قرائن الميدان تفنّد رواية الجندي القاتل في الخليل

20162703213200
حجم الخط

تحاول كل عائلة الدفاع عن ابنها. فمساعي شقيق وأبوي الجندي مطلق النار لتخليصه من وضعه القانوني الصعب واضحة ومفهومة، ولكن من المحظور لعناق الأم ان يعمي ويخفي الحقائق. خط الدفاع للجندي مطلق النار، الذي يعد الاشتباه ضده في هذه اللحظة بالقتل، سيكون المزاج النفسي. الاحساس بالخطر، الليلة بلا نوم التي مرت عليه بسبب الإخطارات في الجبهة، النداءات التي قالت إنه يوجد على جسد "المخرب" عبوة، وحقيقة أخرى تنشأ من البحث في تمديد الاعتقال؛ وهي أنه كان في جسد "المخرب" عدد من الرصاصات، حيث ليس واضحاً إذا كان هو الذي قتله. غير أن المكتشفات في الميدان لا تنتظم مع رواية العائلة. فالحدث يبدأ بعملية الطعن التي تعمل فيها القوة كما يتوقع منها فتحيد "المخرب". وتدعي محافل عسكرية بأنه يتبين من التحقيق الذي اجري في قيادة المنطقة الوسطى أن أحد الضباط الصغار ادعى بأنه اقترب من "المخرب"، وتأكد من أنه لا يوجد عليه حزام ناسف. وفي الشريط يمكن ان نرى أحد الضباط يقف على مسافة نحو متر عن "المخرب"؛ أي انه لا يخشى من حزام ناسف. في شريط "رويترز"، خلافا لشريط "بتسيلم"، نرى جيدا أنه على مدى ست دقائق لا يشارك الجندي في الحدث. وهو يصل الى المكان مع قائد السرية، لا يتحدث مع قادته، يسحب سلاحه – ويطلق النار. شهادة حاسمة وحتى لو كان الجندي اعتقد بانه توجد على جسد "المخرب" عبوة ناسفة، ومن المشكوك فيه أن يكون هذا ما فكر به، فثمة في الجيش الاسرائيلي انظمة واضحة لمعالجة اوضاع كهذه. يجري استدعاء خبير متفجرات، يتم الاختباء وراء حواجز، يتم التحذير بالقوة. فما الذي حصل فجأة، حيث أطلق النار عليه وعرض رفاقه للخطر؟ إن اصابة الرصاصة للعبوة من شأنها أن تشغلها، وهكذا تتسبب بانفجار وباصابة الضباط والجنود المحيطين به. احدى الشهادات المركزية التي سيعنى بها محققو الشرطة العسكرية في الايام القادمة هي شهادة مقاتل يدعي بأنه سمع الجندي مطلق النار يقول بعد إطلاق النار: "يستحق أن يموت، فهو طعن رفاقي". لمصداقية هذه الشهادة أهمية حاسمة. محامي الجندي، المحامي ايلان كاتس، الذي سمع عن الشهادة التي تظهر في التقرير السري الذي لم يعرض بعد على المحكمة، يدعي بأن موكله ينفيها، وفي كل الاحوال فإن من يدعيها يتعين عليه أن يواجه التحقيق المضاد. وفي مثل هذا التحقيق ستثور ايضا اسئلة اخرى، مثلا: لماذا لم يعتقل احد الجندي منذ لحظة سحبه لسلاحه. من ناحية الدفاع، وصل الجندي الى النقطة بعد ليلة بلا نوم بسبب الإخطارات عن "مخرب" وفي اقصى الاحوال شعر بالضغط. وعليه فلن تكون هنا لائحة اتهام بالقتل، ولا حتى بالقتل غير المتعمد، هكذا يتعهد العقيد احتياط كاتس. منظر مقاتل من الجيش الاسرائيلي يقاد بالقيود الى المحكمة العسكرية يثير عدم ارتياح شديد، ويحتمل أنه كان ممكنا اعفاء الجمهور منه. رغم الرغبة الطبيعية في معانقة الجندي ودعمه، من الصعب في هذه الحالة فهم المنطق الكامن في فعلته، والتي ليس فقط تتعارض مع كل ما هو متوقع من الجندي، بل غير صحيحة عملياتيا أيضا. من رب البيت في الجيش؟ من يتابع القضايا الاخيرة في الجيش الاسرائيلي يمكن أن يجد خطا رابطا ومقلقا يتمثل بالتدخل السياسي في محاولة للتأثير على القيم والأوامر، وبقدر كبير الايضاح من هو رب البيت في هذا الجيش. يبدأ هذا في المعركة على مكان شعبة الوعي اليهودي التي اخرجت من الحاخامية العسكرية، وانتقلت الى شعبة القوى البشرية، في ظل استياء الحاخامين؛ يمر بالقرار حول أنظمة اللحية التي كان واضحا مسبقا أنها لم تأت للمس باي جندي متدين، بل تسوية الامر مع اولئك الجنود العلمانيين الذين وجدوا ترتيبا مريحا يسمح لهم بعدم الحلاقة؛ عبر الانتقاد الموجه "لخطاب المقص" لرئيس الاركان في محاولة لتحديد أنظمة جديدة لفتح النار؛ والان في الانتقاد غير المسبوق، والذي يتضمن إعلانات مضادة للجندي رقم 1 والذي شجب، حقاً، الفعلة الخطيرة في الخليل. قد تكون العواطف تشوشت، ولكن في هذه الاثناء يبدو أن رئيس الاركان لم يتشوش بعد. رئيس أركان لا يتلعثم الجيش برئاسة آيزنكوت جدير بكل ثناء على المعالجة السريعة، غير المتلعثمة وغير المتزلفة. فهو محطة إدارة سليمة في بحر من الممالأة للشعب ومؤسسات تبحث عن سبيلها الى قلب الجمهور (هكذا أيضا في موقفه الواضح في صالح إغلاق صوت الجيش، والذي قاده دون تردد في مواجهة صحافيي المحطة، ولكن صده وزير الدفاع، وهكذا أيضا المبادرة لإغلاق المدارس الداخلية العسكرية، رغم معارضة الألوية السابقين من خريجيها). ردود فعل بعض السياسيين، الذين يتحمسون كعادتهم ويسمحون بمهاجمة رئيس الاركان والجيش الاسرائيلي، مثيرة للحفيظة. في هذه الساعة ينبغي للامور أن تقال بالشكل الجلي والواضح، ويجب أن يكون الصوت موحداً. فتعليمات فتح النار لن تتقرر في تعقيبات الانترنت. وفي هذه اللحظة فان الصوت هو صوت الجيش الاسرائيلي. وخيراً يفعل السياسيون أيضا إذا ما أسمعوا صوتا. وينبغي ان نتذكر بان المعايير والقيم كانت تتكون دوما في أعقاب حالات قاسية – من التسلل الى استحكام سجود في جنوب لبنان، حين لم يسعَ مقاتلو المظليين الى الاشتباك، وحتى عدم انقاذ شرطي حرس الحدود مدحت يوسف من قبر يوسف.  

عن "يديعوت"