الصدمة الفلسطينية.. كيف نستثمر نتائج المرحلة: ما لها وما عليها

سميح
حجم الخط

القاهرة - وكالة خبر- بقلم د. سميح خلف

بلا شك هناك متغيرات كبرى بعد السابع من أكتوبر كانت صادمة للإسرائيليين، وعلى مدى عامين كانت صادمة للفلسطينيين أيضًا. فكيف نفكر من جديد؟ وكيف نبدأ من حيث انتهى الواقع (وفي اعتقادي لم ينتهِ بعد)، فالكثير من المعادلات لم تحقق أهدافها سواءً في مفهوم عمق الصراع العربي–الإسرائيلي أو في البعد الإقليمي والقوى المتصارعة على النفوذ.

خطة “العشرين الترامبية” جاءت كنتيجة لإنهاك المقاومة الفلسطينية على مدى سنتين، ولإنهاك بل تدمير البنية التحتية داخل قطاع غزة، وبناء 56 بؤرة ومستوطنة تقسم الضفة إلى كانتونات في محاولة لإحباط أي جهود سياسية أو دولية أو إقليمية لجعل الدولة الفلسطينية واقعًا قانونيًا وتنفيذيًا على الأرض بمنطق حل الدولتين. وبرغم كل التقارير حول جدية أمريكا في التنفيذ، إلا أن الخطة تواجه عراقيل في تجاوز المرحلة الأولى والدخول في الثانية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية وبقاء نتنياهو يرفع شعار “النصر المطلق”.

في الوقت نفسه، ما زالت حماس –وفق تقارير دولية– تحتفظ بثلثي قدراتها العسكرية والتنظيمية داخل قطاع غزة، وترفض تسليم السلاح إلا في حالة بدء فعلي لإقامة الدولة الفلسطينية من خلال حكومة انتقالية تشمل غزة والضفة، أو إدارة محلية تخضع للسلطة في فترة زمنية محددة تمهيدًا لانتخابات رئاسية وتشريعية ونظام سياسي موحّد “قانون واحد وسلاح واحد”. إلا أن هذا يتصادم مع توجهات الرئيس الفلسطيني الذي يستجيب للضغوط الأمريكية والغربية حول إصلاحات في التعليم وبناء الإنسان الفلسطيني وفق رؤية “السلام وقبول الآخر”.

الرئيس الفلسطيني أصدر مرسومًا بتحويل رواتب ومستحقات الشهداء والأسرى والجرحى إلى مؤسسة “التمكين الوطنية” تحت بند المساندة المجتمعية والمشاريع الصغيرة، وإلغاء القوانين السابقة الخاصة بهذه الفئات. وفي خطوة أخرى أصدر الرئيس وحكومة محمد مصطفى قرارًا بإجراء انتخابات محلية في الضفة فقط دون غزة، مما يشكّل عامل انقسام جديد يهدد البنية الوطنية ووحدة الجغرافيا والشعب.

الأزمة لا تقف هنا، فالمرسوم الرئاسي الذي يشترط على من يترشح للانتخابات الالتزام ببرنامج منظمة التحرير والسلطة واتفاقياتها مع إسرائيل يعارض القانون الأساسي ويتناقض مع المفهوم الديمقراطي، وينفي وجود شريحة سياسية واسعة من الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والشتات.

هذا يقودنا لتناقضٍ ثنائي:

بين السلطة وحماس

وبين حماس والاحتلال

فحماس لن تتخلى عن سلاحها، وترى أن الانتخابات بدون توافق وطني تُضعف الموقف الفلسطيني أمام المرحلة واستحقاقاتها.

على الجانب الإسرائيلي، يرى اليمين أن المرحلة قد تمنحه إنجازًا انتخابيًا تحت مقولة “لا وجود لحماس في غزة”، في حين تشير تقديرات أمنية إقليمية ودولية إلى استحالة استقرار غزة أمنيًا بدون وجود حماس بشكل من الأشكال. المعضلة الحالية تتمثل في الإصرار على وجود السلطة وحدها في غزة بنفي الآخر، وهو تصور غير منطقي فالسلطة لا يمكن أن تمارس دورًا فعليًا دون التئام مع حماس ضمن تفاهمات وطنية.

يضاف إلى ذلك الطرح الأمريكي حول مشروع Sun Rise – شروق الشمس الذي يتصور غزة “ريفيرا تكنولوجية على المتوسط” دون أي رؤية لوجود دولة فلسطينية موحدة، وهو طرح يتناقض جذريًا مع مفهوم الدولة والهوية والسيادة.

إن السابع من أكتوبر أحدث صدمة فلسطينية بتكاليف عالية، وصدم إسرائيل أيضًا بتكاليف أمنية وسياسية كبيرة، لكن الأهم الآن: كيف نستوعب الصدمة على طريقة الإنجاز وليس الانهيار؟
وهذا لن يتحقق بإصلاحات شكلية، بل بخطوات حقيقية لتقاسم الحمل الفلسطيني بين القوى الوطنية كافة، بما فيها فتح وحماس وبقية الفصائل، والخروج بورقة عمل موحدة تدخل في معادلة المرحلة وتعيد التوازن الذي فقدته الساحة الفلسطينية لصالح قوى إقليمية ودولية.

إن وحدة الرؤية والبرنامج والتصور الاستراتيجي، ضمن تفاعل حذر مع الإجماع العربي والدولي حول نبذ الإرهاب وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، قد تسمح بالخروج بأقل خسائر وبتحقيق بعض الإنجازات على مسار تثبيت الهوية والوجود الفلسطيني والجغرافيا على الأرض.
سميح خلف