أبحرت في قراءة ديوان الشعر للكاتب والمربي عيسى العزة والذي جاء بعنوان (تعلم كيف تنتصر) والذي امتدّ في قصائده الى 182 صفحة من القطع المتوسط، وكنت كمن يركب امواجا متلاطمات وعاليات تدفعني من قصيدة الى اخرى دون ان اغرق.
هذا الديوان، يشكل محطات من حياة صاخبة، آمال وانتكاسات، ثورات وانتفاضات، اسماء رحلت، واسماء ولدت، ليشكل مسيرة كفاح طويلة لازالت نكبة فلسطين جرحها الاكبر، لهذا فإن قصائد الديوان مفتوحة على كل اتجاهات القلب، شظايا في الارض واخرى في السماء، في الجسد والروح، الآن وغدا.
عائدون عائدون، هذا هو صوت المربي الكبير الكاتب والشاعر الاستاذ عيسى العزة(ابو الرائد) عائدون الى بيوتنا وقرانا وارضنا التي هجرنا وطردنا منها بالقوة والمذبحة، عائدون مع هذا الحنين الغنائي المتموج في قصائد الديوان، وهو يبحث عما انقطع منا، ليصير ايقاع ذاكرتنا ثوبا للمكان، وموسيقى صمودنا تحديا لزمن الموت والنسيان.
قد كان لي دار اعيش لعرضي
يا ويح بعضي ليس يعرف بعضي
فمتى اعود وبالتواصل يقضي
حبي لأرضي ... لا أريد سواها
ما قرأته في عيون هذا النسر، الشاعر والمناضل الوطني عيسى العزة، سيرة حياتنا اليومية في ظل الاحتلال، احلامنا الاولى والاخيرة، اعراسنا وجنازاتنا، وفي مسافات يرسمها الحجر والكوفية والبندقية، وفي زفرات اسير وشهيد ونشيد مدرسة.
ابو الرائد اطلق الحياة كاملة للآخرين من بعده، من أجل ان يكملوا المشوار الى الحرية والعودة والاستقلال، اطلقها من ازقة المخيم، ومن خلف قضبان السجون، واطلقها من البحر وهواء القرى المدفونة في الغياب، قشّر جلدة الصخر في أشعار ترى فيها رجرجات زلزال.
فيا نقب البطولة الف مرحى
فشعبك لا يهون ولا يعاب
ويا نقب الرجولة اي مجد
تسطره ليقرأه الصحاب
ويا نقب الاحبة اي لحن
بهذا الليل يعزفه العذاب
ما قرأته في عيون هذا النسر، نشيدا صارخا عاليا للقدس عاصمة فلسطين، وكانت بلاغة الضحية في قصائده تشبه صلاة جماعية تسترجع عذابها الطويل، آية آية، خطوة خطوة، قصائد تحرس الاسوار وتدافع بالابداع والعبادة عن التاريخ ورسائل الانبياء ودماء الشهداء، ترد الحصار، وتتصدى للخرافة الاسرائيلية المسلحة، وتكون قوة الاعجاز والبرهان.
احمل الاقصى بيمناي وفي اليسرى القيامة
إنها قدسي ساحميها ولا اخشى الملامة
والرجال كالاسود
بالهتاف والنشيد
في السفوح في الوهاد
في الربوع في النجاد
صامدون صامدون
ما قرأته في عيون هذا النسر مطالع للحب والانسان، اغاني هادئة مستنفرة، تعلو وتهبط كخفقات القلب، يشتعل الشغف والغزل والموت والحياة في قصائد تكمل المعنى في هذا العشق المختلف، هي امرأة واحدة متعددة يراها الى جانبه في كل التفاصيل، هي فلسطين ، الأم والأب والزوجة والحبيبة، حاضرة دائما الى جواره، يناديها بعد كل غياب، يفتح خزانة اسرارها ليفاجيء الجميع .
أراك يا حبيبي
فأبصر الطريق للسماء
واصهر القيود يا حبيبي
اصبّها قلائد
احيكها... أحيك من خيوطها
رداء...
ما قرأته في عيون هذا النسر، درسا تربويا وثقافيا وكفاحيا، ولأني لا زلت في المعركة وحدي، في السجن وحدي، في الموت وحدي، تعلمت كيف انتصر، وإن كنت وحدي.
فلسطيني وحدك
في الوغى وحدك
لقد باعوك وانصرفوا...
فحطم يا أخي قيدك
وهذا الجرح يندمل
فلا تيأس ... وتتكلّ
تعلّم ... كيف تنتصر
تعلّم... كيف تنتصر ...