يرتفع صوت تكبيرات الفتح الإسلامي وسط القاعة. تصفيق حار ودموع تجمدت في الأحداق. إنه خالد مشعل، يخاطب في مؤتمر حزب العدالة والتنمية: من دعمنا في الحق لا ندعمه في الباطل. كان ذلك المشهد في أيلول/ سبتمبر 2012. أما في آذار/ مارس 2016، يسأل مذيع "فرانس 24"، مشعل، حول موقفه من وسم حزب الله بالإرهاب. فتأتي الإجابة: لا تعليق. الصمت يعني القبول ولو كان نسبياً. لا يريد الحمساويون، إغضاب السعودية ورعاة المعارضة السورية. لكن قتال الاحتلال يجيء معه الحق ويزهق به الباطل. حزب الله عدو مركزي لإسرائيل، فهل ذلك حق أم باطل؟
نقل مسؤولو حركة "حماس" بندقيتهم إلى الكتف التركي القطري. تذكر أبو الوليد، فجأة، أنه شافعي المذهب، بعدما كان ناسياً أن إيران شيعية النظام. القرار اتخذ: بشار الأسد يقتل شعبه. تركيا النقشبندية تتبع السلف الصالح. قطر الوهابية واحة الديمقراطية. إيران صفوية. الجديد أن حزب الله إرهابي والسعودية الحنبلية عروبية.
بدأ التحريض في الجمهور. مارس مسؤولو "حماس" طقوس كتاب "كيف تصنع مريضاً؟" (تأليف عالم النفس السلوكي جورج ويلز). نفذوا نظرية "العزل الحسي". عزل مشايخ "حماس" مريديهم عن الواقع. تبدل الأصدقاء وتنوع الأعداء: الشيعي مرتد، وعلم الانتداب الفرنسي راية لـ"الثورة الأموية".
استطاع منظرو الحركة أن يقلبوا المفاهيم. عزل الحس عن الماضي من أصعب الخطوات النفسية، لكنها سهلة إذا كانت جماعية وفيها نكهة طائفية.
اقتنع جمهور "حماس" من باب مذهبي ضيق بما قيل ويقال، حتى أن الشيخ يوسف القرضاوي، طالب الولايات المتحدة "الصديقة" بقتل الأسد، كما فعلت بالقذافي. هنا كل شيء مبرر، ولو تحالفت حركة مقاومة عن قصد أو من دون قصد مع الغرب وإسرائيل ودول الخليج. المطلب واحد والرؤية موحدة تجاه سوريا.
الملفات الأخرى يمكن ترتيبها. لكن المقاومة منظومة مبادئ لا يمكن تجزئتها. لذلك تجد "حماس" في ورطة؛ بعد تخيير الاستخبارات المصرية لوفدها أن تفك الحركة ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين وإلا قطعت العلاقات نهائياً. مسألة اتهام أفراد من "حماس" باغتيال النائب العام المصري هشام بركات، مقدمة لوضع الحركة على لائحة الإرهاب العربية. بكل تأكيد لو صار ذلك، سيعلق السيد حسن نصرالله ويدين القرار، بعكس ما فعل مشعل. الظن عند "حماس" أن تقربهم من الأتراك أو السعوديين سيحميهم من الخطط الإسرائيلية. مفاوضات تركية إسرائيلية خلصت إلى تقزيم علاقة أنقرة بـ"حماس" وتنازلها عن رفع الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة. في المقابل لقاءات إسرائيلية سعودية في الرياض؛ ومن المؤكد أن دوري غولد، يطالب سراً وعلانية بنبذ "حماس". ربما تنفذ السعودية طلب الإسرائيليين إذا كان مقابله ما هو أكثر أهمية للمملكة.
يعرف خالد مشعل، مثل كل الفلسطينيين قصة الثور الأبيض. وكيف صاح الثور الأسود: أكلت يوم أًكل الثور الأبيض. ويخشى أن تكون "حماس" هي الحلقة الثانية في سلسلة الاتهامات الإرهابية لأن كتائب "القسام" لا تزال تصنع صاروخاً ضد إسرائيل.
زاهر أبو حمدة/ الميادين نت