صدر عن مسؤولين أميركيين تقولات تزعم وجود خيارات تدرسها الإدارة الأميركية للمساعدة في الحفاظ على رؤية حل الدولتين الذي فشلت في تكريسه منذ استلام الرئيس الأميركي باراك أوباما سدة الحكم في العام 2008 إلى هذه اللحظة.
هذه الأقوال تشكل بالنسبة للفلسطينيين طُرفةً أو نكتةً لا علاقة لها بالواقع المعاش، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار سياسة الأمر الواقع التي تعمقها إسرائيل وتسوقها للتهرب من ضريبة الاحتلال المباشر في الضفة الغربية.
أحد الاحتمالات التي تناقشها الإدارة الأميركية وهي بمثابة أفكار داخل الصندوق، تتمثل في إصدار إطار اتفاق لقضايا تعتبر خطوطاً حمرا بالنسبة لإسرائيل، والنقاش في أمرها ينسف العملية التفاوضية من بداياتها.
هذه القضايا تتمحور حول الحدود والأمن ومصير القدس واللاجئين الفلسطينيين، وتستوجب من الطرف الإسرائيلي تقديم تنازلات فيها حتى يمكن للعملية التفاوضية أن تمضي قدماً، غير أن إسرائيل أفشلت المفاوضات مع الطرف الفلسطيني كل الوقت لقضايا ثانوية تسبق نظيرتها الجوهرية.
الخيارات المحكي عنها تتناول إدراج إطار الاتفاق المستعرض أعلاه بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، بحيث أن هذا الإطار سيحال إلى مجلس الأمن في حال عطّل أي طرف هذا الإطار، وهذا الاحتمال صعب جداً ولا يمكن حدوثه ضمن علاقة الحب من طرفين بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
لإنجاح مثل هذا الخيار وترجمته على أرض الواقع، فإن ذلك يتطلب تغيراً جذرياً في السياسة الأميركية للتعامل مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وفي كل الأحوال لن يستطيع شخص مثل الرئيس أوباما تغيير مسار العلاقات الأميركية- الإسرائيلية.
حتى وإن امتنع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن مقابلة أوباما بناءً على طلب إسرائيلي سابق تحت سبب عدم التأثير على "الانتخابات التمهيدية الأميركية"، فإن ذلك لا يعني أن الرئيس الأميركي سيشخصن علاقات دولته بإسرائيل، إذ حدث أن فترت العلاقة بين الرجلين، لكن تظل السياسة الأميركية تمارس بعقلية المؤسسات المبنية على المصالح العليا بين واشنطن وتل أبيب.
الخيار الثاني يتعلق بإقدام أوباما على إلقاء خطاب يناقش فيه أفكاره ومبادئه لتسوية الصراع، وهذا أمر وارد في كل الأحوال، كأن يقدم الرئيس على الاسترسال في تقديم المشورات والنصائح لإنهاء التسوية، دون أن يلتزم بمسار يحدد الإجراءات الضرورية لترجمة حل الدولتين على أرض الواقع؟
في تاريخ إدارة أوباما للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ثبت فشل الإدارة الأميركية مرتين في محاولات تحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سواء عبر جهود جورج ميتشل المبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط، أو جهود جون كيري وزير الخارجية الذي سافر إلى اسرائيل كثيراً وعاد بخفي حنين.
بعد كل ذلك، وفي إطار السياسة التي تطرحها الإدارة الأميركية لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والقائمة على مفاوضات ثنائية مباشرة بين الطرفين، هل سنشهد انعطافة حادة في سياسة أوباما وهو الذي بات قريباً من توديع كرسي الرئاسة؟
بالتأكيد لن يقبل أوباما على تغيير سياسته في التعامل مع إسرائيل، ومن المرجح أن تدّخل الإدارة الأميركية للحديث عن محاولات إنعاش السلام المتعثر هو مجرد التفاف على المبادرة الفرنسية التي تطرح في هذه الأوقات لدعم عقد مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية، بهدف إفشالها كما تدخل كيري من قبل لدى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس من أجل تأجيل طرح المبادرة الفرنسية.
أما نتنياهو فهو أكثر من استفاد من سياسة الإدارة الأميركية في إدارة الظهر لملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وانشغالها في متابعة ملفات تعتبرها أكثر أهمية، مثل الملف السوري والأوكراني والإيراني، ومؤخراً الكوري الشمالي والقنبلة النووية، فضلاً عن الاهتمام الأميركي بإيجاد موطئ قدم في بحر الصين الجنوبي.
لقد سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية كل الوقت لإفشال حل الدولتين، خاصةً وأنه سيد من يواصل الاستيطان وتعميقه في كامل الضفة الغربية، واليوم باسم محاربة الهبة الجماهيرية الفلسطينية وفي ظل الانشغال الدولي والعربي وغض الطرف عن القضية الفلسطينية المركزية، فإن نتنياهو يسرح ويمرح في الضفة الغربية ويُصدّر قرارات عنصرية تتناسب مع فكرة ابتلاع الضفة وتهويدها.
إن كل ما يهم الولايات المتحدة الأميركية الآن هو إقواء إسرائيل أكثر فأكثر، ذلك أن واشنطن التي اختلفت مع تل أبيب في موضوع الاتفاق النووي الإيراني، تشعر أنها مُطالبة أكثر من أي وقت آخر بمصالحة إسرائيل والتأكد من رضاها.
هذا الأمر أفصح عنه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، الذي زار تل أبيب وقال على هامش مؤتمر صحافي عقد مع نتنياهو الأربعاء الماضي، إنه "يجب الحفاظ على التفوق العسكري الإقليمي لإسرائيل كماً وكيفاً"، في إشارة إلى التأييد الأميركي لطلبات إسرائيل بشأن الدعم المادي السنوي الذي تتلقاه من واشنطن.
مخطئ من يعتقد أن السياسة الأميركية ستتغير سلباً تجاه إسرائيل، فهذه الأخيرة تقيم علاقات متوازنة وممتازة مع الحزبين الديمقراطي والجمهوري اللذين يسيطران على مفاصل البلاد، بصرف النظر عن من تقدمه إسرائيل وتعطيه الأولوية من هذين الحزبين في علاقتها.
أيضاً من الصعب القول إننا على موعد مع تقلب أو تغير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه إسرائيل في حال فازت هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، أو غيرهم سواء السيناتور برني ساندرز عن الحزب الديمقراطي أو تيد كروز عن الجمهوري اللذين تقل حظوظهما مقارنة بكلينتون وترامب.
إسرائيل تعي تماماً من أين تؤكل الكتف، فهي موغلة في السياسة الأميركية ولها قلاع وحصون في المؤسسات الكبرى هناك، وقادرة على تحريك قلاعها وحصونها لتأكيد قوة العلاقات بين البلدين، فهذا اللوبي الصهيوني على سبيل المثال، هو سيّد من يؤكد على عمق هذه العلاقات وبقائها في صورة إيجابية.
الخلاصة من كل هذا أن أوباما لن يحرك ساكناً في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فإذا كان في أوائل صعوده واستلامه كرسي الرئاسة لم يحقق شيئاً يذكر للتسوية سوا حصد الفشل، فهل حين يقترب موعد رحيله سيتمكن من إحداث الفرق؟ الجواب لخّصه بايدن.
-