هل يتحقّق السلام من دون احــترام حــقــوق الآخـــريــــن؟

تنزيل (9).jpeg
حجم الخط

الكاتب: طلال عوكل


 


لم يمضِ وقت طويل، على احتفالية تحقُّق السلام في الشرق الأوسط، كما يحلو لرئيس أميركا دونالد ترامب، أن يزعم حتى بات الجميع في المنطقة في حيص بيص من أمرهم.
الكل يركض في كل اتجاه بحثاً عن محاولة تحريك ذلك السلام، لكن الكل يتعثّر أمام تجاهل الإدارة الأميركية لحقائق المنطقة، واستمرارها بطريقة أو بأخرى، بتوفير الغطاء اللازم، وتقديم الدعم لشهوة الاستمرار في الحرب من قبل تحالف «اليمين» المتطرّف الإسرائيلي.
اعتقد ترامب أن التوقيع على خطّته في شرم الشيخ المصرية، وتجاهل الطريق الذي يمكن أن يؤدّي إلى سلام، سيكون كافياً، لفتح «اتفاقات أبراهام» على المزيد من المتقدمين للانخراط به.
كانت العربية السعودية هي الدولة الأولى المرشّحة لكسر جمود الالتحاق بركب الموقّعين الأربعة عليها، وإذ بترامب يضطرّ للموافقة على جملة من طلبات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من دون أن يحصل على وعد بـ»تطبيع» العلاقة مع دولة الاحتلال.
لقد أغلق بن سلمان الباب أمام كل المنتظرين بعد أن رهن «التطبيع» بفتح مسار حقيقي، جدّي، وفق آليات واضحة وجدول زمني لقيام الدولة الفلسطينية.
تغضب دولة الاحتلال، ولكن بريق المال والاستثمارات بالنسبة لترامب، أهم من الغضب الإسرائيلي، بينما تعاني بلاده من أثقال ديون متزايدة تجاوزت الـ 37 تريليون دولار.
ما جرى بالنسبة لـ»خطّة ترامب» لا يتجاوز وقف حرب الإبادة الجماعية بينما تستمرّ العقوبات الجماعية الإسرائيلية على سكّان قطاع غزّة الذين ما زالوا يفتقرون إلى أبسط وسائل الحياة من مسكن وطعام ودواء وأمان، فيما يستمرّ القتل اليومي، وتستمر دولة الاحتلال في تحريك «الخطّ الأصفر» نحو زيادة مساحة سيطرتها.
لا تريد دولة الاحتلال التحرّك نحو الدخول في المرحلة الثانية من «الخطّة»، ولا تفعل الإدارة الأميركية شيئاً من أجل التقدم إلى الأمام فيما لم تتقدّم أي دولة حتى الآن لإرسال جنودها إلى غزّة، في مهمّات قتالية ضدّ مقاتلي المقاومة الفلسطينية.
تدرك الدول التي أبدت استعدادها، للمساهمة في استقرار الأوضاع في القطاع أنه سيكون عليها، إكمال ما فشلت في تحقيقه قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عامين من الحرب البشعة، فيما ترفض الدولة العبرية مشاركة دول عربية وإسلامية في مهمّة لا تسمح لها بمواصلة حربها العدوانية.
أين تحقّق السلام، هل في السودان، الذي تزداد فيه الحرب ضراوة، ويرفض السودان الرسمي المبادرة الأميركية التي تحاول إنقاذ «قوات الدعم السريع»، التي تستجدي وقف إطلاق النار، وتخشى من التعرّض للهزيمة الساحقة؟
هل تحقّق السلام في لبنان، الذي يقف على شفا هاوية التعرّض لتصعيد كبير، بعد أن تمادت دولة الاحتلال في عدوانها، وتجاوزت كل الخطوط بكل ألوانها؟
لبنان قدّم كل شيء من أجل تجنّب الحرب العدوانية، واستعادة أراضيه المحتلة، لكن الآفاق مغلقة، وقد أدرك النظام الرسمي أن دولة الاحتلال لن تنسحب من جنوب لبنان، حتى لو تم التوصل إلى طريقة للتعامل مع سلاح «حزب الله» اللبناني.
القتل والاغتيالات، والتدمير والقصف الجوّي لا تتوقّف على لبنان، وقد تجاوزت خطّ جنوب الليطاني، ووصلت إلى البقاع، وإلى بيروت، حيث الضاحية الجنوبية.
يقول وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن جيشه لن ينسحب لا من القطاع، ولا من لبنان، ولا من سورية، بينما يقول الأميركي إن لا أحد يستطيع أن يمنع دولة الاحتلال من الدفاع عن نفسها.
من حقّ دولة الاحتلال أن تدافع عن نفسها، ولكن ماذا عن حقوق الآخرين في الدفاع عن أنفسهم وأوطانهم. يثور السؤال حول من الذي يمارس التهديد، والتوسّع، والتدمير، للآخر، هل هو سورية، أم الفلسطينيون أم اللبنانيون؟
في الواقع يتوسّع مفهوم الدفاع عن النفس لدى الإدارة الأميركية ليشمل حق أميركا ودولة الاحتلال في معاقبة من ينتقدون الأخيرة إن كانوا يتهمون باللاسامية أو الإرهاب، أو السعي خلف العدالة الدولية، أو حتى المدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين عن القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة.
وفق المنظور الأميركي، كل هؤلاء يشكّلون تهديداً لدولة الاحتلال ما يعطيها الحق في الدفاع عن نفسها، ويعطي لأميركا الحق في ملاحقتهم وفرض العقوبات عليهم.
أين تحقّق السلام، هل في الضفة الغربية، التي تتعرّض مدنها وقُراها وأهلها، لحملات متواصلة ومتكرّرة، من قبل جيش الاحتلال وميليشيات المستوطنين المسلّحين، ما يجعل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تواصل التحذير من احتمال انفجار الأوضاع في الضفة؟
لماذا تصمت الإدارة الأميركية، ويتجاهل العرب وغير العرب المخاطر التي تتعرّض لها الضفة والقدس، ويكتفي الجميع بإطلاق التصريحات والبيانات المندّدة والمحذّرة؟
بعد التوغّل الإسرائيلي في بلدة بيت جن في ريف دمشق يعلن كاتس، أن كيانه أمام جبهة جديدة، وتتّهم إسرائيل نظام الشرع في المشاركة أو التغطية على المقاومة الشعبية التي واجهها جيش الاحتلال في بيت جن، وأسفرت عن إصابة 6 من جنوده وضبّاطه.
ما وقع في بيت جن يوم الجمعة الماضي، لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، فإن كان النظام لا يزال يُغازل دولة الاحتلال ويدّعي أنه لا يُكنّ العداء لها، وقد استوعب كل ما قامت به من اعتداءات، وتدخُّلات، لمنع التعافي، إن كان كل ذلك وأكثر قد حصل أمام أعين الجميع، فإن الشعب السوري لا يُغادر طبيعته المقاومة للظلم والقهر والعدوان.
لم تفعل الإدارة الأميركية شيئاً لوقف الطغيان الإسرائيلي على سورية، بالرغم من أنها تبدو وكأنها حاضنة للنظام السوري الجديد، وتعمل معه، من أجل الاستقرار والتعافي.
لا شيء قد تبدّل على الأوضاع في المنطقة، التي تشهد حالة استثنائية من الاضطراب والفوضى، وعدم الاستقرار التي تتحمّل الإدارة الأميركية، مع دولة الاحتلال المسؤولية عنها. بل أين يمكن الحديث عن إنجازات بتحقيق السلام في العالم، هل في أوكرانيا، أم في فنزويلا، أم في شرق آسيا، أم حتى في أوروبا، أم حتى داخل أميركا نفسها؟