سيعود وفد حركة حماس مجددا للقاهرة التي غادرها الأسبوع الماضي بعد لقائه وزير المخابرات المصري اللواء خالد فوزي بعد زيارة عدد من الدول، أهمها بتقديرنا قطر، لأكثر من اعتبار، منها أنها الداعم المالي الرئيسي لحركة حماس بعد تحول الحركة عن محور إيران/ سورية إلى محور تركيا/ قطر، وأنها ـ أي الدوحة، تستضيف رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، منذ أن غادر دمشق، ومنها محاولة حماس «احتواء» رد الفعل القطري، التي من المؤكد، أنها تنتظر نتائج زيارة وفد «حماس» للقاهرة، على أحر من الجمر، لأنها تعرف أكثر من غيرها، معنى تلك الزيارة، وما تنطوي عليه من إشارة حمساوية بالتحول للانضمام لمحور السعودية/ مصر، في سياق بحث الحركة عن أفضل التحالفات في منطقة تشهد حراكا سياسيا صاخبا، خلال السنوات القليلة الماضية، وبعد أن عجزت تركيا وقطر عن حل مشاكل «حماس» الرئيسية المتمثلة، بكسر الحصار عن غزة، وتوفير احتياجاتها المالية.
من المفيد التذكير هنا بأن أي حركة سياسية ذات وزن محلي وإقليمي، من مثل وزن وحجم حركة حماس، أن تكون معنية بتحالفاتها الداخلية مع الفصائل والقوى والجماعات السياسية المختلفة، كذلك بتحالفاتها الإقليمية الممكنة، التي تزيد من نفوذها الداخلي والإقليمي، وحيث إن التحالفات عادة ما تحقق مصلحة لطرفيها، كذلك فإن التحالف مع هذا، بالضرورة سيعني إزعاجا لذاك، فإن رسم التحالفات بدقة، أمر في غاية الأهمية لحركة سياسية، خاصة إذا كانت حركة تحرر، تواجه عدوا مثل العدو الإسرائيلي، وأي خطأ يمكن أن يعود بالضرر البالغ ليس على الحركة وحدها وحسب، بل وعلى مستقبل القضية الفلسطينية بأسرها.
نجد انه ضروريا ـ هنا، بهذه المناسبة ـ أن نعود للوراء قليلا، ونستذكر، كيف رسم الراحل ياسر عرفات، تحالفاته الإقليمية والدولية، في مراحل قيادته للشعب الفلسطيني المختلفة، فمنذ أن تولى قيادة «م.ت.ف» في العام 1969، بدأ يشعر بالمسؤولية السياسية، ليس عن «فتح» وحسب، بل وعن الثورة الفلسطينية كلها، بكل فصائلها، حتى تلك التي كانت تعارضه، وعن الشعب الفلسطيني بأسره في الداخل والخارج، وحتى يوفر استقلال القرار السياسي، بدأ باقتطاع نسبة 5% من مداخيل المواطنين الفلسطينيين العاملين بدول الخليج، قبل أن يبدأ من خلال الجامعة العربية بفرض المعونات المالية من الدول العربية لـ»م.ت.ف»، التي كانت تقدم الرواتب ليس لمنتسبي «فتح» وحسب، بل لكل شهيد وأسير فلسطيني، ولكل منزل يقوم الاحتلال بهدمه في غزة والضفة. ثم كانت الفكرة العبقرية، بإخراج فلسطين من دائرة استقطاب المحاور الإقليمية، العربية خاصة، والتاريخ يسجل كيف أن مصر/ عبد الناصر، وسعودية/ فيصل، رغم أنهما كانتا على رأسي محورين، سبق لهما أن تحاربا في اليمن العام 1962، كانتا داعمين رئيسيين للمنظمة ولعرفات، ومن ثم إتباع سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، حتى لا تحاول بدورها احتواء الثورة الفلسطينية أو التدخل بشؤونها، ورغم وجود فصائل عضوة في «م.ت.ف» كانت على علاقة تنظيمية بأحزاب حاكمة في الدول العربية (جبهة التحرير العربية، فرع حزب البعث العراقي في فلسطين، والصاعقة، فرع حزب البعث السوري)، إلا أن مركب «م.ت.ف» سار ليس فقط وفق مساره الخاص، لكنه جعل من فلسطين مؤشر عروبة كل الدول العربية.
والأهم من كل هذا أن «فتح» لم تسع لرسم تحالفات خاصة بينها كحركة وبين الدول الأخرى، بل بين «م.ت.ف»، الإطار الجبهوي الجامع لكل فصائل المقاومة الفلسطينية، والممثل الشرعي والرسمي للشعب الفلسطيني، في عقود النصف الثاني من القرن العشرين الماضي. «حماس» تبدو حائرة وهي ترسم تحالفاتها، فهي أولا، تنسجها معها كحركة سياسية، وليس من خلال «م.ت.ف» أو السلطة، التي تمثل فلسطين، وثانيا ترسمها على أساس التوافق السياسي أو العقائدي، فهي نسجت تحالفها أولا مع محور إيران/ سورية، على قاعدة التوافق السياسي، كمحور ممانعة داعم «للمقاومة»، ثم تحولت لمحور تركيا/ قطر على أساس عقائدي، كونه محورا سنيا متحالفا مع الإخوان، حين وصل إخوان مصر وتونس لسدة الحكم، والآن بعد سقوط الإخوان في مصر وتونس، وعجز تركيا/ قطر عن حل مشاكلها في غزة، بدأت تفكر في التحول لمحور السعودية/ مصر.
تحول «حماس» عن إيران/ سورية، جاء في ظل مواجهة هذا المحور مخاطر سقوط نظام الأسد، لذا فإن «حماس» لم تشعر بالعقوبة الناجمة عن ذلك التحول، رغم أن دمشق أغلقت أبوابها في وجه «حماس» التي كانت تظن بأن سقوط الأسد وشيك، كما حدث مع مبارك والقذافي، وأبقت إيران على دعم الجناح العسكري (القسّام)، الآن بدأت ردود فعل قطر وتركيا، مع تناقل الأخبار، بأن قطر بدأت بتضمين مصاريف مكاتب «حماس» في الدوحة «فاتورة» الدعم المالي الذي تقدمه لـ»حماس»، كذلك الحديث عن أن تركيا بدأت بسحب جوازات سفر بعض قيادات وكوادر «حماس» المقيمين بتركيا.
لا يمكن القول الآن ان «حماس» قد انتقلت تماما من محور لآخر، لكنها تفحص وترى باعتبارها حركة برغماتية، أي موطئ قدم أفضل لها، لذا لم تعط جوابا نهائيا لمصر، ولم تقطع تماما حبل الود مع قطر، بإبقاء ملف المصالحة لدى الدوحة، لكن يمكن القول بوضوح إنها ما زالت تمارس نفس السياسة السابقة التي تعتقد بأنها ـ وحدها كحركة ـ وخارج إطار الكل الفلسطيني، خاصة إطاره الرسمي، يمكن أن تحقق عبرها أهدافها السياسية!