المصالحة: إما أن تكون الآن أو لن تكون أبداً!

1620147458
حجم الخط

صدقت التقديرات، هذه المرة، رغم التعتيم الإعلامي، على حوارات فتح / حماس الحثيثة والمتواصلة في الدوحة القطرية، التي كانت قالت، قبل أسابيع، إن وفدي الحركتين سيلتقيان مجدداً، أواخر شهر آذار الحالي، رغم أن الجولة السابقة، التي عقدت قبل نحو شهر، لم تفض إلى أي شيء يذكر!

والحقيقة أن السبب لا يعود إلى وجود "خلافات" أو وجود حاجة إلى اتفاقيات أو ما إلى ذلك، فالحركتان استنزفتا الكثير من الوقت والجهد، لدرجة أن بعض المراقبين بات يفسر لقاءات الوفدين بأنها تجري بهدف إشاعة الأمل واحتواء مشاعر الإحباط التي تنتاب المواطنين خاصة المقيمين في قطاع غزة .

لذا فإنهما بدءا خلال جولات الحوار الأخيرة في الدوحة باللجوء إلى عدم التصريح عن شيء، وعدم الإفصاح عن أية نتائج، يترافق ذلك مع ما يمكن تفسيره بأنه _ مع مرور الوقت _ اقتنع الطرفان بإدارة الانقسام وتقاسم "جناحي الوطن" دون أن يزاحم أحدهما الآخر على سلطته في منطقته، حيث إنهما توقفا عن المعركة الإعلامية التي كانت ترافق حالة الانقسام منذ حدثت، إلى ما قبل نحو عامين، حين تم التوصل لإعلان الشاطئ، وتشكيل حكومة توافق شكلية لم تمارس سلطتها ولم تقم بدورها كما يجب، في قطاع غزة.

بعد تصريح الأخ إسماعيل هنية حيث قال: إن حركته على استعداد لتنفيذ المصالحة على أساس وثيقة الأسرى. وبعد إعلان الأخ محمد شتية عضو مركزية فتح، أنه من حق من يعمل أن يقبض راتباً وأن من حق الموظف أن يعود لعمله، وبعد كل الاتفاقيات، وتوافق الجانبين على أن المشكلة في التنفيذ، يمكن القول: إن هنا مربط الفرس وبيت القصيد.

نقصد ضرورة طرح السؤال حول من يمنع التنفيذ، ولماذا ولمصلحة من؟ وحيث إن غزة محكومة فعلياً وعملياً بالقسام، فإن ذلك يفسر معظم المواقف، ليس فقط تلك المتعلقة بحركتي فتح وحماس، بل أيضاً بكل من مصر وقطر وتركيا، فإذا ما زال القسام يحكم غزة، وما زال مرتبطاً بمحور إيران / سورية، أكثر من ارتباطه بأي أحد آخر، فإن ذلك يفسر لِمَ ترغب مصر في أن تضمن الضبط الأمني لحدودها مع غزة، قبل فتح معبر رفح، إن كان في ظل الانقسام أو بعد إنهائه، وهذا يفسر أيضاً "تردد" قطر في تحريك عجلة إعمار غزة، كذلك تعثر الاتفاق بين إسرائيل وتركيا حول ميناء غزة.

يلاحظ أيضاً أن كلاً من فتح وحماس، رغم أن الأولى معلقة بشخص الرئيس محمود عباس، والثانية عالقة مثل العصفور في القفص، ما زالتا تتعلقان بحبال الهواء، ففتح تؤمل النفس بالمبادرة الفرنسية، وتنتظر حتى شهر حزيران، حيث تحاول الجامعة العربية عقد مؤتمر دولي، فيما تتعلق حماس بأهداب مفاوضات مع إسرائيل حول صفقة أسرى جديدة، مع أن الصفقات السابقة كانت مثل "أوسلو" وهماً على وهم، لم تغلق السجون ولم تحرر الأسرى، الذين خضع بعضهم للاعتقال الإسرائيلي مجدداً!

إن فتح في ضائقة حقيقية، فهي عاجزة عن عقد مؤتمرها الحركي السابع، وحتى عن عقد المجلس المركزي، فضلاً عن المجلس الوطني، وهي لم تحصد شيئاً بعد إطلاق الهبة الشعبية منذ ستة أشهر، وكذلك حماس في ضائقة، فبرنامج الإخوان صار بعيداً جداً عن الوصول للحكم في المنطقة العربية، بل إن الجمهوريين الأميركان على أبواب البيت الأبيض، وحماس حائرة بين أضلاع مثلث المحاور الإقليمية، فمحور إيران / سورية يغلق أبوابه في وجهها، ومحور قطر / تركيا لم يحل لها مشاكلها، ومحور مصر / السعودية، يريد منها أن تقدم له السبت، قبل أن يقدم لها الأحد، لذا لا بد من القول: إن حماس وفتح بحالتيهما الحاليتين باتتا مع كل الفصائل عبئاً على الشعب الفلسطيني وقضيته التحررية، وإنهما إن لم تنهيا الانقسام _ الآن _ وهما على هذه الحالة من الضائقة، فإنهما لن تنجحا في إنهائه أبداً، لسببين: الأول، إن أحوال الحركتين ستسوء في قادم الأيام أكثر، والثاني إن الانقسام مع مرور الوقت سيصبح أمراً واقعاً، بل إنه كواقع سيقاوم محاولات إنهائه لاحقاً، فإما أن يتم إنهاء الانقسام _ الآن _ وإلا فلن يتم إنهاؤه لاحقاً ولا في أي وقت!