نقلت الحرب الإسرائيلية البشعة الفلسطينيين في قطاع غزة بكافة مكوناتهم الاجتماعية والعمرية الي حياة اخري ,نقلتهم من حياة استقرار وهدوء الي حياة مليئة بالموت والخوف والرعب والتحدي والمعاناة ,من حياة دائمة في بيوت امنه ومستقرة نوعا ما الي حياة مؤقتة غير مستقرة بكل تفاصيلها ,حياة تحدياتها مركبة، حياة لم تكن متوقعة حتي في أسوء الظروف العادية ,حياة ليست كحياة عادية لاي بشر على وجه الأرض ، حياة معاناة واحتياج لاهم عوامل البقاء وحياة مواجهة مستمرة مع التحديات الجديدة التي خلقتها واوجدتها الحرب امام الفلسطينيين بالقطاع ,هذه التحديات اعادت الفلسطينيين سنوات للوراء وسلبت منهم كل املاكهم المادية ,لكنهم اثبتوا انهم قادرين على التأقلم والصمود في وجه هذه التغييرات فلا خيار امامهم سوي الصمود وهذا خيار اجباري يتساوى امامه كل الفلسطينيين غنيهم وفقرهم ,سيدهم وخادمهم . حرب الإبادة الجماعية طالت الجميع والقت بأثارها وتداعياتها الكارثية على الجميع ولم تتثني منهم احد , لم يبقي للفلسطينيين بيوت ولا أماكن إقامة دائمة ولم يبقي لأطفالهم مدارس يذهبوا اليها كل صباح كباقي أطفال العالم يجلسوا في غرف صفية يتلقوا العلم والتربية ويكتسبوا معارف جديدة, مدارس وجامعات ترسم لهم مستقبل امن ومزدهر ,لم يبقي لديهم مستشفيات متطورة ولا غير متطورة فقد احرق الاحتلال مستشفياتهم وسرق اللصوص ما تبقي منها...!, لم يبقي لهم طرقات يسيروا فيها فقد قلبت الحرب الشوارع رأساً على عقب وغيرت الطرقات والحارات التي لم تعد معالمها معروفة حتى لسكانها.
لا يعيش الفلسطينيين في غزة حياة عادية ولا مستقرة فكل شيء في غزة بات مؤقت ,الخيمة التي صنعها الفلسطيني من قماش او حصل عليها من بعض المؤسسات الدولية لتأوي اطفاله ما هي الا خيمة مؤقتة سرعان ما تقتلعها الرياح ويبقي الفلسطيني بلا غطاء او تطالها الحرب والقذائف فيهرب بأطفاله مع قليل من الطعام تاركاً خيمته لتدوسها دبابات الاحتلال والكثيرين منهم لم يستطيعوا حتى ان ينجوا من جنازير الدبابات فمنهم من داسته الدبابات داخل خيمته ومنهم من جرفت البلدوزرات خيمته واخذت كل ما فيها من حياة مؤقته الي اكوام من الرمال لتصنع منها الدبابات مواقع تتموضع فيها , منهم من مذقه الرصاص والقذائف وتطايرت اشلائه فوق خيام اخري . الطعام الذي يتناوله الفلسطيني مؤقت وعلى قدر الحاجة ما يتوفر لدية اليوم قد لا يتوفر عنده غداً وبالتالي هو يعيش اليوم ولا ضامن لان يجد ما يعتاش عليه غداً, ملابسه التي يرتديها او ملابس اطفاله أيضا مؤقتة فقد تكون تناسب الخريف او الصيف ولا تناسب الشتاء فقد خرج من بيته فقط بملابس صيفية رقيقة بالية على أمل ان يعود لبيته قريبا قبل الشتاء القادم، جاء شتاء وبعده اخر ولم تنتهي الحرب او لم تتوقف واليوم يعيش الشتاء الثالث في خيمة وكل منخفض جوي يبدأ يجعله يتخذ كل الإجراءات الاحتياطية والضرورية التي يستطيع اتخاذها حتي لا تغرق خيمته الا ان الكثيرين لم تنجح احتياطاتهم ولم تنجو خيامهم , منها ما جرفته السيول , ومنها ما تطاير بفعل رياح الشتاء العاتية ومنها ما ثبت الا ان خيمته غرقت وامتلأت بالمياه ,المحظوظ هو من ابتل فراشه ببعض ماء المطر وفسد طاعمه من الماء. ما زالت الحرب لكن بتفاصيل اقل دموية في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الذي لم تلتزم به اسرائيل والذي لا يعدو سوي اتفاق لتقليل مستوي الإبادة والقتل اليومي بحق الفلسطينيين مع بقاء الحرب والهدم والموت بحد ادني من السابق دون ان يستطع لا الوسطاء ولا الضامنين ولا الامريكان الزام إسرائيل باحترام هذا الاتفاق او التقدم للمرحلة الثانية والتي يأمل ان تكون اقل دموية وتحقق سلام الجميع في حاجة اليه وكان الاتفاق جاء ليمنح اسرائيل مزيدا من الوقت لتفعل ما تريد في غزة , تهدم ما لم تهدمه وتقتل ما لم تقتله وتضاعف معاناة الفلسطينيين وتمنع الغذاء والدواء والمساعدات والمعدات الهندسية لرفع الأنقاض وانتشال اكثر من 13 الف شهيد مازالوا تحت ركام بيوتهم , توقفت الحرب على الورق فلم تسمح إسرائيل للمنظمات الدولية بإدخال أدوات الايواء ومستلزمات الإغاثة التي قد تكون اكثر امان واكثر استقرار للمنكوبين الفلسطينيين من خيام متطورة او كرفانات للسكن او بيوت جاهزة كحل مؤقت أيضا لمعاناتهم التي سببتها الحرب الإسرائيلية الوحشية.
الحياة مؤقتة في غزة بأدق التفاصيل فلم يعد لدي الفلسطينيين امل ان تنتهي الحرب والجميع يعتقد ان العالم بما فيه الولايات المتحدة يكذب ويساير إسرائيل ويمنحها الفرصة تلو الفرصة لتمعن في حصار الفلسطينيين الذين لا يملكون الا حياة مؤقتة ويناضلوا بكل ما يملكوا من أدوات للصبر والصمود للبقاء على قيد الحياة, عالم لا تعنيه الكارثة التي يعيشها الفلسطينيين في غزة ولا تعنيه حالات المرض والجوع والفقر ولا تعنيه حالات الموت البطيء التي هي سيدة المشهد وان فكرت بعض الدول في مساعدة الفلسطينيين واغاثتهم فلا يسمح لها وقد تتهمهم إسرائيل بانهم معادون للسامية ويصورهم الاعلام العبري على اننهم محرضون على الإرهاب والغريب ان العالم الرسمي يصمت امام ذلك , المرضي يموتون ولا يمنح لهم الدواء فهو غير موجود الان وان وجد فلا يكفي لكل المرضي فالفلسطيني اصبح امام حالة موت بطئ قد يطاله الموت اذا لم يسارع العالم لإنقاذ حياته وحياة اطفاله من جحيم الحياة المؤقتة وجحيم الحصار الإسرائيلي الذي يطال كافة تفاصيل حياته . الالاف من الجرحى باتوا على قوائم الموت إذا لم يتم انقاذ حياتهم وتدخل العالم لأجلائهم الي مستشفيات خارج غزة لان إمكانيات المستشفيات هنا في غزة قد تكون معدومة، الاف الجرحى يعيشوا في وجع لا يوصف وتوقع بالموت في أي لحظة لكنهم يعيشوا على امل البقاء وانتظار ما يتحدث به الامريكان والوسطاء بالانتقال للمرحلة الثانية والتي قد يفتح فيها معبر رفح ليتم اجلائهم وتمنح لهم فرصة للنجاة من موت محدق ,الاف اخري من المبتورة اطرافهم في انتظار قدوم المنظمات الدولية لهم بأطراف اصطناعية لأنها لم تعد تدخل ويمنع الاحتلال حتي ادخال المواد الازمة لصناعتها ,الأخطر ان اكثر من 20 الف حالة سرطان في انتظار العلاج الذي يمنع يعيشون في انتظار الموت كل يوم حيث تقول التقارير ان 5 منهم يموتوا كل يوم , الالاف من أصحاب الامراض المزمنة الأخرى والمرضي الذين يحتاجون لتدخلات جراحية هم أيضا يعيشون حياة مؤقتة قد لا تستمر طويلا اذا لم يتم انقاذهم ويتدخل العالم بأرسال وفود وفرق طبية متخصصة مزودة بأجهزة وأدوات طبية لإنقاذهم من الموت.
بالرغم من ان كل شيء مؤقت في غزة ,المسكن والمأكل والمشرب والتعليم والعلاج الا ان الفلسطيني يصر على التقدم نحو الحياة المستقرة كل يوم يصارع من اجل البقاء والتقدم والثبات على هذه الأرض , كل ساعة يعيشها يصنع منها ساعة حياة اخري وكل يوم يعيشه يصنع منه يوم حياة جديد , الفلسطيني هنا يجدد الامل كل يوم ,يتزوج في خيمة وينجب في خيمة ويكبر اطفاله في خيمة ويأخذ العمر من سنوات حياته سنوات عديدة وهو في خيمة ومع الوقت تكثر الخيام ويتعاد الناس على الهم والموت البطيء الا ان الحياة لن تنتهي يبقي الفلسطيني مهما حاول الاحتلال اعدام كل عوامل الحياة العادية امام عينيه ومهما حاول الاحتلال تدمير معالم البقاء والحيلولة دون توفرها له ولأطفاله , اوجد الفلسطيني من لا شيء معالم حياة الفلسطيني جديدة انه يصنع من المستحيل ممكن ومن العدم معالم حياة لكنها مؤقته.
