إعلام متمسح يسرق دموع هرقل في وداع دمشق ليولول على فراق بوتين! .

11qpt997
حجم الخط

العبرة في الصورة، فمن يرى بوتين مرتميا في أحضان النمور أو يمارس هواية الرمي وهو نصف عار يداعب عضلاته وينفخ قفصه الصدري أمام الكاميرا، أو «عم يلعب بالتلج» على طريقة شادي الذي ضاع في أغنية فيروز، ولم يزل البحث عنه جاريا حتى اللحظة، أو من تأمله مبطوحا في لعبة كاراتيه ودية تحت أقدام النواعم، وهو يبتسم برقة الهوانم، ورشاقة العوالم، أو وهو يُرَضّع مَعِزَتَه المدللة أو يعزف البيانو أو حتى يلعب x-o مع العيال أو وهو يلتقط سيلفي لكلبه الأمور في نزهة جوية في سماء الشام، ثم يراه بعد كل هذا يجلس القرفصاء إلى جانب أوباما كالتلميذ المطيع بل قل كمن قُبِضَ عليه في شقة مفروشة بعد إعلان انسحابه من سوريا، لا بد سيغفر لأوباما كل صوره البلهاء أيام المراهقة والتي تخلو من أي سيماء للعظمة تنبئ بمستقبل زاهر لصاحب الصورة، بعكس ستالين، الذي كان أبوه عاملا مخمورا في مصنع للأحذية وكانت أمُّهُ فلاحة من طبقة العبيد، لكن صورته – صبيا بالكاد يشق الشعر لحمه في موضع الشنب – تهز قلب من توَلّع بهيبة صمته قبل أن تُشَقْشِق اللغة من تحت شاربيه فتشعل السبع قارات في إكليل تمثال الحرية….. (و ما دايم) إلا سبحانه مغير الأحوال، ومبدل جبهات القتال، وبُحة الكورال لمن كان يُنشد: «حَبْحَبْني عَ الخدين شو هالجسارة»، فصار يدندن الدلعونا بعروض أوبرالية على مسارح جان بطرسبيرغ : «راحوا الحبايب ما ودعونا»!
 
الغزو بالانسحاب والغفلة
 
هزيمة الجيوش – والحديث لجنود البلاشفة – فوق طاولة المراهنات السياسية والتعويمات الإعلامية أخس بكثير من هزيمتها في أرض المعركة، فلماذا تتحسر على الجيش الأحمر وقد حولوه إلى جيش عربي قابل للتصفية بين طاولات التحليل الإعلامي و«طرابيزات» الحلول الدبلوماسية، التي أربكت أحاسيسك، ولكن ليس إلى الحد الذي لا يمكنك فيه أن تتحسس شَكة القلم في سؤال الهاوية: (عسكر على مين)؟
نعلم أنكم كسرتم مراياكم، لا لتهربوا من أنفسكم ولكن لكي لا نراكم على حقيقتكم، ولسوء حظكم أنكم تعيشون في عصر فضائي وثاب لم يتح لكم الإستمتاع بتحقق تنجيمكم الإعلامي وحملاتكم التبشيرية عن الهزبر الروسي الذي: إذا ورد البحيرة شاربا / ورد الفرات زئيره والنيلا، حتى كدنا نشك بعروبة المتنبي، لا بل كدنا نصدق أن التاريخ لا يكتبه سوى المغفلين!
لم تمهلكم الصفقات العظمى حتى تموتوا أبطالا من ورق أو على الأقل تريحكم من عار المواجهة بعد انكشاف خدائعكم الإعلامية عن المهمة المستحيلة للغوريلا القطبي: التحنيط السياسي للنظام البعثي، لأن من هزمكم ليس عدوكم إنما حليفكم الذي أطاح بكم مرتين: فصفقة انسحابه المفاجئة متممة لصفقة اجتياحه المحسومة مسبقا للتقسيم، وأرجحة النظام بين معسكرين وهميين للإقصاء والإبقاء، فإن لم تأخذوا بعين الاعتبار ذكاء التاريخ، فعلى الأقل راعوا غباءكم احتراما لخبث الغزاة، ومقالاتكم وبرامجكم التي تشهد عليكم، ولا أظنكم على غفلتكم نادمين، ويا حيف على شوارب ستالين في زمن يصبح القيصر فيه حلاقا !
 
وجع الغزاة وتجار الصحافة
 
هل هذه مهمة «الميديا»: توريط المخابرت العسكرية بالحروب؟ أم العكس؟ أم أن هناك تجار سلاح يتحكمون بالمصير السياسي والضمير الإعلامي العالمي؟ في الحالتين لن تكون سخونة الحدث وقابليته للتأويلات الأخطبوطية مسوغا للشطح التحليلي أو التبشيري، ولا حتى ضمن المفهوم التجاري لصناعة وتسويق الخبر، لأنه لعب في أكثر المناطق خطورة: الوعي والوجدان، فليس من السهل أبدا أن تنوم المتلقي مغناطيسيا أو تدغدغ عاطفته لترضيه أو لتستقطب شريحة أكبر من المتابعين «الحقيقيين والوهميين»، لأن المتاجرة بعواطف الناس وعقولهم تعني تخدير أمة وجيل بأكمله واستغلاله كمادة استهلاكية مربحة لا تمت للحس العروبي والواجب الوطني بصلة.
لا يحسدون على حال، انظر إليهم لم يزالوا يبحثون عن خُرق يرقعون بها فتقات جيوبهم: (فبوتين انسحب بعد أن تشاور مع الرئيس السوري، وبوتين أنهى مهمته، وبوتين اختلف في وجهة النظر مع حليفه، وبوتين وبوتين وبوتين.. ) فهل هم يحسنون الظن بغبائك إلى هذا الحد؟ أم أنه يلزمهم دورة تأهيل إعلامية في التلفزيون الفيتنامي؟
بث التلفزيون الفيتنامي، سلسلة توثيقية من 13 حلقة بعنوان «فيتنام: الحرب التلفزيونية»، تضمنت طعنا فاضحا لكل التزييف بالوقائع والحقائق التي تم إخفاؤها عن الرأي العام الأمريكي والعالمي، ولم يكشفها سوى هذا البرنامج، الذي يتفرع من سلسلة توثيقية أضخم: «عشرة آلاف يوم من الحرب»، ولما اطلع الرئيس الأمريكي ريغان على فن الحقيقة والتوثيق البصري والآني للتضليل الميديوي الممنتج، أمر بعرضه على الشعب الأمريكي للاستمتاع بفن الفبركة الهوليوودية لاقتحام السفارة الأمريكية في فيتنام، والتي مُنحت فيها قوات المارينز دور البطولة الوهمية! 
ستحس بوجع الغزاة إلى الحد الذي تبكي عليهم فيه حين تسمع ما قاله هرقل في وداع دمشق: «أودعك يا دمشق وداعا لا لقاء بعده»، وهو العدو المحتل، الذي أثمر فيه حب المدينة حزنا على فراقها، حتى يكاد يفجعك هذا الرحيل، بينما لم نسمع من حليفها المخلص «الدب الروسي» ولا حتى كلمة: «بخاطركن، أنا صار لازم ودعكن»!
الحق ليس على الإعلام، الحق عليك أنت أولا أيها العربي (المرمطون)، إذ ألغيت إرادتك واستسلمت لإرادة تجار الحرب الإعلاميين، فهل تعاقب نفسك أم تسامح هذا الحليف، الذي أهان حلفاءه بأكثر مما يجرؤ عليه أعداؤهم، لأنه استخف بالشام مرتين: لما دخلها ولما غادرها، لا بل إنها إهانة متعمدة للشعب السوري ولدموع هرقل وللرئيس السوري، لأنها لا تحتمل سوى رسالة مباشرة من الدب إليه: لم أجئ لتبقى ولكنني أغادر لترحل!
 
«الميديا»: أسرار قذرة
 
الدب الروسي لم يكن ضحية حلفائه، إنما ضحية مغامراته، التي كادت أن تكبد بلاده حظرا تجاريا وجدارا عازلا من العقوبات الاقتصادية أو فضيحة أخلاقية عن علاقاته المشبوهة بالأطفال تطيح بمستقبله السياسي، فإن كان العرب لم يزالوا يحللون الصدمة ويرون أن انسحابه مجرد اشتباك ضراير مع إيران، فإن الطامة كبرى، لأن من ناهضوا التدخل الأمريكي في سوريا إعلاميا هم أنفسهم من أطلق عليهم الإعلامي الاسترالي «جون بلجر»: «المطبلين الصحافيين»، في برنامجه «الحرب التي لم تشاهدها»، مستهجنا قذارة الترويج للغزو باسم الحرية والعدالة، واستراتيجية الرعب التي اتبعها البنتاغون ووزارة الدفاع البريطانية في حربهما في العراق وأفغانستان، بالتنسيق مع لجان إعلامية خاصة تجيز التقارير أو تحظرها، ويبين خطر التغطية المباشرة التي تكرر أخبارا كاذبة للتمهيد للصدمة وامتصاص الغضب، فلا تعلن الخبر الصحيح إلا في نهاية التغطية وقد أنهكت المشاهد كما حدث في سقوط البصرة، وهو أسلوب مختلف عن الحرب الإعلامية القذرة في سوريا، التي لعبت فيها أمريكا الدور الحقيقي غير المرئي هذه المرة، حيث أسقطت الأصنام بتكنيك مغاير لإسقاط تمثال صدام، فلم تضطر للغزو ولا لرفع الأعلام الأمريكية على جثث التماثيل، بل حققت لنا كل ما نتمناه فدمرتنا بثوراتنا ومطالبنا وحلفائنا، يا لعار إعلاميين يتصدرون الواجهة بأقلام ومنابر ممغنطة تنفذ المؤامرة بحذافيرها فإن كانت تدري فالمصيبة جلل وإن لم تكن تدري فالمصيبة أعظم !
 
كان يعلم لويد جورج، رئيس الوزراء البريطاني، حين تحدث مع المحررين في الغارديان «على انفراد» أن الإعلام بئر الأسرار، ولذلك حذرهم موشوشا: إذا عرف الناس الحقيقة، فإن الحرب ستتوقف غدا»، وإن عدت لأرشيف الحرب العالمية ورأيت صورا للجنود الأمريكان وهم يلوحون لأمهاتهم أمام الكاميرات هاتفين فرحا باسم الحرب، ستصدم لما تتطلع على أشرطة سرية لم يكن مسموح بعرضها لذات الجنود في ساحات المعارك وهم يبكون رعبا من الحرب ويتضرعون للعودة إلى أحضان أمهاتهم، وهذا تحديدا ما اشتغل عليه «إدوارد بيرنيز» القرن الماضي، حيث انتصر للذكاء بالتغرير بالجماهير والصحافيين وحول الخديعة إلى حقيقة وحيدة معترف بها، فكأن البوستر الأكثر نفعا لأي بروباغندا هو: التضليل، ولهذا ينفق البنتاغون أكثر من مليار دولار سنويا على عقود إعلامية من أجل الترويج لحروبه، والكرملين شريك في نسبة الأرباح وليس غريما هذه المرة، فهل نقول لكم (لا أسف عليكم يا معشر الغفلة) أم نقول: (عيشوا وكلوا غيرها) ليس شماتة بل كرمى لوجع هرقل يا تماسيح الدببة !