خمسون مواطناً من يهود اليمن رفضوا الاستجابة لتحريض الوكالة اليهودية لمخطط ترحيلهم إلى إسرائيل، وفضلوا البقاء في وطنهم اليمني، باعتبارهم مواطنين يمنيين مثلهم مثل باقي أهل اليمن، يواجهون المتاعب وعذابات الحرب البينية المشتعلة بين طرفي الصراع المقيت كأدوات لصراعات إقليمية لا ذنب لهم فيها، ولا انحياز لهم لمن يدعي أنه داعم للسنة، ولمن يدعي أنه مساند للشيعة، فالصراع سياسي بامتياز فُرض على أهل اليمن ويدفعون ثمنه بلا أي مكسب يمكن أن يتحقق سواء انتصر هذا الفريق أو ذاك، والحصيلة هي دمار اليمن وخرابه وترك فجوة من الحقد والكره بين معسكري أبنائه لسنوات طويلة، دون أن يحقق أحدهما أهدافه السياسية المطلقة. فشلت الوكالة اليهودية، في دفع خمسين مواطناً يهودياً إلى ترك بلدهم اليمني والرحيل عنه، بينما نجحت في إقناع سبعة عشر يمنياً يدينون باليهودية، ونقلهم بشكل سري إلى إسرائيل تحت غطاء الحرب اليمنية المدمرة لكل ما هو حي على أرض اليمن، دون تمييز بين من هو مسلم أو يهودي، سني أو شيعي، ومع ذلك، ورغم الخراب والموت الذي يسود اليمن بسبب الحرب، مع ذلك أصر هؤلاء من مواطني اليمن على مواصلة الإخلاص لوطنهم والانحياز لخيار مواطنتهم مهما كان الثمن، إذ لا يعتقد هؤلاء أن هناك بلداً آخر أو وطناً بديلاً يُوفر لهم الملاذ والاستقرار والطمأنينة، غير بلدهم اليمن الذي ولدوا فيه وعاشوا على أرضه ومع أهله المواطنة والشراكة، وما زالوا. الخمسون مواطناً يهودياً من أهل اليمن من يحترم خيارهم ؟ ومن يُقدر عدم رغبتهم في الرحيل عن بلدهم ؟ ومن يقف أمام صلابة رفضهم للرحيل ؟ ومن ينظر لهم بعين المسؤولية لأنهم رفضوا الاستجابة لمشروع الصهيونية وأداتها الوكالة اليهودية في تجنيدهم وتنظيم نقلهم من بلادهم ؟ ومن يضمن لهم الأمن على حياتهم ؟ من يقف أمام هذا الحدث، مهما بدا بسيطاً ومتواضعاً، في غمرة حروب العرب البينية، وفي ظل مأزق التناحر الإسلامي الإسلامي، والذي يأخذ في طريقه إشاعة الموت والهلاك لكل ما هو آخر سواء كان مسيحياً أو يهودياً، كردياً أو أشورياً، أو أي مكون آخر غير العرب ومن غير المسلمين !! . هؤلاء من أهل اليمن مثلهم مثل يهود البحرين وتونس والمغرب هم جزء من شعبنا العربي، وهم من قوميتنا العربية، هم جزء منا ونحن امتداد لهم، لا فضل لأحد منا على الآخر، فكلنا موحدون، لنا إله واحد نعبده، وهو إله سيدنا موسى، كما هو إله سيدنا عيسى، وهو نفسه إله سيدنا محمد إذا كنا مؤمنين حقاً، إله اليهود والمسيحيين والمسلمين، هو إله واحد لا غيره. لقد نجحت الصهيونية في تجنيد بعض اليهود، ولكنها فشلت في تجنيد كل اليهود، وترحيلهم إلى فلسطين، على خلفية الجرائم والمذابح التي ارتكبها النازيون الألمان والفاشيون في إيطاليا بحق اليهود، واستغلت ذلك ووظفته لجعل وجهة اليهود نحو فلسطين وجعلها وطناً قومياً لليهود، هرباً من أوروبا، ومع ذلك لم يرحلوا جميعاً إلى فلسطين لأن جزءاً كبيراً منهم رحل إلى أميركا، ولذلك علينا أن نتحلى بالشجاعة والإقرار بعدم تحميل كل اليهود مسؤولية استعمار فلسطين وتشريد نصف شعبنا من أرض وطنه، أسوة بعدم تحميل كل المسلمين جرائم تنظيمي القاعدة وداعش سواء بحق المسلمين أو بحق غيرهم. فالصراع على أرض فلسطين، هو صراع سياسي بين المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وبين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وعنوانه مفردتان هما الأرض والبشر، ولم تستطع الصهيونية طرد كل الشعب العربي الفلسطيني عن كامل وطنه، وهي استطاعت إقناع وتجنيد وجلب جزء من اليهود، ولكنها أخفقت في كسب كل اليهود لمشروعها، فيهود أميركا أكبر عدداً من يهود فلسطين، ولذلك تبرز أهمية رفض ما تبقى من يهود اليمن في الرحيل، وهذا ما يجب الاهتمام به وإعلاء شأنه والتركيز عليه رفضاً للمشروع الصهيوني ودعماً للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وعدالة نضاله ومشروعية حقوقه وأهدافه وتطلعاته.