تعود دراسة شخصية الإنسان إلى العصور القديمة، واستمرت حتى وقتنا الحالي، فكتابDie psychopathischen Persönlichkeiten (الشخصيات مضطربة العقل) الذي ألّفه كورت شنايدر عام 1923 لا يزال يمثل الأساس للتصنيفات الحالية لاضطرابات الشخصية مثل التصنيف الأمريكي للاضطرابات النفسية، والذي يسمى (الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية – الإصدار الخامسة) أو (DSM-5).
وفقًا ل DSM-5، يمكن تشخيص الاضطراب في الشخصية إذا كان هناك ضعف في أداء الشخص وتعامله مع الناس، إلى جانب واحدة أو أكثر من السمات المرضية للشخصية، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هذه الأعراض مستقرة نسبيًا ـ بمرور الوقت ـ ومتوافقة مع الحالات، وألا نعتبرها مقياسًا للمرحلة التنموية في حياة الفرد، وألا تكون أثرًا مباشرًا لحالة طبية عامة.
ينص DSM-5 على عشرة اضطرابات في الشخصية، وينسب كل واحد منهم إلى واحدة من ثلاث مجموعات أو أقسام (أ – ب – ج):
المجموعة (أ) (غريب الأطوار)
اضطراب الشخصية المرتابة.
اضطراب الشخصية الانطوائية.
اضطراب الشخصية الفصامية.
المجموعة (ب) (درامي – شارد)
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
اضطراب الشخصية الحَديّة.
اضطراب الشخصية الهستيرية.
اضطراب الشخصية النرجسية.
المجموعة (ج) (يشعر بالقلق والخوف)
اضطراب الشخصية التجنبية.
اضطراب الشخصية الاعتمادية.
اضطراب الشخصية الوسواسية.
قبل شرح هذه الاضطرابات الشخصية العشر، يجب التأكيد أنهم نتاج الملاحظة التاريخية أكثر من كونهم دراسة علمية، وبالتالي قد يبدو بعضها غامضًا أو غير دقيق نوعًا ما، وكذلك فإن هذه الاضطرابات العشر نادرًا ما تأتي كما يقول الكتاب، بل قد تجمع شخصية بين أعراض من اضطرابين مختلفين، وهذا هو الهدف من تقسيمها إلى ثلاث مجموعات في DSM-5، أي أن الشخصية تجمع بين أعراض اضطرابات شخصية مختلفة، ولكن غالبًا ما تكون من نفس المجموعة. على سبيل المثال، في المجموعة (أ) غالبًا ما يجمع الشخص المصاب باضطراب الشخصية المرتابة بعض أعراض اضطراب الشخصية الانطوائية واضطراب الشخصية الفصامية.
غالبية الأشخاص الذين يعانون من اضطراب في الشخصية لا يتواصلون مع خدمات الصحة النفسية، وإذا حدث ذلك عادة ما يكون بعد قيامهم بإيذاء أنفسهم أو مخالفة القانون، يجب أن يكون المتخصصون في الصحة على علم بهذه الاضطرابات الشخصية؛ لأنها تجعل الشخص عرضة لاضطرابات نفسية، أو تؤثر بالسلب على اضطراب نفسي موجود بالفعل، قد تُسبب هذه الاضطرابات كربا وضعفا كبيرين، لدرجة أن الشخص قد يحتاج أن يُعالج من أعراض الاضطراب أيضًا، هناك جدل بشان ما إذا كان ذلك اختصاص العاملين في مجال الصحة أم لا، خصوصًا فيما يتعلق بالاضطرابات التي تكون سببًا في نشاط إجرامي، والتي غالبًا ما يتم معالجتها بغرض أساسي، وهو منع الجريمة.
1- اضطراب الشخصية المرتابة
تضم المجموعة الأولى اضطرابات الشخصية المرتابة، والشخصية الانطوائية، والفصامية، يتميز اضطراب الشخصية المرتابة بعدم ثقة الشخص في الآخرين، بما في ذلك أصدقاؤه، وأسرته، وزوجته. ونتيجة لذلك، يبحث الشخص باستمرار عن أدلة للتحقق من مخاوفه، لدى هذا الشخص إحساس قوي بالحقوق الشخصية، فهو مفرط الحساسية للانتكاسات، يشعر بالخجل والإهانة بسهولة، ويتحمل الأحقاد والضغائن باستمرار، وليس من الغريب أنه يميل عن الابتعاد عن الآخرين، ويعاني كثيرًا؛ ليبني علاقات وثيقة.
الطريقة الرئيسة التي يدافع بها الشخص المصاب باضطراب الشخصية المرتابة عن نفسه هي الإسقاط، أي أن يحاول الشخص نسبة أفكاره ومشاعره الخاطئة للآخرين. وجدت دراسة توأمية طويلة المدى أن اضطراب الشخصية المرتابة هو وراثي إلى حد ما، وأنه يشترك مع اضطراب الشخصية الانطوائية، واضطراب الشخصية الفصامية، في عوامل الخطر الجينية والبيئية.
2- اضطراب الشخصية الانطوائية
الشخص المصاب باضطراب الشخصية الانطوائية يكون منفصلًا ومنعزلًا، ويميل للتأمل والتخيل، هذا الشخص ليس لديه رغبة في العلاقات الاجتماعية أو الجنسية، ولا يبالي بالآخرين ولا بالأعراف والعادات الاجتماعية، ويفتقر إلى ردود الفعل العاطفية، ترى أحد النظريات بشأن الناس المصابين باضطراب الشخصية الانطوائية أنهم حساسون جدًا بداخلهم، أي أنهم يرغبون في إقامة علاقات، ولكنهم يجدون أن بدء علاقة وثيقة والحفاظ عليها أمر صعب ومؤلم جدًا، لذا فإنهم يعودون إلى عالمهم الداخلي، عادة لا يتلقى المصابون باضطراب الشخصية الانطوائية عناية طبية؛ لأنهم على الرغم من ترددهم في تكوين علاقات وثيقة فهم بشكل عام يؤدون بشكل جيد.
3- اضطراب الشخصية الفصامية
يتسم الشخص المصاب باضطراب الشخصية الفصامية بغرابة المظهر والسلوك والكلام، والشذوذ في التفكير تمامًا، مثل من يعاني من الفصام، يمكن أن يشمل الشذوذ في التفكير معتقدات غريبة، أو التفكير السحري (على سبيل المثال: يعتقد أنه إذا تحدث عن الشيطان فإنه سوف يظهر)، والارتياب، والهوس، والشخص المصاب باضطراب الشخصية الفصامية غالبًا ما يخشى التفاعل الاجتماعي، ويعتقد أن الآخرين سيلحقون الضرر به، وهذا قد يدفعهم لتكوين أفكار مرجعية ثابتة، أي تكوين معتقدات بأن الأحداث ترتبط بهم بطريقة أو بأخرى. في حين أن الشخص المصاب باضطراب الشخصية الانطوائية يتجنب التفاعل الاجتماعي؛ لأنه يخشى من الآخرين، إلا أن المصاب باضطراب الشخصية الفصامية يتجنب التفاعل الاجتماعي؛ لأنه ليست لديه الرغبة في التفاعل مع الآخرين، أو قد يجد ذلك صعبًا للغاية. المصابون باضطراب الشخصية الفصامية لديهم احتمالية أكبر للإصابة بالفصام، حيث يطلق على حالتهم “الفصام الكامن”.
4- اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع
تضم المجموعة (ب) اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع، والحدّية، والهستيرية، والنرجسية. إلى أن جاء كورت شنايدر (1887 – 1967) وقام بتوسيع مفهوم اضطراب الشخصية ليشمل هؤلاء الذين يعانون من خلل أو غرابة في الشخصية، كان الناس يعتبرون اضطراب الشخصية بشكل عام أنه اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع شائع بين الرجال أكثر من النساء، ويتسم الشخص المصاب به بعدم الاكتراث لمشاعر الآخرين بشكل قاسٍ. يتجاهل هذا الشخص الالتزامات والقواعد الاجتماعية، وهو سريع الانفعال، عدواني، يتصرف بتهور، يفتقر إلى الشعور بالذنب، يفشل في التعلم من التجربة، في الكثير من الحالات لا يكون لديه صعوبة في إقامة علاقات، حتى أنه يمكن أن يظهر سطحيًا بشكل جذاب، ولكن هذه العلاقات عادة ما تكون مضطربة وقصيرة الأجل. يرتبط اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بشكل وثيق بالجريمة، ومن المرجح أن يكون لدى الشخص المصاب به سجل جنائي، أو قد دخل السجن من قبل.
5- اضطراب الشخصية الحَديّة
الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحَديّة (أو اضطراب الشخصية الغير مستقرة عاطفيًا) يفتقر إلى الشعور بالذات وبالتالي يشعر بالفراغ ويخشى أن يتخلى الناس عنه. يمتلك هذا الشخص علاقات عديدة، ولكنها غير مستقرة، فهو غير مستقر عاطفيًا، وكثيرًا ما يثور في غضب وعنف (خصوصًا عندما يرد على الانتقادات)، وسلوكه متهور. من الشائع قيام هذا الشخص بإيذاء نفسه وقد يصل إلى الانتحار، لذا الكثير من المصابين باضطراب الشخصية الحَديّة يلجأون للعناية الطبية كثيرًا، يسمى اضطراب الشخصية الحَديّة كذلك؛ لأنه يقع على الحدود بين اضطرابات القلق والاضطرابات النفسية، مثل الفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطب. يفترض البعض أن اضطراب الشخصية الحَديّة غالبًا ما يكون بسبب الاعتداء الجنسي على الأطفال، وأنه أكثر شيوعًا في النساء؛ لأنهن أكثر عرضة للاعتداء الجنسين وعلى الرغم من ذلك، يرى بعض أنصار الحركة النسائية أن اضطراب الشخصية الحَديّة أكثر شيوعًا في النساء؛ لأن النساء الذين يظهرون سلوكًا غاضبًا أو غير مناسب يوصفون بهذا الاضطراب، بينما الرجال الذين يُظهرون نفس السلوك يميل الناس إلى تصنيفهم باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
6- اضطراب الشخصية الهستيرية
يفتقد الناس المصابون باضطراب الشخصية الهستيرية إلى الإحساس بقيمة الذات، ويعتمدون في سعادتهم على جذب انتباه وقبول الآخرين. في كثير من الأحيان، يحاول هؤلاء الناس المبالغة والتكلف في التصرف من أجل أن يعطيهم الناس الاهتمام الذي يريدونه. يحرص الشخص المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية على مظهره بشكل كبير، ودائمًا ما يحاول التصرف بشكل جذاب تتسم علاقاتهم الاجتماعية بالسطحية مما يؤثر على تلك العلاقات سلبًا على المدى الطويل، وهذا ما يمثل ألمًا كبيرًا لهم، خصوصًا أنهم يتعاملون بحساسية شديدة مع الانتقادات والرفض، ولا يجيدون التعامل مع الخسارة أو الفشل، في الواقع هم في حلقة مفرغة، فكلما يشعرون بالرفض أكثر، كلما أصبحوا أكثر هستيرية وتمثيلًا، وبالتالي يُرفضون مجددًا. يمكن القول بأن الحلقة المفرغة هي شيء أساسي في كل اضطراب للشخصية، بل حتى في الاضطرابات النفسية.
7- اضطراب الشخصية النرجسية
الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية، يكون لديه شعور شديد بالاستحقاق، وأهمية الذات، وأن الناس يجب أن يُعجبوا به، يشعر بالغيرة تجاه الآخرين ويتوقع أنهم يشعرون كذلك تجاهه. يفتقد هذا الشخص إلى التعاطف، ويستغل الآخرين لتحقيق أهدافه. بالنسبة للآخرين، قد يرونه مسيطرًا، متعصبًا، أنانيًا، أو متبلد الإحساس. إذا شعر بالسخرية أو الإهانة فإنه يثور في نوبة من الغضب والانتقام المدمرين، ويطلق على رد الفعل هذا “الغضب النرجسي” ويمكن أن تكون عواقبه وخيمة على الجميع.
8- اضطراب الشخصية الاجتنابية
تضم المجموعة (ج) اضطرابات الشخصية الاجتنابية، والاعتمادية، والوسواسية. الشخص المصاب باضطراب الشخصية الاجتنابية يعتقد أنه أحمق اجتماعيًا، وأنه غير جذاب، أو أنه أدنى من غيره، ودائمًا ما يخشى الانتقاد أو الإحراج أو الرفض. يتجنب هذا الشخص مواجهة الآخرين، إلا عندما يتأكد أنه مقبول من الطرف الآخر، ويتصرف بنوع من التقيد حتى في علاقته الحميمة، تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الاجتنابية دائمًا ما يقوم برصد ردود الأفعال، سواء ردود أفعاله أو ردود أفعال الآخرين، مما يمنعهم من الانخراط في مواقف اجتماعية بشكل طبيعي، تنطبق الحلقة المفرغة عليه بأنه كلما يرصد ردود فعله الداخلية، كلما شعر بأنه أكثر حمقًا، وكلما كان أحمقًا، كلما ازداد في رصد ردود فعله الداخلية.
9- اضطراب الشخصية الاعتمادية
من خصائص الشخص المصاب باضطراب الشخصية الاعتمادية الشعور بافتقاد الثقة بالنفس، والحاجة الشديدة لأن يعتني أحد به. يحتاج هذا الشخص لمساعدة الآخرين في اتخاذ القرارات اليومية فضلًا عن القرارات الهامة في حياته، يخشى هذا الشخص الهجر، ويحاول جاهدًا الحفاظ على علاقاته، الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية كثيرًا ما يلجأون إلى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب في الشخصية من الفئة (ب) الذين يحبون أن يشعروا بالتقدير الاحترام من جانب الآخرين، يتصف الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية بالسذاجة ومحدودية النظرة، واعتمادهم على الآخرين يجعلهم عرضة للاستغلال وسوء المعاملة.
10- اضطراب الشخصية الوسواسية
يتسم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الوسواسية بالانشغال الزائد بالتفاصيل، القواعد، اللوائح، النظام، أو الجداول الزمنية، بحثهم عن الكمال يكون سببًا في فشلهم في إكمال المهمة. يتصفون أيضًا بالإخلاص في العمل والإنتاجية على حساب العلاقات وأوقات الفراغ. الشخص الذي يعاني من اضطراب الشخصية الوسواسية دائمًا ما يكون مرتابا، حذرا، متحكما، جامدا، وبخيلا، أكثر ما يُقلِق هذا الشخص هو فقدان السيطرة على عالمه، وبالتالي لا يتسامح حتى في التفاصيل الصغيرة. غالبًا ما تتوتر علاقته مع الزملاء والأصدقاء والأسرة؛ بسبب مطالبه المتشددة الغير معقولة التي يطلبها منهم.
في حين أن اضطرابات الشخصية تختلف عن الاضطرابات النفسية، مثل الفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، إلا أن كلاهما يؤدي إلى ضعف كبير. يقدر عدد المصابين بهذه الاضطرابات بحوالي 10% من الناس على الرغم من أنه يعتمد على تقدير الطبيب سواء كان الشخص طبيعيًا أم لا. تشخيص اضطرابات الشخصية العشر هو أمر صعب للغاية، والأصعب هو تشخيصها بشكل موثوق فيه.