الاتهامات التي وجهها وزير الداخلية المصري التي تتضمن تورط حركة حماس عملياً في جريمة اغتيال النائب العام المصري هشام بركات العام الماضي، وضعت قفلاً كبيراً على إمكانية تغيير طبيعة العلاقة المتوترة بين الحركة ومصر، طالما بقيت الأمور على حالها.
فجأة، أحدثت اتهامات الوزير المصري، غمامة سوداء كثيفة في سماء بدت وكأنها تميل إلى الصفاء بعد جملة من التصريحات الإيجابية المتفائلة التي صدرت عن عدد من قياديي حركة حماس في الداخل والخارج، وأوحت بأن الدفء بات يعود إلى العلاقات المتجمدة بين الطرفين، وأنعشت أحلام المواطنين الذين ينتظرون خبراً عن موعد فتح معبر رفح. حال العلاقة بين حماس ومصر، كحال العلاقة بين حماس وحركة فتح، فما أن تظهر بعض الإشارات والبوادر الإيجابية، حتى تخيم خيبة الأمل من جديد، ويعود الطرفان إلى مربع الاتهامات المتبادلة والأجواء المشحونة.
وإذ لا يستطيع أحد أن يصدق أو يكذب، يقبل أو لا يقبل، ما أدلى به وزير الداخلية المصري فإن ما أدلى به ينطوي على أبعاد أمنية سياسية بامتياز، ذلك أنه يصدر عن مستوى سياسي رسمي، وليس عن صحافي أو إعلامي، أو مصادر مشكوك في مصداقيتها تنتمي إلى مناخ الدعاية والتحريض.
لم يتسن لا لحركة حماس ولا لغيرها أن تحصل على فرصة اللقاء المباشر مع الجهات المصرية المعنية، لفحص الوقائع والأدلة لتوضيح موقفها نفياً أو قبولاً، فحبال الوصل مقطوعة وكل طرف يتصرف وحده بما لديه من معطيات أو مواقف. على أن السياسة لا تتوقف كثيراً عند ما يصدر من ادعاءات أو اتهامات يطرحها طرف ضد آخر، سواء في هذه الحالة أو في حالات أخرى، ذلك أن المهم هو أن الادعاءات تطرح سياسة، وتحتاج بالتالي إلى سياسة سواء كانت الادعاءات صحيحة أو غير صحيحة.
تتصرف مصر، مع حركة حماس، ومع غيرها من أخواتها على أنها امتداد أيديولوجي وتنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تخوض صراعاً دموياً ضد النظام، وعلى أن السياسات المتبعة مع الإخوان تسحب نفسها على الفروع. في الواقع العربي الراهن، حيث تتراجع مكانة القضية الفلسطينية على مختلف الصعد، لا يعود ثمة إمكانية، للحياد إزاء المخططات التقسيمية التي تهدد الدولة الوطنية، ولا يشفع الانتماء الوطني الفلسطيني لهذا الطرف أو ذاك، حين تكون المخاطر على الدولة القومية على الأبواب
. هذه واحدة من مؤشرات تراجع مكانة القضية الفلسطينية وشعبها وحركتها الوطنية والإسلامية بعد أن انتزع الضعف العربي القداسة عنها. لا مجال لمعالجة الأزمة من خلال النفي والاستنكار، ولا مجال للتحكيم والتقاضي، أو الحوار المباشر لتحديد الفواصل والتخوم إزاء قضية أصلها سياسي، والخشية أن لا تتوقف الأمور عند التصريحات، الخاصة بجريمة الاغتيال، أو بما يستجد من مثل هذه القضية. إعلان سياسي يتصل بالأمن القومي المصري، من المرجح أن تتبعه إعلانات، استبعد أن يكون من بنيها ما ذهب إليه البعض من أن مصر قد تبادر إلى عمل عسكري ضد حماس في قطاع غزة.
في السيناريوهات المتوقعة، فإن مثل هذا الإعلان قد يؤسس، إلى قرار بإعلان حركة حماس جماعة إرهابية خاصة وأن جماعة الإخوان قد تم تصنيفها مبكرا من مصر على أنها جماعة إرهابية. الحديث يدور عن مصر الكبيرة، والفاعلة في الإطارين العربي والإقليمي، وأيضاً الدولي، ما يعني أنها في هذه الحالة إن حصلت، ستستخدم نفوذها وعلاقاتها لتشميس الحركة على مختلف الصعد، وحيث أمكن ذلك، ما سيدفع الحركة إلى مأزق كبير وخطير.
السؤال المطروح على حركة حماس، هو، ما الذي تتوقع قيادة الحركة أن تطلبه مصر، حتى يتغير واقع العلاقة، وطالما أن الآفاق مغلقة، في ظل هيمنة الجغرافيا السياسية؟ من الواضح أن التصريحات الإيجابية وإبداء الحرص، واستقرار الحدود لا يكفي لإرضاء متطلبات الأمن القومي والسياسة المصرية، إذن لا بد أن هناك حلولا ومخارج، يترتب على الطرف الضعيف أن يفكر فيها، والطرف الضعيف في هذه الحالة هو حركة حماس، وحتى لو كان غيرها من الحركات الفلسطينية في الموقع ذاته.
مبدئياً، ينبغي أن تتوقف حركة حماس عن التأرجح بين القوى المتناقضة والمتصارعة في الإقليم، فلا تركيا ولا قطر، ولا حتى إسرائيل بمقدورها أن تتجاوز الدور المصري، خصوصاً حين يتعلق الأمر بسياسات عليا.
لقد جربت حماس كثيراً ومراراً لكن النتيجة معروفة، هنا لا مفر من تكرار المعزوفة التي يلح عليها كل الفلسطينيين، وهي أن المصالحة الوطنية، هي المدخل السليم والأكيد، للبدء بتفكيك هذه الأزمات المتراكمة، ولأن كل تأخير لا يحمل الخير لا لحماس ولا لفتح ولا للقضية ولا للشعب الفلسطيني.