«انتفاضة السكاكين» .. مخلوق من نوع جديد !

0
حجم الخط

بعد مرور نصف سنة على موجة "الإرهاب" الحالية يتفق مسؤولون كبار سابقون في جهاز الأمن على شيء واحد: أعمال "الإرهاب" الفردية، التي تميز موجة "الإرهاب" هذه، هي وجه السطح فقط. وعلى حد قولهم، فإنه يختبئ خلف عبارات "انتفاضة الأفراد" او "انتفاضة السكاكين" عامل آخر – الانترنت – وهو الذي يغير قواعد اللعب. على حد قولهم، هذا أيضا ما يميز الموجة الحالية، التي اندلعت في 13 أيلول 2015، عن الانتفاضتين اللتين سبقتاها، وهذا أيضا ما من شأنه أن يجعل موجة "الإرهاب" الحالية تستمر لزمن آخر طويل، بل ربما لسنين. "لا أرى أن هذا سينطفئ بعد بضعة أشهر"، يقول العقيد المتقاعد موشيه جفعاتي، الذي شغل في الانتفاضة الاولى، التي اندلعت في 1987 منصب قائد لواء دان في قيادة الجبهة الداخلية. "كل انتفاضة استمرت خمس سنوات تقريباً. يمكنك أن تسمي هذه "انتفاضة السكاكين"، "الشباب" أو "الافراد"، ولكن هذه لن تخبو قريبا". في العام 1986 عين جفعاتي قائد لواء في منطقة "يهودا" و"السامرة"، وفي اثناء الانتفاضة الاولى أقام "لواء يهودا"، ضمن فرقة "يهودا والسامرة"، وكان قائدها الأول. وقد شهد جذور المقاومة الفلسطينية على جلدته. هذه المرة، يقول، يدور الحديث عن مخلوق من نوع جديد. "لا توجد أية صلة بين الانتفاضة الأولى وهذه"، يقول مقررا. "صحيح أن الظروف لتنفيذ العمليات هي الظروف ذاتها، ولا سيما الإحباط المتزايد منذ سيطرتنا على مناطق يهودا والسامرة، ولكن في الانتفاضة الاولى كان هناك انفجار شعبي عن طريق مظاهرات جماهيرية من النساء، الاطفال، وكبار السن. الانتفاضة ذاتها كانت كفاحاً شعبياً أكثر. لم تكن في حينه كمبيوترات تقريبا أو انترنت، وكانت الاتصالات تجري بالمناشير وبالبث الاذاعي. ورويدا رويدا، عندما بدأ المراسلون يجرون التقارير في الميدان كان بوسع من في طولكرم ايضا أن يرى ما يحصل في الخليل". وعلى حد قوله، وجدت الانتفاضة الاولى تعبيرها في المظاهرات الجماهيرية وبإحراق اطارات السيارات او في السيطرة على القرى واعلانها أرضا محررة. وواصل : "الى ان جئنا وأعدنا احتلالها بالطبع. كادت لا تقع عمليات. فقط هنا وهناك، ولا سيما في الخليل، إذ هناك كان اليهود يسيرون داخل القصبة". "هذه انتفاضة انترنت"، يدعي ايضا اللواء متقاعد شرطة شلومي كعطيبي بشأن موجة "الارهاب" الحالية. "لا توجد بنية تحتية. احد ما ينهض في الصباح، يقرأ شيئا ما، ويقول لنفسه سأفعل شيئا". في الانتفاضة الاولى كان كعطيبي قائد البلدة القديمة في حرس الحدود، المنطقة التي كانت ولا تزال برميل بارود ذا امكانية اشتعال عالية. في الانتفاضة الثانية، التي اندلعت في 2000، عين قائد "لواء يهودا والسامرة" في الشرطة، ويقول كعطيبي: "خلف الانتفاضة الاولى، في مراحلها المتقدمة، كان كيان ينظمها. كان كيان يثير، يحرض، وينسق كل شيء. وكانت هناك حقا سياسة عمليات. يخططون متى يضربون ومتى لا. كان هناك تنظيم. اما اليوم، بالمقابل، فبسبب الانترنت، الكل يتأثر. أضف الى هذا حقيقة أنه كان للجميع تقريبا مصابون من الدرجة الاولى أو الثانية من القرابة، واذا بك تحصل على ما تراه اليوم في الشوارع". عامي ميتاف، مسؤول سابق في جهاز الامن العام، يجد فارقا آخر بين الانتفاضة الاولى وموجة "الارهاب" الحالية. بزعمه، خلافا لليوم، "السبب المركزي لاندلاع الانتفاضة الاولى لم يكن من اجل الوصول الى دولة. كانت انفجاراً بسبب احباط يمتد عشرين سنة تحت حكم اسرائيلي مهين". اثناء الانتفاضة الاولى شغل ميتاف منصب مسؤول منطقة الجنوب في المخابرات. اما في الثانية فصار مسؤول منطقة المثلث والقدس في المخابرات. "الانتفاضة الثانية كانت نتيجة وضع أعد فيه عرفات كل المنطقة نحو الاشتعال، وكان يبحث عن الذريعة المناسبة"، يقول ميتاف. "وجاء اريك شارون ووفر هذا حين حج الى الحرم. هذه كانت انتفاضة خططت لها محافل السلطة". "انهيار المرجعية" لفترة الخبو في الانتفاضتين السابقتين كان ايضا أثر على ما يحصل اليوم. يقول جفعاتي: "الانتفاضة الاولى استغرقت سنين لقمعها. فعلنا هذا اساسا بوسائل تفريق المظاهرات، التي لم تكن موجودة في حينه وتطورت على مدى الطريق. كانت هناك فقط قنابل غاز. ورويدا رويدا طور الجيش وسائل أخرى، كالعيارات البلاستيكية والمطاطية. ولاحقا فقط أقيمت وحدات المستعربين". ويقول إن الفلسطينيين احتاجوا لسنوات من الانتفاضة المنظمة كي يفهموا بأن هذا لن يؤدي الى شيء. وعلى حد قوله، فان ما كسرهم كان ان الجانب الاسرائيلي بدأ يضرب مسؤولي القيادة الفلسطينية. "صحيح ان الانتفاضة الاولى سرعت مسيرة اوسلو، التي ادت الى اقامة السلطة، ولكنها لم تجلب الحل، بل جلبت موجة الارهاب – اذا كنت تذكر ضحايا السلام لبيريس ورابين"، يقول جفعاتي. "هذه كانت عمليات رهيبة وفظيعة. بعد ذلك جاءت الانتفاضة الثانية. وقد اديرت حين كانت في الميدان قوات حفظ نظام فلسطينية مسلحة. وبات هذا اشكاليا اكثر. وعندها بعد عمليات خطيرة، كتلك التي نفذت في فندق بارك في نتانيا، بعد أن وجدنا أنفسنا نقاتل ضد مسلحين من كل الانواع والخلايا، انطلقنا في حملة السور الواقي. وحينه ايضا لم تحمل هذه الانتفاضة الفلسطينيين الى أي مكان". وحسب المسؤولين الكبار السابقين، فان ما يغذي الانتفاضة الحالية هو، كما أسلفنا، الانترنت أساسا، التي تسمح باتصال وافر وبسيط. "تخلق الانترنت أجواء تشجع العمليات بسهولة اكبر مما حين كانت الاتصالات لا تقوم الا على اساس الراديو والتلفاز"، يقول اللواء احتياط غيورا آيلند، رئيس شعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي سابقا اثناء الانتفاضة الثانية ورئيس مجلس الامن القومي سابقا. "توجد هنا أجواء تتغذى من داعش، مثل استخدام السكاكين، وكذا عنصر الوحشية". "ما يحصل الان يحركه الشباب اساسا، إذ هم من يستخدمون الشبكات الاجتماعية. كما أنهم لا يعيلون ولا يهمهم أهلهم. يوجد انهيار تام للمرجعيات – الاهل، المعلمين، والقيادات. تخيل كم هو فظيع أن يقوم طفل لا ينتمي لاي منظمة ولا يعيل احدا بعملية يتخذ قرارها في لحظة، وعندها يهدم بيت أهله". "اذا لم يكن تغيير على ما يجري في الشبكات الاجتماعية، وأنا لا ارى مثل هذا التغيير يحصل قريبا، فان الشيطان الذي خرج من القمقم في ايلول لن يعود اليه"، يقول ميتاف. "التنقيط الأليم هذا الذي نراه في الشوارع اليوم – يحتمل أن يصبح نمط حياتنا في السنوات القادمة ومن المشكوك فيه جدا أن يكون ممكنا عمل شيء لوقفه". وعلى حد قول ميتاف، فقد التقى مثالاً مدوياً على ذلك الاسبوع الماضي. وهو يروي فيقول: "التقيت امرأة من الناصرة. مسلمة، مثقفة جدا، ذكية جدا، مشاركة جدا في حياة اليهود، ولكنها مقتنعة بأن دولة اسرائيل تحفر تحت الحرم. وهي تقول لي: "واضح ان هذا صحيح!. هذا تقريبا كأن يأتي أحد ويقنعني بأن القمر يشرق في النهار والشمس في الليل. انعدام المعقولية ذاتها. إذاً، من حيث الحقائق يقولون الاكاذيب المرة تلو الاخرى، وفي النهاية تلتقط هذه حتى في الاذان المثقفة، ان لم نقل الاذان التي تبحث عن استهلاك هذا". "لعبة محصلتها صفر" غياب البنية التنظيمية يجعل الموجة الحالية غير مستقرة وغير قابلة للتوقع تقريبا. ويقول كعطيبي: "حتى لو كان هناك انترنت في الانتفاضة الاولى، لما كانت اختلفت عما رأيناه.  إذ كان هناك احد ما ينظم هذا، ما يعملون وما لا يعملون. اما اليوم فهناك اجواء تحريض، وفي مثل هذا الوضع سيكون هناك دوما واحد يتأثر. فتى صغير يريد أن يكون بطلا فيخرج ذات صباح لينفذ عملية". ويضيف آيلند: "قدرتك على مكافحة الارهاب منوطة بقدرتك على ايجاد معلومات استخبارية في الزمن الحقيقي. ولكن من أجل هذا عليك ان تعرف من هو العدو. ولكن اذا كان كل اعدائك يذهبون الى النوم في الليل، وفي هذه المرحلة لا يعرفون حتى هم أنفسهم بأنهم الاعداء، فقط عندما ينهضون في الصباح يقررون بأنهم اعداء – توجد هنا صعوبة جمة جدا. وهذا بالطبع أمر محبط". وما الذي يمكن مع ذلك عمله؟ "حل الدولتين اشكالي لانه يتميز بفكرة اللعبة التي محصلتها صفر، والتي منذ زمن بعيد تعتبر في العالم كخيار سيئ. لا ننجح في التقدم في الحل، ليس لأننا لا نعرف تفاصيله بل هذه معروفة للجميع. السؤال هو اذا كان بوسعك ان تخلق تغييرا دراماتيكيا في الرسائل التي تخرج عن السلطة الفلسطينية. الجواب من ناحيتي هو انه توجد لذلك امكانية، ولكن هذا لن يحصل من خلال اقناعك لهم. كما أن هذا لن يحصل إذا كنت تعظهم أو تهددهم. ولكن يمكنك ان تفعل هذا من خلال صفقة رزمة. قل: أنتم – السلطة الفلسطينية – تنفذون تغييرا دراماتيكيا في كل رزمة رسائلكم، وتحصلون على شيء ما بالمقابل". المقابل، من ناحية آيلند، يجب ان يكون معالجة موضوع البناء في المستوطنات، المسألة التي تثير الفلسطينيين والعالم كله، بما في ذلك الولايات المتحدة. "انظر الى الخريطة كما هي اليوم وحدد خطا في كل مستوطنة ومستوطنة، بما في ذلك المستوطنات المنعزلة"، يقترح آيلند. "اتفق معهم بأنه طالما أنك تبني داخل هذه المنطقة، فهذه مشكلتك. من جهة اخرى جمد البناء في المناطق المفتوحة. هذا سيمنح انجازا كبيرا للفلسطينيين. واذا ما ضمنت جهة ثالثة، الاميركيون او غيرهم، هذا فانه سيخلق حوارا، وتخفيضا للتوتر". ويقول المسؤولون الكبار السابقون ان وسائل العقاب كفيلة بأن تكون ناجعة ولكن لزمن محدود جدا. "يوجد أمر واحد تعلمته من أريك شارون عندما كان قائدا على غزة وهو موضوع طرد العائلات الفلسطينية"، يقول جفعاتي. "هذا سيشكل اداة ردع ويهدئ الميدان ولكن بالتوازي يجب السماح لأكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بالعمل هنا، بدل السودانيين أو الصينيين. أعطِهم اقتصادا. هم لن يحبونا أبدا. ولا عرب اسرائيل. ولكنهم يمكنهم ان يتعايشوا. كل عملية تغلق لهم مصادر الرزق تفاقم الوضع". ويضيف ميتاف: "لا يوجد عقاب أقوى من الطرد. هذا اسوأ من هدم المنازل، ولكن من المشكوك فيه جدا أن يسمح القانون بأمر كهذا. كما انني لا ارى كيف يمكن منع امرأة مضروبة من ان تخرج لتنفيذ عملية في مفترق غوش عصيون. وبالتالي يبدو أننا لن ننجح في تطبيق مثل هذا العقاب مع القانون الدولي كما هو، وعليه فلعله ينبغي الاستعداد لواقع ندفع فيه الثمن على الطرقات. ندفع الثمن باعمال الطعن وعمليات الافراد".