عن العبث بالتعليم، والنائب أبو بكر..!

أكرم عطالله
حجم الخط

بتنا نتعثر في كل شيء.. من معبر رفح حتى جنين وما بينهما من عثرات أصبحت حديثنا اليومي إلى الدرجة التي اختفت فيها الهبة وأحداثها عن أجندة الفصائل والحكم والكتاب والمتابعين وفقط بقيت حدثا يوميا على الأجندة الإسرائيلية التي باتت مطمئنة لما يشبه الانهيار عندنا وغرقنا في تفاصيل إدارتنا لأنفسنا والتي لم تقدم أفضل مما لدينا، صحيح أن للإسرائيلي دورا في إغراقنا بكل هذه الأزمات ولكننا لم نقصر نحن بأنفسنا.

كأن كل شيء لدينا ينهار، هكذا تبدو الصورة، غزة انهارت مبكرا ويبدو أن الأمر ينتقل للضفة، كيف تتوقف العملية التعليمية كل هذا الوقت إنها كارثة بكل المقاييس «إلا التعليم» هكذا قالت كل الدول التي تعرضت إلى دمار وحروب وكوارث أسوأ من الاستيطان، ولكنها حافظت بأسنانها على وعيها وعقلها وضمان تقدمها ونهضتها وهو التعليم ومؤسساته حتى لو في الخيام والعراء.

لست راضيا عن مستوى التعليم الحكومي في فلسطين وترسب كل العملية التعليمية حين تخضع للمقارنة بأية دولة حضارية أو نصف حضارية أو حتى مع نموذج المدارس الخاصة والأميركية لدينا التي تدرس منهاجا أميركيا وباللغة الانجليزية، وببساطة كان يمكن تغيير المناهج التعليمية والحفاظ على المواد الوطنية وتدريس اللغة، فطالب التوجيهي لدينا لا يستطيع خوض حوار قصير باللغة الانجليزية وهذه وحدها كفيلة بتقييم المستوى ولكنه تعليم بكل الظروف يؤهل للانتقال للمرحلة الجامعية وتقبل بشهادته الدول الأوروبية وغيرها.

هذه ليست مسؤولية المعلمين فهم يقدمون ما تقرره السياسة التعليمية التي يبدو أنها تقدم أقل من المستوى العربي حتى، لكن أن تتوقف العملية التعليمية كل هذه المدة دون تمكن الأطراف من التوصل لحل هذا يعكس إخفاقا جديدا يضاف إلى سلسلة الاخفاقات التي أصبحت الثابت الأبرز في حياتنا.

هل هناك من الامكانيات ما يسمح للاستجابة لمطالب المعلم الأكثر فقرا وبؤسا قياسا بموظفي الحكومة وهو الأكثر مسؤولية قياسا بالآخرين بل ويقوم بدور حجر الرحى في دورة حياة المجتمع ومنه يبدأ النجاح والفشل، النهضة والانهيار، إذ يعامل المعلمون في كل العالم بإجلال كبير وحق لمعلمينا أن يكونوا كذلك فإذا كانت الموازنة تسمح لماذا لم يحل الخلاف حتى اللحظة ؟. أما إذا لم تكن الموازنة تسمح كان يجب استدعاء قادة المعلمين وشرح ذلك لهم والقول إننا تحت احتلال يتحكم بكل شيء وليس لدينا اقتصاد مستقل قادر على تغطية ذلك، وقد نفاجأ في كل لحظة أن الجميع بلا رواتب ونحن في مرحلة تحرر وطني لا تسمح بتلبية كل شيء وإطلاع لجنة منهم على ما يدخل الموازنة وكيف يوزع بشفافية تامة وقول ذلك للرأي العام.

وإذا كان هناك ما يمكن من تحقيق نصف المطالب كان بالإمكان التفاهم على ذلك وعلى الحكومة أن تقدم ما تستطيع دون انتظار فهي مسؤولة عن مستقبل أبنائنا، وعلى المعلمين قبول حل وسط إذا كان ذلك ممكنا آخذين بعين الاعتبار أنه لا يجوز إلقاء الأبناء في الشوارع فمسؤوليتهم أكثر من كل هذا الوقت الذي ضاع على الطلبة أما أن يتم تسييس الحالة، ودفعها إلى خانة التربص والعناد من كلا الطرفين فهذا تضحية بالأبناء من أجل مصالح الحكومة والمعلمين وذلك لا يمكن قبوله. استمرار الإضراب كل هذا الوقت يعكس انعدام المسؤولية والاستعداد العالي لتقديم قرابين من هذا الشعب الذي كأن الأقدار كتبت عليه أن يبقى قربانا إلى يوم الدين .. من الاحتلال هذا قدره لكن من حكومته ونقاباته فهذا آخر ما كان ينتظره الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات في سبيل الاستقلال. الفشل في التوصل لحل مبكر يعكس استهتارا وانعدام مسؤولية ويذكرنا مرة أخرى بغياب ثقافة الحوار والحلول الوسط والتي هي أساس التفاهم والاستقرار في كل المجتمعات بل وتعكس التكامل في نهضة أي مجتمع، نحن لم نحقق استقلالا هذا مفهوم لأننا نواجه خصما شرسا وفشلنا في إنهاء الاحتلال وفشلنا في إجراء الانتخابات وفشلنا في حل كثير من الأزمات لكن أن يصل فشل حوارنا إلى تعطيل العملية التعليمية فهذا مدعاة للخوف مما هو قادم.

إن أية حكومة لا تضمن التوازن لسير العملية التعليمية بإمكانها أن تغادر بهدوء .. وفي المقابل إذا كانت مطالب المعلمين لا يمكن تحقيقها ولا تأخذ بعين الاعتبار وضعنا البائس فتلك مشكلة بإمكان المعلمين النظر لمعلمي قطاع غزة الذين لم يعطلوا العملية التعليمية حتى في ظل عدم توفير رواتبهم لأن المسؤولية كبيرة فالمقارنات هنا واجبة لأن المسؤولية واجبة أيضا. لا يهم هنا من منهم على حق ومن منهم على باطل وأمام هذا العبث ليس هناك متسع لمجاملة الحكومة أو للتزلف من المعلمين لكن الحقيقة أن لدينا أطرافا تقدم نموذجا للانهيار، الحكومة والنقابات وبعض الأحزاب التي لم تكن أقل من هؤلاء إذ تصرفت بلا مسؤولية وحسابات صغرى لها علاقة بمكاسب الحزب حتى وإن ضاع مستقبل جيل. كيف انتهت قضية النائب نجاة أبو بكر؟ سؤال الضرورة بعد الزوبعة التي أثارتها باعتصامها في المجلس التشريعي وإثارة الرأي العام مرتين الأولى عندما تحدثت عن ملفات فساد والثانية حين أصبحت باعتصامها الخبر الأول في الصحافة، هدأت الزوبعة ولكن ظل السؤال معلقا والذي يجب أن تنتهي إجابته بمحاكمة واحد من الأطراف إما هي نفسها التي تلاعبت بالرأي العام وإما من اتهمتهم، هناك متهم في الحالتين لا يجوز إغلاق الملف.

ظني أنه إذا توقفت المسألة عند هذا الحد فإن ما فعلته النائب أبو بكر هو عملية دعاية لا أكثر وهي أدانت نفسها أمام الرأي العام. في الحالتين الأولى أن لديها ملفات فساد سكتت عنها كعضو تشريعي وذلك يشكل خيانة للأمانة التي كلفها بها الناخب، أو أنها لم تكن تمتلك شيئا وأن ما قامت به هو مجرد تلاعب بالرأي العام وفي الحالتين سجلت نموذجا سيئا لعضو المجلس التشريعي لأن الرأي العام الذي تابع القضية سيظل يسأل هل كانت غير صادقة أم عقدت صفقة ؟ الإجابة بكل الحالات في غير صالحها..!