ماعاشته غزة طيلة السنتين يفوق تحمل البشر، كل شيء تم استهدافه، الحياة البسيطة التي كان يعيشها الغزيون لم تعد كما هي، من البيت إلى الخيمة، من الكهرباء إلى إضاءة الكشاف والليد، من مياهٍ بالخزانات فوق أسطح المنازل تضخ طيلة اليوم، إلى عربات تحمل خزانات وتجوب الشوارع بين المخيمات وخيام النازحين والعشرات حولها يتزاحمون ويتقاتلون من أجل الحصول على بضع لترات من المياه والذي في أغلبه غير صالح للشرب، ومن الطهو في مطبخ المنزل بما لذ وطاب من الأكلات من قبل الأم إلى الوقوف ضمن طابور كبيرٍ من الناس على تكية طعام في أغلب الأوقات الطعام فيها لا تتقبله النفس البشرية، تلك المقارنات ماهي إلا صورة صغيرة من الحياة قبل وبعد السابع من أكتوبر 2023، وهناك بكل تأكيد صورٌ كثيرة ومتعددة تُدمي القلب وتدق جدار الذاكرة متمردة على الوضع القائم، تلك الصور حاولت كاميرا الكبار والصغار في غزّة توثيقها، بعضها بشكل تلقائي وغير مهني والبعض الآخر من مهتمين وفنانين متخصصين بتوثيق الحالة عبر الفيديو أو الصورة الحقيقية أو التمثيلية مثل الفنانين الذين يسكنهم وجع ومآسي الناس كيف لا وهم يعيشون فيها أيضاً.
توثيق الحالة ورسمها أمام عدسة الكاميرا لم تكن صعبة كما السابق فجميع العوامل والمشاهد التي يحتاجها أيّ مخرج أو فنان هي متوفرة وبكثرة.
فنانون ومخرجون في غزّة انتفضوا على واقعهم المر وحملوا هم المواطن وجابوا الخيام ورصدوا الأحداث بعدسة كاميراتهم وبمعداتهم البسيطة التي لا تتعدى في بعض الأوقات على عدسة كاميرا الجوال، لكنها رسمت الواقع كما يجب أنّ يكون، فالتف حولهم الصغير والكبير، المتعلم وغير المتعلم ليقولوا للعالم الحر إنَّ هناك شعباَ يحب الحياة، هناك شعباً تعرض لإبادة جماعية خسر أحبائه وبيته ومصدر رزقه ومازال يقاوم.
ولعلنا حين نتحدث عن الفن وعن دوره في فضح جرائم الاحتلال وإبراز الهوية الفلسطينية كالدراما والقصص الشعبية والدبكة الفلسطينية الأصيلة أيضاً نتحدث عن السينما وكم الفنانين الذين قضوا سنين عمرهم في هذا الجانب بتمثيل الواقع ومخرجين متميزين أخرجوا لنا عملاً يلامس الفؤاد ويجذب العين.
ومن أبرز القضايا التي تناولها الفن والسينما في فلسطين عامي الحرب هي دورها في توثيق النزوح داخل الخيام والتي جاءت نتيجة تعب وعمل جاد وشاق من قبل فنانين ومخرجين كرسوا وقتهم ومالهم وحياتهم من أجل استقطاب الأطفال والكبار للخروج بعمل فني يظهروا للعالم من خلاله مآسي غزة وقضاياها وهمومها التي لا تنتهي بعد الحرب.
المخرج السينمائي سعود مهنا رئيس ومؤسس مهرجان العودة السينمائي الدولي وبالتعاون مع المخرج والأكاديمي يوسف خطاب مدير مهرجان العودة السينمائي الدولي، قاموا دون كلل أو ملل وبجهدهم الذاتي وبمالهم المتواضع الخاص وبالتعاون تارة أخرى مع المؤسسات التي تُعنى بالفن، بتصوير قضايا المواطن ومعاناته بكاميرا الجوال في بعض الأحيان وقد خرجت عدة أعمال للنور من بينها تسليطهم الضوء على مشكلة انقطاع الإنترنت في غزّة وعدم وجود شبكات مستقرة يستطيع الطالب والباحث والعالم والموظف والفنان أن يعمل عليها دون أي عقبات.
بالإضافة لتركيزهم على الأطفال من منطلق إيمانهم الكبير بأنَّ الطفل الغزي وحده ودون سيناريوهات أو تنميق للواقع يستطيع رسمه وتصويره فأطلقوا نداءًا للأطفال الذين يودون المشاركة في تصوير العمل وتمثيله فتهافت العشرات منهم وأخرجوا أعمالاً بإمكانياتٍ بسيطة لكنها جميلة جداً تُعبر عن الواقع، كل ذلك من خلال عدسة الجوال.
وبالعودة لدور السينما في توثيق حال النزوح في الخيام أقام مديرا ومؤسسا مهرجان العودة السينمائي فعالية يعلنان فيها عن انطلاق الخيمة السينمائية والتي أُقيمت في جمعية الإنسان التنموية بمواصي القرارة جنوب القطاع لعرض مجموعة من الأفلام التي شاركت في مهرجانات دولية وحصدت المركز الأول بالإضافة لمجموعة الأعمال المحلية التي أنتجها المخرجيّن وفنانين آخرين لعرضها والبحث عن طرق أخرى لترى النور عربياً وعالمياً.
وضمن انطلاقتها وجه المخرجّين دعوة لمجموعة من الفنانين والمختصين في هذا المجال للحضور لخيمة السينما للتحدث حول دور السينما وأهميتها في تصوير هموم المواطن النازح في غزة.
ضمن حلقة نقاش مع الفنانة الفلسطينية الأردنية القديرة عبير عيسى من خلال برنامج الزوم عبر الإنترنت وتقديم التحية لها أيضاً على وقوفها مع أبناء شعبها في غزّة، كيف لا وهي التي كرست وقتها وقلمها وصوتها وصورها طيلة العامين لفضح ممارسات الاحتلال وإبراز الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء شعبها في غزة، بدورها رحبت الفنانة عبير بالحضور وعبرت عن سعادتها الكبيرة للقاء أبناء شعبها في غزة التي تحبهم ويحبونها، وقد وجه لها الحاضرون مجموعة من التساؤلات والتي تمحورت معظمها حول دور الفن والفنانين الأردنيين والعرب في الوقوف بجوار الشعب الفلسطيني وعن الخطوات الواجب إتخاذها لإبراز القضية الفلسطينية للعالم أجمع وتصدرها مرة أخرى بعد عمليات التضليل التي قام بها الاحتلال طيلة حربه على غزة بإظهار نفسه الضحية والمُعتدى عليه وكان من الواجب الرد على اعتداء غزة بارتكاب المجازر فيها خصوصاً أمام دول الغرب والتي انحازت بعض منها لجانبه كألمانيا والدنمارك بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وكالة "خبر" رصدت بعض تصريحات الفنانة عبير عيسى التي أكدت خلال الندوة التي أقيمت في خيمة السينما على ضرورة توثيق الأعمال عبر عدسات الكاميرا من قبل الفنانين الفلسطينيين في المقطع التالي:
بجانبه تحدث المخرج سعود مهنا مؤسس مهرجان العودة السينمائي، لوكالة "خبر" عن دور خيمة السينما والفكرة التي خرجت منها والظروف التي أدت إلى خروجها، وأهم القضايا التي يعملون عليها الفترة القادمة، فقال في الفيديو التالي:
ولعل من أبرز الفئات التي ركز عليها القائمون على الخيمة السينمائية هم فئة الأطفال كما ذكرنا سابقاً في التقرير، فكان الأطفال هم الذين يقومون بالتصوير والتمثيل والإخراج بإشراف المخرج سعود مهنا ويوسف خطاب فخرجت أعمالهم صادقة وبسيطة، تُبرز الواقع وتظهره للعالم عبر كاميرا الجوال، وحول هذا الموضوع يتحدث لنا الدكتور يوسف خطاب عن دور السينما وفكرة خروج هذه الأعمال وأهم الخيارات التي يعملون عليها هذه الفترة بالشراكة مع فنانين عرب وعبر استقطابهم لعرض الأعمال الفلسطينية في بلدانهم في الأيام القادمة، فتحدث في حوار خاص مع مراسلة "خبر" في التقرير التالي:
ولأنه الفن الذي لا دين له ولامكان، هو السابح في كل أرجاء العالم عبر أناس كرسوا حياتهم لخدمته وتوصيل كل الرسائل التي لايستطيع غيرهم إيصالها، سيكون هذه المرة من غزة التي سُرقت ونُهبت وتدمرت مبانيها واستُشهد أبناءها لكن من بقوا فيها يكملون الرسالة ويوجهون البوصلة باحترافية نحو هذه الرسالة السامية التي أبرزت قضايا المجتمع والمواطن عبر فيديو قصير معبر.
وكالة "خبر" سترصد في الفترة القادمة هذا الملف وتوثق اللحظات الجميلة التي يعمل بها هؤلاء الفنانين وخطة سير عملهم وأهم الأفلام التي ستُعرض خلال اللقاءات القادمة وتوثقها في تقرير جديد، بالإضافة لذلك ستعرض أهم اللحظات التي عمل بها فريق مهرجان العودة السينمائي وأهم أعمالهم التي وثقوها عبر كاميراتهم المتواضعة.
ويبقى الفن الرسالة الأسمى لإبراز القضايا والتحدث عنها في أي مجتمع، فكيف بمجتمع غزة الذي انقلب رأساً على عقب، وبإصرار فناني فلسطين سيوجهون البوصلة نحوها إما الشهادة أو تحريرها من دنس الاحتلال.
جانب من المعرض في فيديوهات قصيرة وصور توثق الفعالية:
