قال شاب تونسي لمراسل «نيويوركر» إن «داعش» سوف تحكم العالم اجمع بالعدل والانصاف، وتنشر السلم في جميع الأنحاء. لكن يبدو أنه حتى ذلك الحين، سوف تحرق الطيارين في الأقفاص، وتقطع رؤوس الرهائن على الشواطئ، وتسبي النساء، وتسخّر الأطفال، وتفجّر المطارات والقطارات والمترو.
الرسالة في تفجيرات بروكسل كانت متعددة: أولاً، ضرب أوروبا في قلب عاصمتها. وثانياً، القول إن اعتقال منفذ انفجارات باريس مجرد صفر، لأن الإرهابيين النائمين سوف يستيقظون في اليوم التالي إلى ما هو أكثر همجية وعدمية. لم يعد ممكناً النظر إلى حرب الرعب إلا بمنظار كوني. فأول ما خطر لي حين سماع نبأ بروكسل، هو أن هذا تصويت آخر إلى جانب دونالد ترامب، وإرغام لفرنسا على تمديد حالة الطوارئ، والمزيد من رفع الأسوار عالياً في وجه اللاجئين.
لدينا مجموعة مطالب ومظالم وشكاوى من الأنظمة العربية، وعهود الركود والتخلّف والفقر، وبدل أن نطلب حلها في بلداننا، نريد أن نحلها في أوروبا.
وبدل أن نحمل مسؤوليات افشال نصف قرن، نريد أن يفشل الآخرون ايضاً. واسوأ معالم هذا النحر والانتحار الجماعيين، هو ردود فعل المتملقين ومتسولي الإطراء، الذين لا يرون أي خطأ إنساني في الدفاع عن العنف والقتل والسلوك الهمجي.
هؤلاء يؤلبون على العرب جميع الناس. ويساهمون، مثل جزاري باريس وبروكسل ومدريد، في رسم صورة جماعية مقيتة، للملايين من الناس العاديين والعاقلين وذوي الخلق الإنساني.
لكن حرب الرعب مستمرة بوجهها الدموي الحالك. وهدفها الأول دك السلام بين الغرب والعرب. وسوف تؤدي سريعاً إلى بروز ترامب ولوبين في كل مكان. وإلى عسكرة اليمين الأوروبي والأميركي، واستيقاظ الفاشية المخبأة في البيوت والشوارع. ولا ينفع أن نقول إن هذا الافتراس عمل فردي، لأن المرتعدين في شوارع أوروبا ومستشارياتها وحكوماتها، لن يجلسوا على المصاطب للفصل بين القمح والزؤان. هذه مسؤوليتنا. وهي مسؤولية جماعية، لأنها حرب جماعية.
*نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية.