نشرت الهيئة لمكافحة العنصرية في إسرائيل استطلاعاً للرأي يوم الأحد الماضي، نفذه معهد رافي سميث، يظهر أن أكثر من نصف الإسرائيليين (52%) يشعرون ان المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر عنصرية بالمقارنة مع الوضع الذي كان قائماً قبل سنتين، وحسب الاستطلاع المذكور يعتقد أكثر من (70%) ان الشبكات الاجتماعية تساهم في زيادة حدة الحديث العنصري، وان ربع الإسرائيليين عاشوا تجارب عنصرية بشكل شخصي في السنة الأخيرة. والشعور السائد في أن إسرائيل أصبحت أكثر عنصرية وخاصة تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وبعد هؤلاء يأتي طالبو اللجوء وبعدهم يأتي اليهود من أصل اثيوبي.
في الواقع نتائج هذا الاستطلاع تعكس تأثيرات الخطاب السياسي والإعلامي الذي تتبناه حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتي بدأ الكثير من الإسرائيليين واليهود في العالم يدركون المخاطر المترتبة على هذا الخطاب والسياسة التي تتبناها الحكومة.
وهذا يقودنا الى موضوع التحريض الذي تمارسه أوساط اليمين على كل من يخالفها الرأي وعلى قطاعات معينة من المواطنين. وليس فقط التحريض ضد السلطة الوطنية والشعب والقيادة الفلسطينية في المناطق المحتلة، بل ضد الفلسطينيين واليسار الصهيوني ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية. ولو أردنا أن نرى نموذجاً حديثاً للغاية لهذا النوع من التحريض الخطير فيكفي تتبع ما ينشر في وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية حول منظمة (كاسرو الصمت) التي تحقق في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين. فكل أقطاب اليمين واليمين المتطرف هاجموا هذه المنظمة، وحتى رئيس الحكومة نتنياهو طالب بالتحقيق ضدها بتهمة الخيانة، بدعوى أنها تستجوب الجنود عن أسرار عسكرية لا علاقة لها بها.
ومن الواضح ان السبب الرئيس وراء الهجوم على هذه المنظمة المتهمة أيضاً بتلقي أموال من الخارج والعمل لصالح جهات أجنبية وضد مصلحة إسرائيل هو أنها تساهم في كشف وجه إسرائيل الحقيقي، مع العلم ان هدف المنظمة المذكورة هو إلقاء الضوء على الأخطاء التي تساهم في تشويه صورة المجتمع الإسرائيلي للعمل على تلافيها وتصحيحها. وأنها لا تنشر شيئاً الا بعد حصولها على إذن الرقابة العسكرية، وأنها لم تنشر اي شيء يمكن ان يمس بأمن إسرائيل، حسب ما يرد به القائمون على هذه الجمعية.
العنصرية لا تتبدى فقط في الهجوم على الفلسطينيين بسبب أعمال المقاومة وتأثر الفلسطينيين في إسرائيل بهذا الهجوم، بل أن العنصرية تطفح من تصريحات عدد من القادة الإسرائيليين الذين لا يرون في الفلسطيني إنساناً بمستوى الإسرائيلي اليهودي، ومن بين الأشياء التي يمكن أن تكون قمة في العنصرية ما قاله وزير الحرب الإسرائيلي موشي يعلون عندما صرح بأن الفقدان والثكل الفلسطيني ليس كالثكل الإسرائيلي «فهم يحبون الحياة ونحن نحب الموت». وليس بعد هذا التمييز العنصري ما يقال حيث كيف يمكن أن يخطر ببال بشر أن الأم الفلسطينية لا تحزن على ابنائها بمستوى اليهودية، ولو نظر هؤلاء إلى الأمهات من الحيوانات وليس من البشر لعرفوا أن ما يقولونه هو العنصرية بعينها وليس الجهل، مع أن هذا ليس مستبعداً.
حكومة نتنياهو تضيق ذرعاً بالإسرائيليين الذين يجرؤون على توجيه اللوم والنقد لسياستها، وتسعى لمحاربتهم بكل السبل وتلجأ إلى سن القوانين الجديدة عندما لا تتيح القوانين القائمة معاقبتهم، فالقانون الجديد الذي هو في طور التشريع للتضييق على المنظمات الحقوقية ومراقبتها ووضعها في زاوية لا تمكنها من أداء واجباتها بحجة أنها ممولة من الخارج وهذا التمويل يجب أن يخضع لرقابة وتنظيم، في حين أن المنظمات اليمينية وخاصة الجمعيات الاستيطانية تحصل على تمويل هائل من الخارج ولا أحد في الحكومة يشكو من ذلك، ولا يطالبون بالرقابة والتضييق عليها، والسبب بطبيعة الحال أنها منسجمة أيديولوجياً مع الحكومة التي باتت تمثل المستوطنين أكثر من أية جهة أخرى.
لا بد للعقلاء من الإسرائيليين أن يقلقوا على مصيرهم من سياسة حكومتهم التي تأخذهم بعيداً نحو العنصرية والتطرف والديكتاتورية التي لا تقبل الرأي الآخر ولا الموقف الآخر، فكيف بمن يحاول تصويب الوضع؟ هذا بلا شك سيعتبر في خانة الأعداء ويمكن أن يطبق عليه حكم الإعدام، والإعدام هنا ليس بالمحاكم كما يحاولون إعدام الفلسطينيين بدون محاكمات، وايضاً يسعون إلى سن القوانين التي تتيح لهم إعدام من يحالفه الحظ ولا يعدم ميدانياً ويجري اعتقاله.
وإعدام الإسرائيلي هو معنوي من خلال وصمه بالخيانة ومحاربته اجتماعياً وسياسياً باعتباره يخدم العدو ويعمل ضد مصلحة دولته. ولعل ما مر على نشطاء جمعية (كاسرو الصمت) خلال الفترة الماضية هو مؤشر على الاتجاه العام لسياسة الحكومة الجديدة التي بات يلمسها المواطن العادي والتي تسعى لإخراج المعارضين عن المواطنة الصالحة وتحويلهم إلى عبء ثقيل على الدولة لا بد من التخلص منه، فإما أن يرجع عن نشاطه أو تتحول حياته إلى جحيم ويطارد اجتماعياً وسياسياً وإن أمكن قانونياً، وقد يضطر لمغادرة البلاد كما فعل العديد من المواطنين الذين لم يعودوا يقبلون أن يعيشوا في ظلم نظام احتلالي عنصري ظالم وجائر حتى ضد فئات من اليهود.
سيسجل التاريخ لنتنياهو أنه قتل فكرة الحل السلمي القائم على دولتين، بحجة أنه لن يتنازل عما يسميه «أرض إسرائيل» وأيضاً أنه كان الشخص الذي أعاد إسرائيل إلى الظلامية ونزع عنها ادعاء الديمقراطية والليبرالية اللتين تغنت بهما الحركة الصهيونية وبالذات التيار العمالي العلماني، ليعيد تشكيل الصهيونية في ثوبها العنصري الذي يميز بين الناس على أساس معايير عديدة تتعدى القومية. ويحق للعالم أن يرجع إلى القرار الأممي الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، فما عاد الإسرائيليون يستطيعون نفي عنصريتهم التي باتت رسمية وشعبية باعتراف المواطنين الإسرائيليين أنفسهم. وهذا طبيعي طالما الاحتلال قائم وطالما تنتهك إسرائيل حقوق الفلسطينيين وحقوق الأقليات لديها.