بعد الإعلان عن إغلاق «الجزيرة أميركا» وتسريح 7500 موظف، أعلنت الشبكة القطرية أمس تسريح 500 موظف آخر، أكثرهم من المقر الرئيسي في الدوحة. عندما تقدم الشركات الكبرى على خطوات من هذا النوع، لا داعي لأن تشرح بأن للقرار سببين: الأول، انخفاض أو انعدام الجدوى، والثاني، تزايد العبء المالي.
عندما أعلنت الشبكة القطرية عن «الجزيرة أميركا»، واشترت يومها للغرض 40 محطة يملكها نائب الرئيس الأسبق آل غور، خطر لي يومها أن المشروع الطموح لن يستمر طويلاً. فالولايات المتحدة بحر من القنوات وقارة من الميديا، ولا مكان فيها لمنافس جديد، حتى بأدوات أميركية. ولئن حققت «الجزيرة» بالإنجليزية قبولاً وسط المنافسة الدولية، فلأن الحصول على حيّز في الساحة الدولية أكثر سهولة من أي تدافع على الساحة الأميركية.
وأما القرار الجديد بالتسريح فيبدو مبنيًا أيضًا على معادلة اقتصادية وليست سياسية. غير أن النتيجة واحدة، وهي أن الدوحة قررت الحد من طموحاتها الإعلانية في إنشاء شبكة عالمية تنافس مؤسسات مثل البي بي سي بعد مرحلة طويلة من الاندفاع في كل الاتجاهات، خصوصًا المعاكس منها.
تعزو التحليلات الأولية القرارات الأخيرة إلى خفض أسعار النفط والغاز. لكن الدوحة لم تنشئ «الجزيرة» كشركة ربحية، وإنما هي كيان معنوي يعزز وجودها السياسي. ولا شك أن «الجزيرة» لعبت أدوارًا سياسية مهمة في صراعات العالم العربي والإسلامي من أفغانستان إلى لبنان. غير أن الدوحة قررت، على ما يبدو، مع الأمير تميم، العودة إلى الإطار الخليجي وخفض أسباب التوتر حيث أمكن. و«الجزيرة» اليوم أكثر هدوءًا بكثير مما كانت عليه قبل خمس سنوات، أو قبل عشر. كذلك، تبدو حكومة قطر أقل تعاطيًا مع تشعبات الأوضاع العربية وتعقيداتها، خصوصًا في أماكن الانهيارات.
وإذا صح التعبير، فإن سياسات قطر تحولت إلى الائتلاف. وقد انعكس هذا التحول بوضوح على اهتمامات «الجزيرة» ونبرتها. يبقى أن الجديد في الموضوع هو أوضاع العاملين والأسر التي يطالها التسريح. وهي أزمة عربية إنسانية ربما مرشحة للمزيد من التأزم.
عن الشرق الاوسط