دخل النزاع السوري عامه الخامس بمزيد من التناقضات والتدهور السياسي بين اللاعبين الدوليين الكبار المنخرطين حتى العظم في الملف السوري، وكذلك الحال بالنسبة لأطراف النزاع السوريين الذين يواصلون حربهم العسكرية، دون أي بوصلة تشير إلى تقهقر طرف ووضع حد عسكري لهذا النزاع.
عام 2014 شهد اهتماماً دولياً كبيراً بالحرب على تنظيم «داعش» المتطرف، الذي نشط منذ أكثر من سنة في سورية والعراق، وتوسع في هاتين الدولتين وهناك أعلن قيام كيان خاص به في المناطق التي سيطر عليها وما يزال باقٍ فيها حتى اللحظة.
الولايات المتحدة التي سيّرت تحالفاً دولياً لمحاربة «داعش»، أهملت النزاع السوري تماماً، وفي حين كانت تشدد على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، أخذت مواقفها منحى آخر، مكتفيةً بمسألتين حيويتين بالنسبة لها، وهما التحالف ضد «داعش»، و»تشليح» سورية تماماً من سلاحها الكيماوي.
حتى أن الموقف المرتبك إلى يومنا هذا من الدعم العسكري الأميركي للمعارضة السورية المعتدلة، ما يزال حاضراً على خلفية الخوف من احتمال دعم تلك المعارضة بأسلحة نوعية قد تسيطر عليها «داعش» التي تتمتع بقوة في كل من سورية والعراق.
أميركا حقيقةً استفادت من النزاع الطاحن بين النظام السوري وقوى المعارضة المختلفة فيما بينها، واعتبرت أن هذا النزاع يخدم أجندة إضعاف الدول المؤثرة على الساحتين الإقليمية والعربية، وهو ما حصل مع العراق التي خرجت منذ فترة طويلة من حسبة الدول القوية.
على هذا الأساس، ركنت الإدارة الأميركية إلى عدم أهمية إطلاق أو المشاركة في مسار سياسي ينهي الأزمة السورية، لكنها في ذات الوقت قادرة على التأثير أو إفشال أي مسار سياسي قد تطلقه دول حليفة للنظام السوري، كما هو حال الوساطة الروسية الآن.
قبل أكثر من أسبوع، صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأن بلاده قد تلجأ إلى محاورة الرئيس الأسد، لإيجاد عملية انتقالية تنهي الأزمة السورية، وعلى الفور قوبل هذا التصريح بانتقاد لاذع من عدة دول، مثل فرنسا وبريطانيا وتركيا.
ولم تنتظر واشنطن كثيراً، حتى ترسل وفداً خاصاً إلى أنقرة، من أجل تطمين القيادة التركية بأن كلام كيري فُسّر بطريقة أخرى، وأنه لم يقصد الحوار المباشر مع الأسد، وأن الموقف الأميركي ما يزال يتمسك بضرورة رحيل الرئيس السوري عن المشهد السياسي.
تصريح كيري هذا وإعادة تصحيحه له مضامين كثيرة، أولها أن الولايات المتحدة تريد التأكيد على أنها مهتمة بالملف السوري، وأن موقفها لن يتغير من الرئيس الأسد، وثمة تفسير آخر بأن واشنطن ترغب التخريب على خط وساطة روسيا التي تعكف على إعادة إطلاق الشوط الثاني من اللقاءات التشاورية المقرر عقدها في شهر نيسان المقبل.
وقد يفهم من هذه التصريحات أيضاً، إطلاق بالون اختبار لجس نبض مواقف الدول الحليفة لواشنطن من النزاع السوري، وفي تفسير آخر الرغبة في التأثير غير المباشر على المعارضة السورية المعتدلة لضمان عدم مشاركتها في لقاء موسكو.
وأيضاً ربما تريد واشنطن بيع موقفها هذا إلى الدول التي تقدم الدعم المادي للمعارضة السورية، من حيث أن تتكفل هذه الأخيرة بعملية الدعم، حتى في إطار مساعي البنتاغون تدريب مقاتلي المعارضة السورية وتزويدهم بأنواع مختلفة من الأسلحة التي يحتاجونها لمحاربة «داعش» والنظام السوري.
وقد يشكل الموقف الأميركي هذا مقدمة لإرسال قوات برية محدودة إلى سورية، بغية محاربة «داعش»، إنما في كل الأحوال يتبين من السياسة الأميركية أن أولويتها القصوى هي محاربة التنظيم المتطرف على «نار هادئة»، حتى لو كلفها ذلك سنوات كثيرة.
حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، اشتكى من أن العالم ركز جل اهتمامه على محاربة «داعش»، وتناسى الشعب السوري الذي راح ضحيةً لهذا النزاع الذي تتحمل مسؤوليته أطرافه المحليون، وكذلك الحال الدول الكبرى المنخرطة فيه.
ما يفهم من التصريحات الأميركية أن فلسفة إدارة النزاع السوري ما تزال حاضرة وبقوة عند صانع القرار الأميركي، وأكبر دليل على ذلك أن واشنطن لم تتدخل إيجابياً في الوساطة الروسية لإيجاد حل سياسي بين الفرقاء السوريين، بل أسهمت بشكل غير مباشر في إفراغ اللقاءات التشاورية من مضمونها.
أضف إلى ذلك أن مهمة المبعوث الدولي إلى سورية ستفيان دي مستورا، أصبحت مجرد مهمة لقاءات وعلاقات عامة وصور ملتقطة هنا وهناك، ولم يتمكن الرجل بعد من تحقيق أدنى ما يطمح إليه، وهو تجميد النزاع في مناطق ملتهبة تبدأ بمدينة حلب الواقعة شمال سورية.
إذا كان دي مستورا مدفوعاً بالأمم المتحدة وخلفه دول كثيرة، ولم يتمكن من إنجاز الحد الأدنى لتخفيف النزاع السوري، وهو الذي تيقن بأن حل هذا النزاع بالسياسة لا بالدبابات والطائرات والمدافع، فهذا يعني أن الإرادة الدولية لم تنضج بعد للقول كفى: ينبغي حوار سياسي جدي في سورية.
والحقيقة أن جولات دي مستورا وعدم وصوله إلى نتائج جديدة، إنما تمثل نبضات على أن النزاع السوري سيأخذ وقتاً طويلاً، وأن العام 2015 قد يكون نسخة عن العام الذي سبقه، خصوصاً وأن الملف السوري لم يعد يحظى اليوم بذلك الاهتمام، بعد طغيان ملفات كثيرة من بينها، الملف «الداعشي» والأوكراني واليمني والليبي والعراقي... إلخ.
ما يتأكد من تجربة أربعة أعوام على النزاع السوري، أن طريقه بعيدة عن الحل العسكري، وأن لا طريق آخر غير المسار السياسي، وهذا الأمر تستوعبه أغلب الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، لكنها ترى أن النفَس السوري ما يزال صامداً، ولم تحن الساعة ليتحطم هذا البلد، حتى تباشر العملية السياسية بناءه وتشكيله من جديد.
النتيجة يريدونها دولة بلا أظافر ولا أسنان ولا مقومات سيادية ناضجة، وبالتالي تكون قد خرجت من «حسبة» الدول المتمكنة والفتية، ودخلت في تصريف شؤونها الداخلية لعشرات الأعوام، دون أن تزعج جيرانها أو تقلق إسرائيل التي تمنتها صفر قوة.
عام 2014 شهد اهتماماً دولياً كبيراً بالحرب على تنظيم «داعش» المتطرف، الذي نشط منذ أكثر من سنة في سورية والعراق، وتوسع في هاتين الدولتين وهناك أعلن قيام كيان خاص به في المناطق التي سيطر عليها وما يزال باقٍ فيها حتى اللحظة.
الولايات المتحدة التي سيّرت تحالفاً دولياً لمحاربة «داعش»، أهملت النزاع السوري تماماً، وفي حين كانت تشدد على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، أخذت مواقفها منحى آخر، مكتفيةً بمسألتين حيويتين بالنسبة لها، وهما التحالف ضد «داعش»، و»تشليح» سورية تماماً من سلاحها الكيماوي.
حتى أن الموقف المرتبك إلى يومنا هذا من الدعم العسكري الأميركي للمعارضة السورية المعتدلة، ما يزال حاضراً على خلفية الخوف من احتمال دعم تلك المعارضة بأسلحة نوعية قد تسيطر عليها «داعش» التي تتمتع بقوة في كل من سورية والعراق.
أميركا حقيقةً استفادت من النزاع الطاحن بين النظام السوري وقوى المعارضة المختلفة فيما بينها، واعتبرت أن هذا النزاع يخدم أجندة إضعاف الدول المؤثرة على الساحتين الإقليمية والعربية، وهو ما حصل مع العراق التي خرجت منذ فترة طويلة من حسبة الدول القوية.
على هذا الأساس، ركنت الإدارة الأميركية إلى عدم أهمية إطلاق أو المشاركة في مسار سياسي ينهي الأزمة السورية، لكنها في ذات الوقت قادرة على التأثير أو إفشال أي مسار سياسي قد تطلقه دول حليفة للنظام السوري، كما هو حال الوساطة الروسية الآن.
قبل أكثر من أسبوع، صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأن بلاده قد تلجأ إلى محاورة الرئيس الأسد، لإيجاد عملية انتقالية تنهي الأزمة السورية، وعلى الفور قوبل هذا التصريح بانتقاد لاذع من عدة دول، مثل فرنسا وبريطانيا وتركيا.
ولم تنتظر واشنطن كثيراً، حتى ترسل وفداً خاصاً إلى أنقرة، من أجل تطمين القيادة التركية بأن كلام كيري فُسّر بطريقة أخرى، وأنه لم يقصد الحوار المباشر مع الأسد، وأن الموقف الأميركي ما يزال يتمسك بضرورة رحيل الرئيس السوري عن المشهد السياسي.
تصريح كيري هذا وإعادة تصحيحه له مضامين كثيرة، أولها أن الولايات المتحدة تريد التأكيد على أنها مهتمة بالملف السوري، وأن موقفها لن يتغير من الرئيس الأسد، وثمة تفسير آخر بأن واشنطن ترغب التخريب على خط وساطة روسيا التي تعكف على إعادة إطلاق الشوط الثاني من اللقاءات التشاورية المقرر عقدها في شهر نيسان المقبل.
وقد يفهم من هذه التصريحات أيضاً، إطلاق بالون اختبار لجس نبض مواقف الدول الحليفة لواشنطن من النزاع السوري، وفي تفسير آخر الرغبة في التأثير غير المباشر على المعارضة السورية المعتدلة لضمان عدم مشاركتها في لقاء موسكو.
وأيضاً ربما تريد واشنطن بيع موقفها هذا إلى الدول التي تقدم الدعم المادي للمعارضة السورية، من حيث أن تتكفل هذه الأخيرة بعملية الدعم، حتى في إطار مساعي البنتاغون تدريب مقاتلي المعارضة السورية وتزويدهم بأنواع مختلفة من الأسلحة التي يحتاجونها لمحاربة «داعش» والنظام السوري.
وقد يشكل الموقف الأميركي هذا مقدمة لإرسال قوات برية محدودة إلى سورية، بغية محاربة «داعش»، إنما في كل الأحوال يتبين من السياسة الأميركية أن أولويتها القصوى هي محاربة التنظيم المتطرف على «نار هادئة»، حتى لو كلفها ذلك سنوات كثيرة.
حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، اشتكى من أن العالم ركز جل اهتمامه على محاربة «داعش»، وتناسى الشعب السوري الذي راح ضحيةً لهذا النزاع الذي تتحمل مسؤوليته أطرافه المحليون، وكذلك الحال الدول الكبرى المنخرطة فيه.
ما يفهم من التصريحات الأميركية أن فلسفة إدارة النزاع السوري ما تزال حاضرة وبقوة عند صانع القرار الأميركي، وأكبر دليل على ذلك أن واشنطن لم تتدخل إيجابياً في الوساطة الروسية لإيجاد حل سياسي بين الفرقاء السوريين، بل أسهمت بشكل غير مباشر في إفراغ اللقاءات التشاورية من مضمونها.
أضف إلى ذلك أن مهمة المبعوث الدولي إلى سورية ستفيان دي مستورا، أصبحت مجرد مهمة لقاءات وعلاقات عامة وصور ملتقطة هنا وهناك، ولم يتمكن الرجل بعد من تحقيق أدنى ما يطمح إليه، وهو تجميد النزاع في مناطق ملتهبة تبدأ بمدينة حلب الواقعة شمال سورية.
إذا كان دي مستورا مدفوعاً بالأمم المتحدة وخلفه دول كثيرة، ولم يتمكن من إنجاز الحد الأدنى لتخفيف النزاع السوري، وهو الذي تيقن بأن حل هذا النزاع بالسياسة لا بالدبابات والطائرات والمدافع، فهذا يعني أن الإرادة الدولية لم تنضج بعد للقول كفى: ينبغي حوار سياسي جدي في سورية.
والحقيقة أن جولات دي مستورا وعدم وصوله إلى نتائج جديدة، إنما تمثل نبضات على أن النزاع السوري سيأخذ وقتاً طويلاً، وأن العام 2015 قد يكون نسخة عن العام الذي سبقه، خصوصاً وأن الملف السوري لم يعد يحظى اليوم بذلك الاهتمام، بعد طغيان ملفات كثيرة من بينها، الملف «الداعشي» والأوكراني واليمني والليبي والعراقي... إلخ.
ما يتأكد من تجربة أربعة أعوام على النزاع السوري، أن طريقه بعيدة عن الحل العسكري، وأن لا طريق آخر غير المسار السياسي، وهذا الأمر تستوعبه أغلب الدول بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، لكنها ترى أن النفَس السوري ما يزال صامداً، ولم تحن الساعة ليتحطم هذا البلد، حتى تباشر العملية السياسية بناءه وتشكيله من جديد.
النتيجة يريدونها دولة بلا أظافر ولا أسنان ولا مقومات سيادية ناضجة، وبالتالي تكون قد خرجت من «حسبة» الدول المتمكنة والفتية، ودخلت في تصريف شؤونها الداخلية لعشرات الأعوام، دون أن تزعج جيرانها أو تقلق إسرائيل التي تمنتها صفر قوة.