حتى لا نرى غارة مصرية ضد حماس ..

خالد الشامي 2
حجم الخط

 

لم أكن أريد أن اتحدث عن هذه القضية. ولولا أن ثمة حاجة حقيقية للدفاع عن فلسطين وليس حماس لما كتبت، بعد أن اشتعلت صور الحرب غير المسبوقة انتقاما من عملية اغتيال النائب العام، كما يقولون.
 
إنها المعاناة الهائلة الممكنة لسكان القطاع، التي أشعر بها، وأنا الذي طالبت لعقود بإنهاء الحصار على سكان غزة. وكل مراقب يتابع صور الإعلام والسياسة أصبح يخشى حقا من أن يستيقظ صباحا في أي يوم ليسمع عن غارات مصرية ضد حركة حماس. 
 
ومن اللافت أن الاحزاب والنقابات والسياسيين والمثقفين الذين طالما ساندوا حماس لعشرات السنين، لم يعودوا ينطقون كلمة واحدة للدفاع عنها، بل أن بعضهم أصبح من المؤيدين لشن حرب مصرية ضد حماس. وما يتفقون عليه هو أن حرب حماس أصبحت ضد مصر من أجل «الإخوان»، وليس ضد الاحتلال من أجل فلسطين.
 
ورغم سياق هذا الواقع المأساوي تجاه حماس في مصر، نصر على أن نطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي برفض موجة الغضب، والضغوط العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية التي تطالبه بشن حرب ضد حماس. حتى بعد الفشل في المواقف الحمساوية التي أصبحت شديدة التضارب والغموض والتناقض اقليميا.
وهذه محاولة لترسيم بعض العلاقات التي وصلت لمرحلة خطيرة حقا:
أولا- البعض اعتبر أن الهدف من وراء الاتهامات المصرية يكمن في أن القاهرة ارادت أن تجد وسيلة لإفشال الجهود المتوقعة للوساطة مع حركة فتح لتحقق المصالحة (..).
 
الواقع أن مصر أصبحت تعرف جيدا استحالة المصالحة الفلسطينية اصلا، كما أنه لا يوجد أي دليل مشابه في رام الله وغزة. وحسب صحافي من غزة ومقرب من القيادة في حماس، قال الأسبوع الماضي (لا توجد وسيلة لإنجاح المصالحة مع فتح طالما بقي الرئيس أبو مازن في منصبه). ومن الناحية المصرية، فإن التوتر الشديد يبقى أصل العلاقات، حيث أن غزة تصر على مرض الانكار، والسعي للحرب أملا في أن الإخوان قد يعودون للحكم في مصر في يوم ما (..).
 
ثانيا – أعادت الصحف والقنوات المصرية خلال الأيام الماضية تأكيدها على أنه لا يوجد إنكار لحقيقة «ان ميثاق تأسيس حركة حماس يمثل أحد أجنحة جماعة الإخوان»، وأعادت نشر فيديوهات موجودة في اليوتيوب مصورة لقوات حماس تقوم بتدريبات عسكرية في غزة يرفعون فيها رموز رابعة، ويهتفون ضد حكم العسكر. ومع ذلك تتوقع حماس أن يصدقها البعض عندما تقول «إنها لا تتدخل في شؤون مصر»، ومع ذلك فانهم لم يدينوا ابدا أي هجوم ضد الجيش في سيناء، واكتفى أحد قياديها بالقول إن «الهجمات في سيناء قد تؤثر سلبيا على الوضع في غزة». فما السبب يا ترى في رفضها لأي هجوم؟
 
ثالثا – هل توجد مصلحة معينة حاليا في اتهام السلطات المصرية لحماس بالتورط في هذه القضية شديدة الخطورة، أي اغتيال النائب العام، وهي التي شملت اغتيال أكبر مسؤول مصري على الاطلاق منذ مقتل الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 ورئيس البرلمان رفعت المحجوب عام 1990؟ 
 
هل يوجد قرار سهل أمام النظام المصري بشأن الانتقام حاليا؟ أم أن الكشف في الواقع كرس حجم المأزق شديد التعقيد الذي فشل الرئيس عبدالفتاح السيسي في حله لشهور طويلة؟ ومن استمعوا إلى تسجيلات المتهمين الذين حصلوا على تدريبات في غزة، فقد أشاروا إلى أن إحدى الهجمات التي تم إفشالها كانت تستهدف في الحقيقة اغتيال «مسؤول كبير في الدولة»، وحسب إعلامي مصري معروف بعلاقته الأمنية، فإن كلامه الغامض جعل الجميع يعتقد أن المقصود هو الرئيس السيسي. وبالتالي فإنها المرة الأولى التي يقدم فيها النظام اعترافا لحماس باغتيال النائب العام ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية نفسه.
 
ثالثا – ما هو الرد هنا؟ الواقع أن ثمة تقارير استخباراتية عديدة نشرتها مجلات دولية كانت قد اشارت إلى أن ثمة قيادات في الجيش المصري طلبت من السيسي مرات عديدة السماح بشن غارات قوية ضد اجهزة الامن التابعة لحماس، وأشارت إلى أن القضاء على اغلب الانفاق ليس كافيا، وأن ثمة وسائل مستمرة للهجوم عبر عمليات بحرية، لكنه رفض أكثر من مرة رغم الغضب الشديد. 
 
ومن الواضح أن بعض الكوادر التي ترفض موقف السيسي تدخلت وقالت إنه هو نفسه أصبح هدفا لهجمات حماس لتصفيته. واذا تابعنا التعليقات التي ظهرت في صحيفة «الأهرام» الحكومية المصرية قبل يومين، لأدركنا أن هناك من يضغط في هذا الاتجاه نفسه، بل إن تلك الجريدة نشرت تصريحات من مسؤولين فلسطينيين تعتبر انه من حق مصر أن تشن هجوما مباشرا ضد حماس.
 
وأخيرا، فاننا نتمنى أن يواصل السيسي رفض الضغوط، لشن هجوم ضد حماس، وألا يسمح أبدا بحصول عمل كهذا، لا يمكن إلا أن يشعل الحرب ضد سكان غزة، وهؤلاء نعتبرهم اشقاء حقيقيين لمصر، مهما كانت الخلافات السياسية حاليا مع حماس. وفي الوقت نفسه، فإن حركة حماس مطالبة أيضا بأن تعيد النظر في مواقفها لتركز على المقاومة ضد المحتل حصريا فقط، وليس التدخل أو التناقض أو التأييد أو المعارضة أو محاربة دول إقليمية عربية وإسلامية، وذلك قبل أن تصبح الامور أشد خطورة مما قد تكون نتائجها.
- القدس العربي