علَّقَ أبو عبدِ الله الصغير قيثارتَه
على أشجارِنا..
دَمُه المَلكيُّ المُدْرَكُ
ينسابُ على كِتّانِ المحظيّات..
يأتيه الصندلُ من لوشة..
ويكونُ على حدّ المجمرةِ
جمرٌ لحميٌّ آخر.
كان أبو عبدِ الله مثلَ أبيه،
وكان رواقُ النسوةِ يرى لهاثاً خلفَ الستائر..!
وثريّا (إيزابيل دي سوليس) لم تؤمنْ بالله
أو الوطنِ أو الملكِ الزوج؛
لهذا أصبح سعدٌ ونصرٌ مثلَ ليون الأفريقي
باستثناءِ ياقوتِ القُبلات وخبزِ النبي ودمِ النبيذ.
والولاةُ ليسوا مؤرّخين، بل هم التاريخ.
والألواحُ تحفظُ مَنْ يبكي، إذا جنّ الليل،
على الأيتامِ والمصاحف..
وتلعنُ مَنْ يخرجُ على أشرارِ الناس،
ويُصَدّق الأمهقَ،
والشمعَ الباهتَ في فم إيزابيلاّ.
والوشقُ الأبيضُ مَنْ يحكُمُ بالسِّر،
على الثيرانِ المتصارعةِ في حظائرِ بيغا.
وللوشق كلابُ الدرواس،
واحتدامُ ألسنتِها على شفراتِ الخاتم؛
فتعضُّ الواحدةُ على صرخات اللذة!
.. جسدٌ رَخِصٌ يتفتّحُ؛ لدنٌ ووديعٌ
مثلَ جنّة العريف.
وهنا ينفتحُ كلامُ نبيٍّ أُميٍّ عن آخرِ أيامِ الدنيا؛
عُضّوا على جذعِ الشجرة.
والنسوةُ في القصرِ، لا ترى غيرَ ظهورِ الرجال
(المحنيّـين)
وبطنِ الرجلِ الحاكم.
ولا غضاضةَ لديهنّ أن يغشين المَحارم،
ويمسِّدنَ اللسانَ على أعرافِ الخيلِ الرانخة!
- للحصانِ عيونُ الأميرات -
والأميراتُ طواويسٌ صائية،
مُجلجلاتٌ بالذهب، لاحماتُ الشفاه..
لبعضِهنّ شيخوخةُ البراءة،
ومعاتبةُ الخصيان.
وربما يحلمن بالنجمةِ على جبين العنّينْ،
وبألوان حبٍّ قديم،
ليفورَ الدمُ المعدنيُّ، وَيُدَوّمْنَه
فوقَ الأَسرّةِ التي لها ألوانُ القطرانِ والحليب،
ويعجِنَّ الهواءَ الساهدَ بانتظارٍ حزين..
حتى تعودَ النارُ للحريق البارد.
والمرأةُ خارجَ القصرِ نخلةٌ غاوية،
لا تعرف الوشايات،
ولم يضعْها أحدٌ بينَ السيفِ والجدار؛
لهذا، تحملُ قُفّةَ حجارتها ودمَ ابنِها.. وتزغرد!
وتتقنُ رقصاتِ الفجيعةِ والحصاد،
- ولا تعرفُ الكان كان -
وتعرفُ الزغلَ المُرَّ الذي انتهى متسوّلاً
في تلمسان، ولم يضعِ المشمومَ
على أذنيه..
لكنّ النساءَ في ديكِ الريحِ وغُرفِ الحمراء
كالصلاةِ في غيرِ وقتِها،
أو المدائحِ التي تُحفظُ عن ظهرِ قلب..
كالبهارجِ، وتوريقِ الجدران.
والأمراءُ مجازٌ صعبُ البرهان؛
ينفعلون قليلاً مثلَ الدخان،
في مباخرِ الديماس،
ولا يأبهون للعبقِ الرنّان.
إنهم كخناجرِ الزينة..
- والمُلْكُ غيرُ المَملكة -.
* * *
وأبو عبدِ الله، الآنَ، يسمعُ اليسوعَ،
وهو يُردّد على أبوابِ غرناطةَ العشرين؛
(قامَروا بعباءَتي وتَقَاسموا ثيابي)
والحكمةُ البائسة تقول:
لم تنضجِ الرمانةُ - غرينادا - إلاّ لتسقطَ
في فم البئر..!
وهنا نحن نقول:
ما يُطالبُ به أيُّ دمٍ هو ألاّ يُسْفَك.
وحتى هذه الساعة لم يسمعْنا أحد!
وبقيَ مسجدُ قرطبةَ القدسيُّ كنيسةَ مريم،
والمذبحُ بدلَ المحراب.
والرجالُ في سجنِ قلعةِ رباح خلفَ جبالِ لوقة
- رُبما يبكون في الليلِ وهم يضعون ذكرياتِهم في سلالٍ مُعلّقة -
وهنا الزهراءُ والبيرةُ وقرطبةُ وإشبيلية..
وفي مالقة (جنين) المذبحةُ بعدَ الألف؛
آلافٌ قُتلوا والباقي اغتُصِبَ وَبيعَ..
وَأَسَروا القائدَ الذي قال:
ليس ذنبي أنني بقيتُ حيّاً!
لكنه تناسى أنّ القتلى أحياءٌ أيضاً،
والناسَ جميعاً أموات.
والناسُ غصنٌ يشبه جذعَه
منذُ الوعدِ المشؤومِ
حتى يومِ التوقيعِ ومشهدِ المصافحةِ الكمين،
والذي لَم نأخذ منه غيرَ مُلامسةِ يدِ الجنرالِ القاتل،
وترميمِ صورتِنا "الإرهابية".
- بهذه البلطة يفتحُ قلبي ويدخل -
وهنا اللوحةُ هي الستارةُ المغلقة!
وخلفَها الملكُ المخلوعُ،
ورمادُ الموتى،
وثرواتُ البخيل،
والقضاةُ الظالمون،
والخرابُ المُهَندَسُ،
والحاجبُ الغليظ،
والهواتفُ المحمولةُ إلى قشتالة..
وكنـزُنا هو الزمنُ المهدور،
في معازلِ الأبرتهايد..
وشرايين سويتو المسفوحة حتى العار.
لكنّنا كالُلغة لا تُمْتَلَكُ حتى تَمْتَلِكْ.
لنا حشاشةٌ، وقلبُنا مسرفٌ..
ولا نخشى جائحةَ الجراد.
باقون - كما قالوا حقاً - كالوشمِ البدويّ،
في مُدنٍ أضاعوا رؤوسَها،
في زمنِ السلامِ الجنائزي.
لقد وَقّعَ الوالي معاهدتَه مع الهواء،
وكانوا يريدونه هُدْهُداً دونَ ذيل،
..ويقولون له "خاك مات" أو "كِشْ مَلِك"! ولكننا لن نتخبّطَ مثلَ ذئبٍ وحيد،
ولن ندّعيَ الأناقةَ مثلَ مالك الحزين.
وفوق هذا وذاك نعرفُ الوزراءَ الخونةَ،
والدسّاسينَ والتجّار.. ونعرفُ غَدَنا أيضاً.
أمّا أنتَ يا أبا عبدِ الله
فقد أُعْطِيتَ الوردةَ، لكنّك أَضعتَ المزهريّة!