ضيفٌ من خارج الكوكب يربك بشرية متجبرة

image_processing20250831-723165-wlbxr8.jpeg
حجم الخط

بقلم د صبري صيدم

فوجئت مراصد الفضاء المتعددة حول الأرض في تموز/ يوليو من هذا العام، بدخول جسم جديد إلى المجموعة الشمسية التي نعيش فيها، والذي حمل اسم ثلاثي آي/ أطلس، ليصبح الضيف الثالث ممن يأتون من خارج مجموعتنا منذ بدأت البشرية عمليات الرصد. ومع اقتراب هذا الضيف باتجاه كوكب الأرض تصاعدت التكهنات المختلفة والتوقعات المتعددة، إلى أن تولدت القناعة بكون الضيف الزائر ما هو إلا مركبة فضائية تحمل مخلوقات من مجرة أخرى. لكن، سرعان ما تم تفنيد هذا التوقع العجيب، وتصنيف الضيف على أنه لا يتعدى كونه مذّنياً فضائياً، وذلك بسبب تكوينته التقليدية وعدم انبعاث إشارات راديوية مخصصة للاتصال أو القياس أو المناورة منه، إضافة إلى تركيبته الغازية وخصائصه الفيزيائية والكيميائية التي سهلت دراسته أكثر فأكثر. لكن الرعب الذي انتاب البشر من هذا الضيف الزائر والذي قدرت البيانات بأنه قد ولد قبل ١١ مليار عاماً، إنما ارتبط بكونه غير منضبط في حركته وهو ما أكد أنه قد أتى من خارج المجموعة الشمسية، وأنه لا يخضع لقواعد الحركة والتأثر فيها كما باقي مكونات المجموعة الشمسية.

وما إن حل الـ٣٠ من تشرين أول / أكتوبر الماضي حتى تأكدت مراصد الأرض في أمريكا والصين وإيطاليا وجنوب أفريقيا وتشيلي بأن الضيف المنفلت لن يقترب أكثر من الأرض، كونه قد تعدى الوجه الآخر للشمس ودخل مدار كوكب المريخ محولاً ما حمله من جليد إلى بخار مثقل بمركبات كيميائية متولدة إضافة إلى أبخرة مثقلة بثاني أكسيد الكربون.

ولعل ما ميّز آليات الرصد هذه المرة هو دخول الذكاء الاصطناعي على وسائل الاحتساب والتوقع والرسم والقياس، وهو ما زاد من طمأنينة البشرية بأن الزائر الضيف سيمر بهدوء ويلتف ويعود لاحقاً على بعد مسافة كبيرة عن الأرض ويغادر مجموعتنا الشمسية إلى غير عودة.

اللافت للانتباه أن البشرية، التي اطمأنت بفعل ما أتيح لها من تقنيات متعددة، إنما استخدمت ما هو في حدود معرفتها من وسائل وتكنولوجيات، دون أن يخفي البعض خوفه من حقيقة أن الضيف، في حال تأكد ذلك، مركبة فضائية تحمل مخلوقات من حضارات خارج المجموعة وربما مجرتنا، إنما امتلك إمكانات ومقدرات أهّلت المركبة المزعومة والمدعومة تكنولوجياً وفيزيائياً وكيميائياً لتتحدى قدرات البشر وظواهر الطبيعة وضوابطها، خاصة من حيث قوانين الجاذبية والحركة والاتصالات والطاقة والقائمة تطول. فالضيف حافظ على اندفاعه وتقدمه المنفلت، وهو ما جعل البشرية تخشاه وترتعد من حركته.

ومع وضوح مسار هذا المذنّب وعدم خطورته، اختفت التغطية الإعلامية عنه لدرجة أنك ستحتاج لجهد كبير لتحديد ما ارتبط به من أخبار وأبحاث. وعليه، فإن وجود الذكاء الاصطناعي في حياتنا هذه المرة قد عجّل في طمأنينة البشرية وشعورهم بأن الضيف لن ينال من كوكب الأرض.

المفارقة في هكذا تجربة لم تكن في الضيف فحسب، بل في حجم الخوف الذي خلقه، فلو أن المذنب قد ارتطم بالأرض فإنه سيغير وجه البشرية لا محالة، وربما سيساهم في فناء المخلوقات كما نعرفها، وولادة جيل جديد من البشر والحيوانات والنباتات، هذا في حال بقي للحياة مكان على كوكب الأرض وفي حال بقيت الأرض كوكباً بحد ذاتها.

البشرية إذاً تخاف الموت، لكنها لا تخاف من إيقاع الموت على غيرها، إما بتنفيذه أو بدعمه أو بالسكوت عليه. لذا، فإن حكومة إسرائيل وعلمائها شاركوا حتماً البشرية مخاوفها، لكنهم لا يخشون قتل الفلسطينين أو مباركة ذلك عن سبق إصرار وترصد. أي نفاق هذا؟ نفاق تعيشه البشرية التي تحتاج إلى كوكب متوازن يضبط البشر فيه إيقاع حياتهم بالتراضي والتشارك والتقاسم ضمن قواعد أخلاقية تضع حداً للطمع والكراهية والضغينة واختلاق الحروب وتوظيف بعض العقائد والتاريخ والجغرافيا لنزع الآدمية عن بعضنا البعض دون ضوابط ولا روابط؟

تجربة ثلاثة آي/ أطلس الصامتة قد تحمل أسئلة علمية لا تنتهي، لكنها تحمل أسئلة أخلاقية حتمية لم ولن تنتهي، فمتى تستفيق البشرية لتقتنع بأن احتلال حياة الناس وأحلامهم، ومقارعتهم على خبزهم وعيشهم وازدهارهم، ما هما إلا أمران حقيران لا يستحقان أصلاً القبول والاستمرار؟ للحديث بقية!