يمكن اعتبار التاسع من إبريل 2013، نقطة تحول العالم و وقوعه تحت خط التهديد الإرهابي المباشر، ولا استنثاء لأي نقطة فيه، بعد أن اعلن تنظيم الدولة "داعش" انطلاقته، ومنذ ذلك الحين، لم يعرف العالم العربي معنى السلام ولا الحرية، خاصة تلك الدول التي وصلها التنظيم انطلاقاً من العراق وسوريا وليبيا، ووصل تأثيره إلى الدول التي ساهمت بشكل مباشر في ولادته، ووصلت عملياته الإرهابية إلى الدول التي شاركت في القضاء على التنظيم.
مؤخراً، استيقظت العاصمة البلجيكية بروكسل، على تفجير راح ضحيته (٣٠) مواطنًا، وإصابة (٢٥٠) آخرين تقريبًا، هذه الانفجارات المتزامنة نشرت الرعب في بلجيكا ودول أوروبية أخرى، وقد كانت ردة الفعل الأولى هي إغلاق المطار، وإيقاف حركة المترو، والبحث عن المشتبه بهم، ودخلت جلّ دول الاتحاد الأوروبي في عملية بحث أمني مكثف، وإجراء تبادل معلومات، ومراقبة الحدود، ومراقبة أبناء الجالية الإسلامية، وحدثت حالة من الهستيريا واسعة النطاق على وسائل الإعلام الجديد تحرض على المسلمين، وعلى المهاجرين.
لماذا بروكسل
في إطار التساؤلات حول سبب اختيار الإرهابين العاصمة "بروكسل "رأى الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب ، أن التفجيرات الأخيرة والتي استهدفت العاصمة البلجيكية، تأتي في اطار استكمال العمليات الارهابية ضد بعض العواصم الاوروبية، موضحاً أن بروكسل هي عاصمة الاتحاد الاوربي، ولها رمزية خاصة للمواقف الاوربية المتعلقة في تنظيم الدولة " داعش"، والموقف في سوريا والعراق تحديداً.
وأضاف : "إن المشكلة الأمنية في بلجيكا والتي نتجت عن الاختلاف بين المقاطعات إلى خلخلة في الوضع الأمني، إضافة إلى وجود مجتمع حاضن " للتنظيم"، فيما تجد التجمعات الاسلامية المهاجرة في بلجيكا وضواحيها تهميشاً و تعاني من مشكلة في الاندماج بالمجتمع البلجيكي، وتشعر في الظلم والعزلة الاجتماعية.
فيما فسر الخبير في الشؤون الإسرائيلية " د. فريد قديح" العمل الإرهابي الأخير في بروكسل، بأنه نتاج طبيعي للفوضى في الشرق الأوسط، حيث تعيش المنظمات الإرهابية في العالم لحظة نمو وازدهار من خلال توفير أرضية خصبة لها، وبأنها نتاج طبيعي للبيئة التي منحت لهذه التنظيمات لأن ينشطوا في الشرق، تحديداً" سوريا والعراق وليبيا" و البلدان التي شكلت حاضنة طبيعية لبروز هذه التنظيمات.
واعتقد اللواء والخبير الأمني " يوسف الشرقاوي" بأن الإرهابيين يختارون أكثر من هدفِ لهم في حين فشل إحداهم يمكن تنفيذ خطتهم في هدفِ اخر، فإن فشل في المطار سيكون في المترو أو غيره وذلك وفقاً للوضع الأمني لأهدافهم.
انقلاب السحر على الساحر
ويعتقد الكثيرون بأن هذه التفجيرات المتتالية في العواصم الأوربية ما هي إلا انقلاب السحر، في هذا السياق، أوضح " حرب" أن محاولة استخدام بعض الدول الغربية للمتطرفين في الاتجاه الاخر، سينقلب على هذا التوجه خاصة عند دعم مجموعات من الاسلام السياسي، والذي يتناقض مع الفكر الغربي بمجمله، معتقداً أن ردة الفعل ستكون أكثر عنفاً على هذا المجتمع، مضيفاً : "لا نستطيع ان نقاوم الاسلاميين بإسلاميين آخرين."
واستذكر " حرب" كيف تحولت المجموعات التي شكلتها السياسات الأمريكية في إطار الحرب الباردة في أفغانستان إلى نقمة على هذه المجتمعات خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وولادة تنظيم القاعدة، واليوم ولدت "داعش" ومجموعات اخرى دعمتها الحكومات الغربية ضد الحكومات الشيوعية.
فيما اتفق الشرقاوي مع " حرب" بأن من طبخ السُم لابد أن يتذوقه، والعالم الغربي قد برر الإرهاب في سوريا وحرموه على أنفسهم، واستبعد أن تدخل هذه التفجيرات ضمن اطار المؤامرة.
واستبعد الشرقاوي أيضاً أن يكون الإسرائيليين مشاركين أو ضالعين في التفجيرات، لأنها تصور نفسها أمام العالم بصورة الحمل الوديع والمهدد في المنطقة.
و استبعد " حرب" أن تدخل هذه التفجيرات في سياق المؤامرة، معتبراً أن الإرهاب أشمل من المؤامرة، وما تقوم به هذه المجموعات المتطرفة تحت الصبغة الإسلامية، لا يتعلق بالإسلام، وهي تقوم على ترهيب الناس إلى معتقد غير صحيح، مضيفاً أن الإسلام لا يتضمن معنى العمليات الإرهابية التي تدعو لقتل المدنيين، وقتل النفس يأتي في سياق المواجهة المباشرة، وليس قتل مدنيين ربما يكونوا غير موافقين على سياسات حكوماتهم .
ويرى " الشرقاوي" بأن "داعش" قد انتهت وفي طريقها نحو الهزيمة، وهذا الارهاب الذي تنفذه، لا يعتبر انتصار ل"داعش"، بل هي عمليات يائسة، تعني الهزيمة لمن صنعهم أيضاً .
اسرائيل هي المستفيد ..
لا يكاد أحد ينفي بأن جل ما يحدث في العالم ستستفيد منه اسرائيل، وربما يمكن اعتماد نظرية" تتبع من المستفيد ، ستصل إلى الجاني، فيما رأى " حرب" أن اسرائيل لن تفعل مثل هذه التفجيرات، ولا تتحالف معها، لكنها كانت مع الولايات المتحدة الأمريكية في دعم المقاتلين الأفغان، مشيراً إلى أنها مستفيدة، لكنها لا تقوم بعمليات تنسيق معها ولا تدعمهم، وبحسب تعبيره فإن الطريق إلى الجنة مملوءً بالنوايا الحسنة، فالنتيجة ستكون لصالحها بدون أن تكون مسئولة عن شيء.
وأشار " قديح" إلى أن اسرائيل تحاول استثمار هذه الاحداث لتحقيق أهداف سياسية خاصة بها، وذلك من خلال محاولة نتنياهو محاكاة نمط " شارون" في أحداث سبتمبر، في حينها نجح بأن يسوق الجهد الإسرائيلي في قمع الانتفاضة الثانية، بأنها تأتي في إطار الإرهاب والجهد الإسرائيلي يأتي في إطار قمع الإرهاب، فيما يحاول نتنياهو وفشل منذ ظهور داعش واستغل ايضاً احداث باريس واليوم بروكسل لتسويق الانتفاضة الشعبية على أنها مرتبطة بأحداث بروكسل وبأنها شبيهة وقريبة من ذلك.
ولفت " الشرقاوي" إلى أن أي عمل إرهابي في أي منطقة فإن إسرائيل تستفيد منه، لأنه يشوه نضال الشعوب التي تتوق إلى الحرية، فيما تريد اسرائيل أن يتصف الجميع بالإرهاب.
ماذا تختلف بروكسل عن تركيا .
وحول التساؤلات بشأن التضامن مع بروكسل والمختلف عن التضامن مع تركيا، فيرى " حرب " أن هناك امرين بما يتعلق بالعمليات الاسلامية في تركيا، جزء منها من" الاكراد" وجزء من "داعش" بما يتعلق بداعش، لافتاً إلى أنه في كثير من الاحيان تحمل المجتمعات الغربية والعربية المسئولية لتركيا في وجود "داعش" من خلال السماح بالتنقل دخولاً وخروجا ً، مضيفاً أن تركيا كانت ممراً هاماً للذين ينظمون" لداعش" وبالتالي فإنها جنت على نفسها، و تركيا دخلت في هذا المستنقع وربما سيطالها العديد من هذه التفجيرات، معتبراً أن مسألة التعاطف تكون مع أناس غير منغمسين في هذا الجانب.
وأضاف "الشرقاوي" بأنه شيء من النفاق أن نتعاطف مع الإرهاب ، ويبالغ الكثيرون في التضامن مع الدول التي تتعرض للارهاب، وفي المقابل نحن الفلسطينيون أول ضحايا الارهاب الصهيوامريكي، و لا يبالغون في التعاطف مع من يتم اعدامهم في الشارع على مرأى الجميع، لا فتاً إلى أنه لا فرق بين من يفجر نفسه في الناس وبين من يقتل الأبرياء في الشارع.
الانتفاضة الشعبية جزء من الارهاب
واعتقد " قديح" بأن نتنياهو لم يستطع ان يسوق هذا الطُعم لأن العالم اصبح قرية صغيرة ، وعلى اطلاع أكثر بمشاكل الشرق الاوسط ، ولابد أن العالم يدرك أن في اسرائيل حكومة ترفض المصالحة التاريخية، لأن من يحكم اسرائيل والقرار السياسي، هم المستوطنون وهم الرافضون للوصول لمصالحة تاريخية وسلام عادل .
وأضاف: نتنياهو بكل مناوراته السياسية يحاول الربط بين الارهاب الغربي والهبة الفلسطينية التي يقوم بها اطفال فلسطين والشباب القُصر وكأنها واحدة والجهد الذي تقوم بها بدون محاكمة أمام اعين العالم في الشوارع في سياق الحرب الدولية على الارهاب.
فيما اعتبر " الشرقاوي " بأن وجود اسرائيل يعني وجود الإرهاب، وإذا انتهت فإن العالم أجمع سيعيش في سلام أبدي.
بهذا يمكن الإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، والذي يعاني من الإرهاب الإسرائيلي، هو من أكثر الشعوب رفضاً للإرهاب، واللوم دائماً يكون على تلك الحكومات التي تشجع ويتواطأ مع الإرهاب من أجل مصالحِ وأهداف سياسية.