أحدهم وُضع في تابوت

"شهادات خرجت من الجحيم".. أهوال يكشفها أسرى غزة عن التعذيب داخل السجون بعد 7 أكتوبر

أهوال قصة أسير غزّي وضعه الاحتلال داخل تابوت وهو حي
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - سنابل الغول

"كانت لحظاتٌ تحبس الأنفاس حين وضعوني في تابوت موتى وأنا حيّ، مُكبَّل اليدين والقدمين، معصوب العينين. كان الصعق بالكهرباء أرحم لي من هذا النوع من التعذيب".

بهذه المفاضلة بين صنوف العذاب التي لا يحتملها بشر، بدأ ابن غزّة الأسير المحرر عماد نبهان حديثه، كاشفًا عن أهوال عاشها حين ضاق العالم عليه حتى صار بحجم تابوت، وصار النَّفَس معركة، والظلام شريكًا، والوقت عدوًّا لا يرحم. هناك، وجد نفسه حيًّا في قبر من خشب وحديد، داخل غياهب زنازين الاحتلال التي لم يدخلها أحد بعد السابع من أكتوبر إلا وقد قرأ على نفسه سورة الغياب.

يروي عماد قصته قائلًا:

"تم اعتقالي من مخيم جباليا بتاريخ 20/12/2023. من هنا بدأ الجحيم. أدخلوني معتقل سديه تيمان لتبدأ معه رحلة العذاب الأقسى، حيث جربتُ فيها صنوف التعذيب بالكهرباء وبالتابوت وبالشبح. كنت أموت ببطء".

ولتقريب مشهد العذاب الذي عاشه في داخل المعتقل، أشار إلى الكرسي البلاستيكي الذي كان يجلس عليه. وبنبرة يَحبس فيها الغصّة، ويداه ترتجفان وهو يستحضر كابوس الصحوة، أوضح:

"كرسي مثل هذا، لكن من الحديد. كنت مُكبَّل اليدين والقدمين، ويقوم الجلّاد بصعقي بالكهرباء. وإن لم يجد نتيجة من التعذيب الكهربائي، ينتقل إلى التعذيب النفسي، وهو التعذيب داخل التابوت".

توقف عن الكلام لبرهة، وتنفس الصعداء وهو مغمض العينين كأنه يعود من الجحيم، ثم تابع:

"مكثتُ 12 يومًا في تابوت وأنا حي.

الشعور لا يوصف.

كنت ممددًا في تابوت خشبي بداخله قفص حديدي، فيه ثلاث فتحات صغيرة: واحدة لإدخال الطعام بالماصّة، واثنتان للتنفس.

الطعام كان عبارة عن رُبع كأس صغير من شوكو الأطفال الذي يحتوي على مكملات وفيتامينات. كنت أسحب شهيق النفس بأعجوبة"، قالها واضعًا يده على صدره كأنه خرج من التابوت للتو.

ثم أكمل: "لم أكن أعرف شيئًا عن الوقت في الخارج إلا وقت الصباح، لأنه كان موعد إخراجي من التابوت لاستكمال التحقيق والتعذيب".

وأوضح أنهم خلال التعذيب حاولوا استدراجهم للعمالة، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك؛ فالموت أهون عليه من خيانة وطنه.

واختتم حديثه قائلًا: "أسوأ لحظة في حياتي كانت لحظة دخولي التابوت، وأجمل لحظة حين انتهى الكابوس وخرجت إلى حضن أهلي".

وفي وجه آخر لصنوف العذاب التي يتجرعها المعتقلون الفلسطينيون، يتحدث د. مؤنس محسن (أسير محرر وطبيب متطوع في مستشفى الشفاء) الذي تم اعتقاله ووضعه في سجن راكيفيت السري، قائلًا:

"تم اعتقالي في 18 مارس/2024 من مستشفى الشفاء، ونُقلنا إلى الداخل المحتل. وضعونا في سجون سرية للغاية، مقطوعين عن العالم الخارجي، محرومين من سماع الأخبار أو الاطمئنان على أهلنا. لم ندرِ إن كانوا أحياء أم أموات، وكان ذلك أسوأ عذاب نفسي يمكن أن يتعرض له أي كائن حي".

وأضاف: "خلال فترة اعتقالنا التي دامت عامًا وسبعة أشهر، تم استخدام أعتى وأبشع أساليب التعذيب من شبح وضرب مبرح وتنكيل. وكان أقذرها الاغتصاب الجنسي بحق المعتقلين من أبناء مدينتي. لا توجد كلمات تصف شعورنا حينها أو تلك اللحظات القاسية التي عشناها".

هذه الشهادات ليست حكايات عابرة؛ بل صرخات كاشفة لجحيم يشبه الموت وإن تأخر.

يرويها الأسرى الذين تاقوا إلى النجاة من آلة التعذيب الإسرائيلية في أيام صار الخوف جدارًا يطبق على أرواحهم، والتابوت وطنًا مؤقتًا، والعذاب لغة يومية لا تنتهي.