يوم المرأة وعطلة الثامن من آذار

ريما
حجم الخط

في الطريق إلى الخليل، كان الصخب غير عادي في السيارة العمومية وعلى الطرقات، ينتشر المعلمون على جوانب الطريق للمشاركة في الاعتصام الشامل، وفي الجوار مظاهرات طلابية تطالب بفتح المدارس، بينما المذيعة مسترسلة في موجتها المفتوحة على مصراعيها أمام المتحدثات بمناسبة يوم المرأة العالمي.

الرجال يقولون ان الاحتفال بالمرأة على مدار العام، لهن ثلاثمائة وخمس وستون يوما دون نقصان أو انتقاص، وليس يوما واحدا، بينما النساء يجتهدن في بكائياتهن، كأنهن يكررن اسطوانة العام الفائت..وبعضهن يتباهين في استعراض الانجازات بين عامين. سأقول للمذيعة «الثلاثمائة وخمسة وستون يوما ليست لأحد، لا الرجال ولا النساء .. ولكن شُبِّه لهم ولهن.. في الطريق، هاتفي لا يكفُّ عن الرنين، موظفات ونقابيات يتحدثن باسم مجموعات ويصرخن ماذا ستفعلن لنا..لقد سحبوا منا عطلة الثامن من آذار في يوم المرأة العالمي...بين سخرية السائق وزبائنه وبين الموجة المفتوحة أجاهد في سبيل إيصال صوتي المترنح ذات اليسار واليمين على معرجات وادي النار: انها هدية الثامن من آذار، مفاجآت الحكومة كثيرة مؤخراً.. بالنسبة لي، لم أؤيد عطلة الثامن من آذار منذ البداية، قبل التقاعد وبعده، فمن وجهة نظري: العطلة تنحرف عن مبدأ المساواة، تبدو تقديراً وتمييزاً ايجابيا من حيث الشكل، بينما بالجوهر تقلل من شأن المرأة، كون العطلة تجعل البيت مكان المرأة الطبيعي الأصيل. الموظفات عموما يرين في العطلة مكسبا وانجازا؛ دون ربط الانجاز بالمردود على الأرض وانعكاسات العطلة على وضعية المرأة ومكانتها في المجتمع، وبالاستناد إلى الاعتراف بحقوقها كمواطنة. 

أقر الرئيس الراحل «أبو عمار عطلة الثامن من آذار المدفوعة الأجر العام 2003 تقديرا للمرأة الفلسطينية، للموظفات دون الموظفين. واستمرت المنحة لحين قيام حكومة سلام فيّاض الرابعة عشرة بتعليقها. وبّرر د. فياض موقف حكومته بالفوضى التي تسود الوزارات في ذلك اليوم، وعدم الانتاجية.

ما لم تقله الحكومة الرابعة عشرة أن الفوضى وانعدام الانتاجية يعودان إلى أن الموظفات من يقع عليهن عبء العمل في الوزارات، لكونهن في اسفل درجات السلم الوظيفي، المساعدة الإدارية، الشُعَب والأقسام والوظائف الخدماتية، المكان الذي يقوم بتصدير العمل الرئيس الخام، إن جاز التعبير، الذي يبني عليه المسؤولون.  الإشكال الذي أراه في الغاء العطلة رغم تراجع الحكومة عنه، يتركز حول العلاقة بين وزيراتنا وبين الحركة النسائية، للتنسيق المسبق بخصوص القرارات التي تتصل بالمرأة، حيث نعتبر عموما أنهن يمثلننا وصوتنا العالي لدى الحكومة إلى جانب وزيرة المرأة، أو هكذا تقتضي فلسفة المشاركة النسوية في مراكز القرار بالتجاور مع مسؤولية وزارة المرأة، صاحبة الاختصاص، التي من إحدى مهامها التواصل مع الحركة النسائية، لكون الحركة النسائية الأقرب لقطاع المرأة بسبب امتداداتها وأذرعها التنظيمية. وعلى كل حال، لم تشارك وزيرة المرأة في الاجتماع الذي قام بالغاء العطلة بل وجهت مذكرة بهذا الشأن للحكومة. 

     منسوب السأم والكآبة يرتفعان في الثامن من آذار، ويبدو أن الاعياد مناسبة للبكائيات أكثر منها مناسبة لتعداد الانجازات، مناسبة لعدّ الشهيدات والاسيرات والدمار المادي والمعنوي، مناسبة لرصد الفجوات بين النظريات والتطبيقات، مناسبة لتذكر أن المرأة حظيت بعشرين قرارا من أصل خمسة آلاف ومائتين وثمانين قرارا صدرت عن الحكومة منذ العام 2005.

لتذكرنا بأن النيّة وحدها لا تكفي للصلاة.. التغيير الجاري في المجتمع على الصعيد الاجتماعي سلبي الاتجاه والوجهة، على الرغم من تخمة الاتفاقيات والالتزامات الرسمية بمنظومة حقوق المرأة والانسان، نظريات ومبادئ ومرجعيات ووثائق ونوايا طيبة..لأن الفاعل الاجتماعي لم ينضج ولم يتشكل بعد، ولأن الخطاب النسوي الشامل غير موجود بمعنى استيعاب المتغيرات والمستجدات، والخطاب الموجود أصبح مفتتا ولديه حمولة من الترميز والشيفرات تقتضي فكفكتها.