أزمة مقاتلي رفح ..!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

الكاتب: أكرم عطا الله

 

تكذب إسرائيل في موضوع المقاتلين في أنفاق رفح الذين يتعرضون لإعدام ميداني يصاحبه قدر من الفرح الاحتفالي في الصحافة الإسرائيلية، التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى حالة منزوعة الإنسانية، كما كل مكونات الدولة التي تنزاح منذ سنوات نحو دينية فاشية هي أحد مركبات  الأيدلوجيا الدينية، لكن ما نشرته تلك الصحافة عندما جاء ستيف ويتكوف حاملاً تصوراً ما لحل تلك القضية يكشف ما تقوله الحكومة الإسرائيلية.
مطلع الشهر الحالي بدت قضية مأساة مسلحي رفح واحدة من القضايا التي يمكن أن تنفجر في وجه استكمال عملية تسلم الجثث، والتي تقوم بها حركة حماس بسلاسة وخشية عرقلة استمرار نجاح المرحلة الأولى لخطة ترامب. لذا جاء مستشار الرئيس الأميركي حاملاً اقتراحه الذي اعتبرته الولايات المتحدة حينها اقتراحاً شديد الأهمية، ليس فقط لجهة تجنب الأزمة بل أن البيت الأبيض وجدها فرصة لتحويلها لبروفة تسليم سلاح حماس، تتأهل أو تتدرب خلالها الحركة على عملية التسليم، وعندما تأتِي المفاوضات وتكون قد كسرت حاجز الحَرَج ، بمعنى أن ويتكوف وخلفه الرئيس الأميركي كانا مندفعَين لحل الأزمة بما يخدم مأزقي الراهن والمستقبل.
بدا بنيامين نتنياهو وتحت وطأة المقترح الأميركي أميَل للموافقة كما نقلت «واي نت» مطلع الشهر، مع بعض الشروط التي تحفظ للعنجهية الإسرائيلية تفوقها على نمط اعتقال يتم تسليم أسلحتهم لطرف ثالث «تركيا أو مصر» كما ذكر ويتم استجوابهم، ثم يتعهدون بأن لا يعودوا للعمل المسلح قبل نقلهم لمناطق تسيطر عليها حماس، أو كحل آخر يجري إبعادهم لدولة ثانية، حركة حماس التي لم تكن في موقف يسمح لها بالاعتراض أو وضع الشروط احتفظت بالصمت، إلا من بعض الناطقين الهامشيين، لنعتقد أننا بلا أدنى شك أمام حل ستفرضه الإدارة التي تتوق لرؤية مشهد النجاح الذي يتباهى به الرئيس ترامب.
اجتمع الكابينت الإسرائيلي لمناقشة المسألة، واقترح رئيس الأركان إيال زامير حينها  أن تجري مقايضة عالقي حماس في أنفاق رفح بجثة تعود لأسير إسرائيلي كانت حماس قد قتلته وأسرته في حرب عام 2024، وكان الأمر في طريقه للتحقق، وقد نشرت القناة الثانية عشرة في الثالث من نوفمبر قدراً من التفاؤل بتسوية الأزمة وقدرت العدد بـ 200 مسلح، لكن الذي حدث حينها أن النقاش في الحكومة الإسرائيلية نسف الاقتراح الأميركي وقلب الطاولة في وجه الجميع، كما أن نتنياهو الذي أظهر في البداية قدراً من المرونة عاد وتراجع تحت ضغط الشركاء وخصوصاً رئيس حزب الصهيونية الدينية الذي هدد الحكومة إذا ما توقفت عن الانتقام بالصورة التي تريدها إسرائيل.
في الرابع من تشرين الثاني نقلت المواقع الإسرائيلية عن الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية وغضب الوزيرين بتسليئل سموتريتش وايتمار بن غفير من مجرد مناقشة المقترح، فقد كتب رئيس حزب الصهيونية الدينية سموتريتش على منصة X « إن السماح بخروج مسلحي حماس من الأنفاق والانتقال إلى مساحة لا يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي هو جنون مطلق يجب أن يتوقف» هذا يعني أن النقاش كان على طاولة الحكومة، لكن بعد اعتراض سموتريتش تراجع نتنياهو عن الفكرة وقام ويتكوف بتغطية انسحابه كما تفعل الولايات المتحدة دوماً حين يتعلق الأمر بإسرائيل، تتوقف عن التصرف كوسيط، بل تشكل غطاء ليصدر مكتب نتنياهو بياناً يقول فيه «إن رئيس الحكومة لم يفحص إمكانية السماح لعبور مسلحي حماس وأنه مصر على تطبيق خطة ترامب».
من يراقب تركيبة الحكومة الإسرائيلية منذ أن تشكلت في الأيام الأخيرة لعام 2022 وموقع سموتريتش فيها كحجر زاوية، وكيف يفكر وقدرته على الإطاحة بمستقبل نتنياهو السياسي، يمكن ببساطة أن يفسر كثيراً من السياسات التي اتبعتها تلك الحكومة حتى خلال العام ما قبل الحرب. ولكن هذه الحرب وفرت لمتطرفي الائتلاف مساحة أوسع للحديث ولتطبيق سياسات ولعرقلة قرارات وتوجهات، وخصوصاً أن القوة الإسرائيلية تمكنت من توجيه ضربات شديدة لخصومها في غزة ولبنان وايران، زودت خطاب التطرف بما كان يحتاجه من ذخيرة للتبجح بموقفه والتأكيد على القوة، واستعمال القوة كحل وحيد للعرب «هذا هو الخطاب العنصري الذي انسحب على مقاتلي حماس في حي الجنينة» فلم يرَ بن غفير حلاً سوى قتلهم هكذا ببساطة، ليس فقط لأنه وريث القتلة، بل لأن الميدان تمكن من تحقيق النتيجة التي يريد مقابل الخصوم الذين يتلقون الضربات دون القدرة على جباية ثمن يمكن أن يجعل متطرفي الحكومة أكثر تواضعاً في خطابهم.
ولكن تبقى المقولة الأثيرة للصحافي الكبير محمد حسنين هيكل تصلح لقياس نماذج تاريخية وهو يكتب عن دورة صعود وهبوط الإمبراطوريات قائلاً «الإمبراطوريات في طريقها للصعود تستخدم العنف، ولكن في طريقها للهبوط تكون أكثر عنفاً» إسرائيل في صعود النكبة كانت عنيفة والآن تقدم نموذج عنف لا مثيل له. أما عن الهبوط فتلك رواية بدأت منذ ثمانينات القرن الماضي وصعود القوى الدينية، والانزياح الديمغرافي، وتلاشي اليسار العلماني، وهروب الأدمغة، وثورة القانون، لصناعة دكتاتورية شرقية مشوهة وحرب الإبادة الأكثر انكشافاً، وكثير من التفاصيل التي جاءت في مقالات سابقة وستأتي في مقالات لاحقة.