إعدام بدم بارد – هذا ما وثقته كاميرا متطوع فلسطيني في «بتسيلم»، أول من أمس، في الخليل. قام شابان فلسطينيان بطعن جندي في تل الرميدة في المدينة، وقد أصيب الجندي اصابة طفيفة، فقام اصدقاؤه باطلاق النار على الشابين وأصابوهما. يبدأ تصوير الفيديو لما حدث فيما بعد: جنود، رجال قوات الانقاذ، ومواطنون اسرائيليون يتجمعون في مكان الحدث. بعضهم يساعد في اخلاء الجندي المصاب، لكن لم يتوجه أحد لعلاج الفلسطينيين اللذين كان أحدهما ملقى على الارض ويعاني من إصابة في رأسه. يحرك الفلسطيني رأسه، حيث ما زال في هذه المرحلة على قيد الحياة. ولكنه لا يشكل أي خطر. ضباط من كتيبة «كفير» وقيادة «يهودا» يتحدثون بالهاتف، ويقوم ضابط آخر باعطاء الأوامر للجنود. مستوطن واحد فقط، من منظمة «انقاذ يوش»، يقترب عدة مرات من المصاب الفلسطيني، لكن ليس من اجل علاجه، إنه يهتم بتصويره (بعد ذلك بوقت قصير، كالعادة، يقوم متطوعو المنظمة أو مواطنون آخرون بنشر الصور في الشبكات الاجتماعية، والهدف من ذلك اظهار مصير «المخرب» المهاجم وليس توثيق الطريقة التي مات بها). فجأة يتم سماع اطلاق نار. ومن خلال مشاهدة الفيلم مرة اخرى يظهر تسلسل الاحداث. جندي يلبس الخوذة كان يتحدث مع الجندي بجانبه وهو يلبس قبعة. يطلق الجندي الثاني النار على رأس «المخرب» الملقى على الارض من مسافة قصيرة جدا. لا يبدو أن أحدا من الموجودين قد تأثر بما حدث أمام ناظريه. سيارة خاصة وسيارة الاسعاف التي نقلت الجندي المصاب تناور من اجل عدم دهس جثة الشاب الفلسطيني. الآن أصبح جثة كما يبدو. تُركز الكاميرا على رأس الفلسطيني، حيث تسيل الدماء منه على الشارع. هذا الفيلم الفظيع سيصب بعض الوقود على نار الانتفاضة المشتعلة. إلا أن المسألة الاساسية هي أن الكاميرا تُظهر لنا بشكل نادر نسبيا توثيقا مفصلا وشاملا للحادثة التي لا تُبقي أي مجال للتحليل المناقض. كل شيء يظهر هناك – اللامبالاة لمصير العدو المصاب، حيث إن قوانين الحرب تلزم بعلاجه حينما يكون لا يشكل أي خطر، اطلاق النار عليه وهو ملقى ولا حول له ولا قوة، خلافا للقيم التي يربي عليها الجيش الاسرائيلي جنوده، وحقيقة أن هذا لا يثير اهتمام من كان موجودا من الاسرائيليين. الى أي حد حادثة الخليل استثنائية؟ شهود عيان فلسطينيون يشتكون منذ بداية الانتفاضة الحالية من امتناع ممنهج للجيش الاسرائيلي وقوات الانقاذ عن تقديم العلاج الطبي لـ»المخربين» المصابين. وحسب اقوالهم فان العلاج يُقدم، هذا اذا قُدم، في مرحلة متأخرة، حيث يكون المهاجم قد مات. هناك ايضا شكاوى كثيرة حول عمليات الاعدام باطلاق النار عن قرب. في بعض الحالات يتم ادعاء ذلك تلقائيا من الطرف الفلسطيني. في كثير من الافلام يظهر أن الجنود ورجال الشرطة لم يكن لهم خيار – وعملوا من اجل ابعاد الخطر الفوري من مسافة صفر. وهناك أحداث اخرى – قتل الشابة الفلسطينية في السوق في القدس على يد شرطي والفتك الذي نفذه المواطنون وضابط مصلحة السجون بمواطن اريتيري اشتُبه خطأ بأنه «مخرب» في العملية في بئر السبع – وكان واضحا هناك استخدام القوة بشكل مفرط. وفي كثير من الحالات الاخرى نحن ببساطة لا نعرف، لا يوجد تصوير، ويبدو أن الجيش لا يسعى الى معرفة ما لا يعرفه. قبل نحو شهر، عندما ذكر رئيس الاركان حادثة المقص، وحذر من اطلاق النار غير الضروري، تعرض لانتقاد شديد من الوزراء واعضاء الكنيست والحاخامات. الآن من الواضح لماذا صرخ آيزنكوت. في ظل الاجواء العامة في البلاد، لا يجب أن تفاجئ هذه الحادثة أحداً. سياسيون وحاخامات يطلبون من الجنود والشرطة، مرة تلو الاخرى، قتل «المخربين» دون التفكير مرتين. في اليشوف اليهودي في الخليل، حيث يوجد تقارب فيزيائي وتقارب في الافكار بين المستوطنين والجنود الذين يحرسونهم، تصبح المشكلة معقدة جدا. هذه المدينة التي يقدم فيها نشطاء «كاخ» البيتزا كجائزة للمقاتلين الذين قتلوا «المخربين». رئيس الاركان، الذي كان في السابق قائد كتيبة في «المناطق»، يعرف سرعة الانزلاق. البهيمية على شكل ما حدث، أول من أمس، في الخليل قد تتحول بسرعة الى نظرية غير مكتوبة للوحدات في الميدان. وهذا هو سبب اعتقال الجندي الذي أطلق النار بشكل فوري ومختلف عما يقوم به الجيش في الوقت الحالي. وقد نشرت تنديدات علنية شديدة اللهجة من قبل رئيس الاركان ووزير الدفاع، موشيه يعلون. ولم يسارع السياسيون الى التعقيب على الامر. مواقع انترنت مشهورة، تطالب الجنود في الايام العادية باطلاق النار أولا وطرح الاسئلة فيما بعد، حافظت، اول من أمس، على صمت استثنائي. يصعب القول إن المسؤولين عن هذه المواقع قد شعروا بالذنب، يمكن أنهم ينتظرون من أين ستهب رياح الجمهور. ولم نر حملة لنشطاء اليمين أو الجنود من اجل الجندي المعتقل. ولكن عضو الكنيست السابق، الذي عاد لتقديم برنامج في القناة 20، لم تكن له اسئلة كثيرة. حيث سارع الى وضع محام للجندي الذي اطلق النار. وكأنه كان على الاقل دونالد ترامب الذي يدافع عن مؤيديه الذين يستخدمون العنف ضد المتظاهرين في الوقفات الانتخابية الخاصة به. محامي الجندي الذي اطلق النار سارع، أول من أمس، وقال إن الجندي خشي من أن يكون «المخرب» المصاب يحمل عبوة على جسمه، يمكن أن يقوم بتشغيلها. ونظراً الى عدم مبالاة الجنود والمواطنين قبل اطلاق النار وبعده، فان هذا الادعاء لا يبدو مقنعا. يبدو أننا لم نصل بعد الى قعر البرميل في هذه القضية. ولكن اليكم نقطة ضوء واحدة: من قام بتصوير الفيلم كان فلسطينياً، وليس أحد الجنود الخونة من «نحطم الصمت».
عن «هآرتس»