صدر حديثاً كتاب جديد بعنوان "الاعلام الفلسطيني: النشأة والتطور" للباحث الإعلامي محمود خليفة، وهو كتاب يتناول الإعلام الفلسطيني منذ صدور أول مطبوع عام 1876 وحتى هذه اللحظة، بأسلوب عرض تأريخي وتحليلي وأرشيفي مميز.
الكتاب الجديد يقع في 628 صفحة، في ثمانية فصول، أفرد كل فصل منها صيغة مكتوبة تتناول فصلا من فصول الإعلام الفلسطيني ضمن عناوين يصفها الكاتب في تقديمه "بالبعد عن الخيال والأسطورة"، وبأنها تؤسس لـ"إيجاد صيغة مكتوبة مطروحة للنقاش في واقعنا الإعلامي".
وقدم لهذا الكتاب، الذي يأتي ضمن إصدارات وزارة الإعلام، الإعلامي البارز ورئيس وكالة الأنباء الفلسطينية الأسبق الكاتب زياد عبد الفتاح، الذي أشار إلى أن خليفة "لم يترك فرعا من فروع الإعلام إلا وتناوله بالبحث العميق والدقيق، ولم تسلم من بحثه حتى الجدران التي كانت مسرحا للرسامين، يعرضون فوقها قضايا وطنهم بخطوط وصور تعبر عن قهر ومعاناة، منذ الحكم العثماني، ومرورا بالانتداب البريطاني ثم الاحتلال الصهيوني".
الكتاب الذي يراه عبد الفتاح في مقدمته "مصدرا لا غنى عنه في مراكز البحث واحتياجات الباحثين"، شكل في فصله الأول أرضية للحديث حول بدايات الصحافة الفلسطينية وفقا للمراحل التاريخية التي مر بها المجتمع الفلسطيني في مرحلة العهد العثماني، ثم مرحلة الانتداب البريطاني وظهور الأحزاب والحركة الوطنية، ثم شكل وأدوار الصحافة الفلسطينية في مرحلة الكيان الجديد "إسرائيل"، وفي عهد الإدارتين المصرية والأردنية في الضفة والقطاع، كما تناول شكل الصحافة وأدوارها ما بين 1967 و1994، وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية ما بعد اتفاق أوسلو، ليجمع في هذا الفصل أرشيفا مكتوبا للصحافة الفلسطينية.
وشكّل الفصل الثاني دراسة للبيئة السياسية والتنظيمية للإعلام الفلسطيني في طريق تحوّله من إعلام ثورة الى إعلام دولة، ولهذه الغاية، استعرض هذا الفصل القوانين المؤسسة والمرجعيات القانونية للعمل الإعلامي الفلسطيني، في إطار المعيقات والتدمير الذي تعرضت له مؤسساتنا الإعلامية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتطرق الفصل الثالث بشكل مستفيض الى الإعلان ودوره في تمويل وسائل الإعلام الفلسطينية، وفي تلفزيون فلسطين بشكل خاص، بينما بني الفصل الرابع على تحليل استبيان تم توزيعه على وسائل الإعلام لبحث ظروف العمل في الإذاعات الفلسطينية الخاصة من وجهة نظر العاملين فيها. وبهذين الفصلين، ينتقل الكتاب من معالجة الإعلام الفلسطيني من الخارج، الى نظرة أشمل وأعمق للإعلام الفلسطيني من الداخل، الأمر الذي يخلق توازنا مفقودا من بين دعائم ومعيقات العمل الإعلامي من الخارج، ودعائمه ومعيقاته الداخلية، وبالتالي تصبح الصورة أكثر وضوحا وشمولية ويمكن الاستناد عليها بشكل أكثر براغماتية للتأسيس لاقتراحات وحلول جذرية تساهم في بناء وتعزيز هذه المنظومة التي لعبت أدوارا متعددة في الحالة الفلسطينية.
وخصص الباحث الفصل الخامس لتقديم توصيات وحلول لإحقاق التنمية الإعلامية في فلسطين من خلال دراسة عوامل الأزمة، سعيا الى الخروج بتوصيات واقعية تسهم بتحقيق تغيير مبني على الرصد والدراسة والتحليل. وأفرد الفصل السادس لعرض مجمل الانتهاكات الإسرائيلية للعمل الصحفي والاعتداءات التي تعرضت لها المؤسسة لإعلامية والإعلاميون.
وفي سياق الرؤية العامة للإعلام الفلسطيني وسبل النهوض به، تناول الفصل الثامن خطة التنمية الحكومية والاستراتيجية الإعلامية وتقييما واقعيا لدعم الحكومة للإعلام والمؤسسة الإعلامية وانعكاسات ذلك على أدائها ودورها. وبما أن تطوير الإعلام الفلسطيني مرتبط بشكل وثيق بالإعلام العربي والجهات الفاعلة بالمنظومة الإعلامية في الوطن العربي، كان لا بد من دراسة الحالة الإعلامية الفلسطينية في إطار أوسع يتناول توصيفا للمشهد الإعلامي العربي وأسباب ضعف تأثير الرسالة الإعلامية في لعب الدور الأهم كمظلة ورافعة موجهة للرأي العام العربي.
بني هذا الكتاب على "خيط حكي وقصِّ يشبع فضولنا ويثيرنا، لأن الباحث نحج في اصياد انتباهنا" يقول مقدم الكتاب، "نحن أهل الإعلام الذين اشتغلوا فيه وتفرغوا له على مدار ما يزيد عن أربعة عقود"، ويمكن اعتباره عملا بحثيا ضخما يضيف الى المكتبة الإعلامية والأرشيف الإعلامي الفلسطيني بما استند اليه من صور ووثائق تأريخية وتاريخية، وإضافة الى المكتبة الفلسطينية والعربية.
يشار الى أن محمود خليفة يشغل حاليا منصب القائم بأعمال وزارة الاعلام، وشغل سابقا عددا من المناصب الإعلامية في سفارة فلسطين في بولندا ووكالة وفا، وعمل محاضرا في جامعتي الأقصى والأزهر بغزة، وله العديد من الأبحاث والمحاضرات المتخصصة.