التصريح الأخير لأمين عام الحزب بأن حزبه في الوضع الأفضل منذ خمس سنوات ربما أثار خصوماً آخرين في الإقليم غير إسرائيل التي اعتبرت القرار العربي «إنجاز لإسرائيل» كما كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت، فيما يرى مذيع القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي كما نقلت عنه صحيفة الديار اللبنانية قوله: «إن العالم العربي يقترب في مواقفه بالنسبة لإسرائيل» وبالتأكيد هذه ليست بشرى سارة للفلسطينيين.
ومن المؤسف هنا أن تنزوي القضية الفلسطينية عن الأجندة العربية لصالح قضية إسرائيل وهي الطرف الوحيد المستفيد.
في سورية انقسم العالم العربي إلى محورين، لكن الأمر لم يكن يحتاج إلى الكثير من التنظير لطبيعة تلك المحاور فالحلال بيّن والحرام بيّن، ومن تابع مؤتمرات الأمن القومي في إسرائيل يمكن له أن يرى الأمر بوضوح أكبر ويحكم وفقاً للمعايير الوطنية والقومية، لكن هناك معايير أخرى اجتاحت العالم العربي في السنوات الأخيرة: معايير المال والنفط، ومعايير مذهبية جعلت الأحكام مقلوبة إلى درجة تبرير التقارب مع إسرائيل ..، وحينها يمكن فهم أن يتم تصنيف حزب الله إرهابيا أي عصر هذا ..؟!
عام 2002، وفي مشهد لن تنساه الذاكرة الفلسطينية عندما انعقدت قمة بيروت ومنع الرئيس الشهيد ياسر عرفات من إلقاء كلمة فلسطين، كان بعض مساعدي الرئيس عرفات يواسونه أثناء الجدل بأن الزعماء العرب بالنهاية سيسمحون بإلقاء الكلمة، فرد عليهم أبو عمار بسخرية العارف قائلاً بلهجته المصرية: «إنتو فاكرين إنو اللي في القمة جمال عبد الناصر وصدام حسين؟».
كان عرفات يعرف ما يعرفه الأمين العام لحزب الله الذي ربما لا يجد ما يقوله بعد تصنيفه إلا أن يردد ما قاله ياسر عرفات لكن باللهجة اللبنانية.
من حظ العرب أن الضمير الحي للصحافة العربية وصديق حزب الله محمد حسنين هيكل قد رحل ولن يعلق على القرار، لكن الحقيقة هي أن ما قاله الكتاب والمحللون خلال اليومين الماضيين تثبت أن مدرسة الضمير في الصحافة العربية لا زالت حية وأن المعايير لم تنقلب كلها.