بلا شك أن المنحى العنصري قد بدأ يسير مسارا عنيفا في المجتمع الاسرائيلي إلى الدرجة التي تتنافس عشرات الأصوات السياسية والدينية والمنظمات الارهابية للتعبيرعن وهم وخرافة إعادة بناء الهيكل في القدس، وأن أرض فلسطين أرضهم التاريخية، لا سيما وتزايد استخدام مصطلح (يهودا والسامرة) المضلل، والى الدرجة التي جعلت من المتطرف الحاخام (اسحاق شابيرا) يفتي بقتل الأطفال العرب في العام 2009 ، ويستمر منذاك مسلسل الحرق، والسرقة المبرمجة للأرض، والقتل على الحواجز وما سواها من الممارسات الاحتلالية التي لا تتوقف، وترافق كل ذلك مع هدف اليمين الحاكم بزعامة (نتنياهو) بإغلاق باب الحل وتقويض مبدأ قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ورغم محاولات إظهار الاختلافات داخل الحكومة أو الكنيست إلا أن الخلاف يتجه حول بناء مشهد أكثر يمينية وتطرفا وعنصرية مدمرة.
في محاضرة له هذا العام (2016) قال الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) وعضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست (يعقوب بيري) منتقدا نتنياهو ومحذرا من الانجازات السياسية الفلسطينية: (يراكم الفلسطينيون إنجازات في الحلبة الدولية، ورئيس الحكومة لا يفعل شيئا".)
وأضاف (بيري) أنهم "يحاولون تصنيف (إسرائيل) كدولة أبارتهايد-فصل عنصري، وبدلا من رصد ميزانيات لوزارة الخارجية وتعيين وزير بوظيفة كاملة، فإن رئيس الحكومة منشغل بصراع البقاء السياسي". ورغم دعوة (بيري) المضللة لعمل تسويات شكلية في سياق محاضرته، إلا أنه باعتباره متطرفا كغيره يعود لاستخدام النغمة المكرورة بالقول (أن "جهات "معادية للسامية" في BDS تحاول المساس ب(إسرائيل) وتقويض حقنا في الوجود في هذه البلاد، وبنيامين نتنياهو لا يفعل شيئا) دون أن ينبس ببنت شفة حول حقيقة الاحتلال لأرضنا ودعواته العنصرية.
نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، "تسيبي حوتوبيلي"، قالت في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية العامة قبل أيام، إن "عملية التفاوض مع الفلسطينيين ليست على جدول أعمال دولة (إسرائيل) في هذه المرحلة»، مضيفة أن حكومتها «تحارب من أجل وقف الهجمات الفلسطينية ومن أجل تعزيز مكانتها السياسية في العالم" نعم لها الحق في قول ذلك فهي تُعد رأس حربة التطرف في حزب “الليكود”، وهي من أبرز دعاة وهم “أرض إسرائيل الكاملة”، وترفض مجرد المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ومواقفها عنصرية متطرفة، عدائية للعرب، كما إنها كانت تنظم مسيرات للمتطرفين اليهود من أجل اقتحام المسجد الأقصى بصورة متتالية، وكانت “حوتوبيلي” قد دعت في وقت سابق إلى إبادة الأطفال الفلسطينيين فى قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة على القطاع فى عام 2014، بزعم أن الأطفال سيصبحون إرهابيين بعد ذلك، لتأخذ بذلك لقب “السيدة المتطرفة”.
وحوطبلي نموذج باعتبارها تقود الخارجية الاسرائيلية اليوم بإمرة (نتنياهو) ورغم اتهام كل من (يائير لبيد)، ورئيس حزب (إسرائيل بيتنا)"، أفيغدور ليبرمان ل(نتنياهو) بأنه يدمر الدبلوماسية الاسرائيلية في سياق الصراع الداخلي الا أن (يائير لبيد) لمن نسي هو الذي قال من فترة (أن الحكومة لن توقف البناء في المستوطنات ولن تتنازل عن القدس كونها عاصمة (إسرائيل)).
أما ليبرمان شديد العداء والتطرف للعرب عامة كما الحال مع الآخرين فكان قد دعا العام الماضي إلى طرد من وصفهم بـ«المتطرفين العرب» من (إسرائيل)، ويأتي ذلك بعد يومين من تصريحه بأن نسبة العرب البالغة 20% من السكان مؤقتة حيث قال نصا يجب أن (نخرج تلك المجموعات المتطرفة خارج القانون، وسحب مواطنتهم الإسرائيلية وطردهم خارج (إسرائيل))
هذه بداية لنطلع على حقيقة المجتمع الذي يقوده أمثال هؤلاء الساسة حيث تغير نحو مزيد من التطرف والعنصرية والتشبث بالاحتلال من خلال ما يلي:
"أربعة من كل خمسة يهود يؤيدون تمييز اليهود ايجابا. 48 في المئة يوافقون على القول انه "ينبغي طرد أو نقل العرب من (اسرائيل)". الاصوليون، المتدينون والتقليديون يؤيدون ذلك باغلبية كبيرة. والعلمانيون وحدهم يوازنون الصورة في شيء ما – ولكن حتى في اوساطهم يوقع الثلث على صيغة الترحيل."
هذا ما جاء في الاستطلاع المعمق لمعهد البحوث الامريكية "بيو" في تشرين الأول 2014 حتى ايار 2015 في أوساط 5 آلاف من مواطني (اسرائيل)، من كل القطاعات ما جعل أسرة صحيفة (هآرتس) (11/3/2016) تعلق قائلة: "الخوف والنفور المتبادلان يعكران صفو البلاد، ويخرجان من تحت الأرض أبخرة شريرة من العنصرية – أرض خصبة للعنف والتنكر من أحلام التعايش، المصالحة والسلام" مضيفة في مقارنة لا نقرها أن "التطرف الديني في الطرفين يدحر العلمانيين عن مواقع السيطرة".
وللنظر فيما سبق وفي إطار كلمته التي أُلقيت في نادي الصحافة الوطني في العاصمة الأميركية، واشنطن بتاريخ 10/4/2015 وبعد أن شرح اتجاه المجتمع الاسرائيلي المرعب نحو التطرف المريح، وما أسماه بغسيل الدماغ والانكار قال الكاتب الاسرائيلي (جدعون ليفي): (الحقيقة هي أنها ليس هناك أي فرصة للتغير من داخل المجتمع الإسرائيلي) موضحا أن (اسرائيل) عبارة عن: (مجتمع يعيش في حالة إنكار، منفصلاً تماماً عن الواقع. ولو أنها كانت شخصاً عادياً لكنت سأوصي لها إما بالأدوية أو بالعلاج في المستشفيات، لأن الناس الذين يفقدون صلتهم بالواقع ربما يكونون خطرين جداً، سواء على أنفسهم أو على المجتمع ككل.)
وأضاف (ليفي) (أيصدقون حقاً أن 5 ملايين يهودي سيستطيعون مواصلة العيش على حدِّ سَيفِهم إلى الأبد؟) معرضا ب(نتنياهو) الذي ردد المقولة التوراتية هذه، وفي إطار التشخيص العميق للمجتمع الاسرائيلي يقول:(لقد أحاط المجتمع الإسرائيلي نفسه بالدروع، بالجدارن، وليس الأسوار المادية فقط، وإنما العقلية أيضا) (بأننا الشعب المختار. وإذا كنا نحن الشعب المختار، فإن لنا الحق بأن نفعل ما نشاء.) ومستنكرا (نتحدث عن دور الضحية، ونقول الشعب المختار).
ثم يحدد بكل قوة انحدار "قيم" المجتمع الصهيوني التي اعتبرها غير موجود أصلا، بالقول أن هذا المجتمع يقوم ب(النزع المنهجي للإنسانية عن الفلسطينيين) مضيفا (وقد كتبتُ ذات مرة أننا نعامل الفلسطينيين مثل الحيوانات. وتلقيت الكثير جداً من رسائل الاحتجاج من منظمات حقوق الحيوان -حقاً كذلك) ليستنتج بمرارة أن (اسرائيل) هي: (الدولة الوحيدة في العالم التي لها ثلاثة أنظمة: واحد لليهود، وواحد للمواطنين العرب، وواحد هو نظام فصل عنصري في الضفة الغربية وغزة؛ واحد من أنظمة الطواغيت الأكثر وحشية وقسوة في العالم. ولكن، حتى الواجهة، حتى هذه الديمقراطية التي لطالما ظننت أنها ديمقراطية لمواطنيها اليهود، أدركت في الصيف الماضي أنها ديمقراطية لمواطنيها اليهود -وإنما فقط إذا فكروا على طريقة الأغلبية).