بقلم: اوري سافير
في العام 1987، بعد عشرين سنة من حرب «الايام الستة»، كتب دافيد غروسمان (بداية في اعلان «عنوان رئيس» وبعد ذلك ككتاب) «الزمن الأصفر». وصف غروسمان احتلال «المناطق» بألوان قاتمة: «منذ عشرين سنة ونحن نعيش في وضع زائف ومدحوض، معلق على الاوهام، على توازن هزيل بين الكراهية والخوف، في صحراء الوجدان والوعي، والزمن المنقضي يتحول رويدا رويدا ليصبح كياناً منفصلاً، ثقيلاً، معلقاً من فوقنا كشريحة ضباب مصفرة، خانقة».
منذئذ وحتى اليوم مرت 29 سنة. في 6 حزيران 2017 سيحل اليوبيل على الحرب ذاتها، التي بدأت كحرب دفاعية وانتهت باحتلال محمل بالمصيبة لهويتنا، قيمنا، وأمننا. احتلال الارض كان محتما في العام 1967، ولكن العشق المسيحاني له، كتحرير ارض الوطن، هو كما وصفه غروسمان «خنق ساحق»، من شأنه أن يقتل الحلم الصهيوني. فالاحتلال هو قبل كل شيء احتلال، وهكذا ينبغي تعريفه. ملايين الفلسطينيين عاشوا ويعيشون كل يوم، كل دقيقة، في خلاف تام مع ارادتهم، تحت السيطرة المطلقة لاسرائيل، وللجيش الاسرائيلي. نحن نسلب حريتهم ونعتدي على كرامتهم. مشروع الاستيطان المتفرع، الذي جلب نصف مليون اسرائيلي اليوم ليعيشوا شرق الخط الاخضر، هو التعبير الاكثر عملية عن الاحتلال، إذ بسببه تسلب ليس فقط حريات الفرد والمواطن الفلسطيني، بل ايضا أراضي الفلسطينيين ومنتوجاتهم الزراعية.
ان غياب المعاملة المتساوية، عنف الاحتلال والمسيحانية الدينية للمستوطنين، جيء بها الى الخط الاخضر. واليوم، بعد خمسين سنة، نشهد موجات من الكراهية، العنصرية، والعنف غير المسبوقة داخل البلاد. هويتنا توجد تحت تهديد جسيم. نحن اليهود نشكل اليوم بين البحر والنهر 52 في المئة، مقابل 48 في المئة عرب نتحكم بهم. اصبحنا دولة ثنائية القومية عمليا مع نظام ابرتهايد في «المناطق». لا ديمقراطية يهودية بعد اليوم، مسافة السماء عن الارض من وثيقة الاستقلال.
فكرة ان الاحتلال والاستيطان يعززان الامن اثبتت نفسها كخطأ مرير. فقد ولدت «ارهابا» لا ينقطع، لا يقدر عليه الجيش الاسرائيلي، الذي هو الجيش الاقوى في المنطقة. في الساحة السياسية، جعلتنا سياستنا الاستعمارية دولة منعزلة، ونعاني خطر نزع الشرعية الدولية، تقاطعها تدريجيا اوروبا، وتحت الانتقاد الشديد من جانب كبيرة اصدقائنا، الولايات المتحدة. تضرب العزلة الدولية والشرخ مع واشنطن ليس العلاقات الاقتصادية مع العالم والسياحة لاسرائيل فقط، بل ايضا صورتنا الردعية في نظر الدول العربية.
لا يسهل الفلسطينيون علينا الوصول معهم الى تسوية. نهجهم تجاهنا معاد في اساسه. ولكن المشكلة الاساس للاحتلال، اكثر مما هي مشكلتهم، هي مشكلتنا. آجلا أم عاجلا سيقيمون دولة مستقلة؛ كل وضع مشابه في التاريخ العالمي انتهى بانتهاء السيطرة الاجنبية. تنبع أزمتنا مما فعله بنا الاحتلال. ونحن نعاني من «مرض عضال» في مجرد هويتنا كديمقراطية يهودية. لهذا المرض علاج: عودة لنكون دولة يهودية – ديمقراطية، تقسيم البلاد في ظروف أمنية معقولة والإصرار على قيم الديمقراطية والتعايش التي في وثيقة الاستقلال. والا فإن خنق «الزمن الاصفر» سيتعاظم فقط.
عن «معاريف»