قتل. اشتباه بالقتل. تحقيق بالقتل. تلفيق.. ثم لفلفة. هكذا جرت الأمور قبل عامين أمام ثكنة وسجن عوفر ـ بيتونيا، ثم جرت أمام حاجز معزّز في تل الرميدة ـ الخليل. قبل عامين، في السنوية الـ66 للنكبة 15 أيار 2014 سقط الفتيان نديم نوّارة (17 سنة) ومحمد سلامة ـ أبو ظاهر (17 سنة) برصاص القنص عن بعد عشرات الأمتار. الكاميرات وثّقت جريمة موصوفة. قبل أيام، وفي 24 آذار 2016 سقط الشابان عبد الفتاح الشريف (21 سنة) ورمزي عزيز القصراوي، ووثّق مصور فلسطيني بكاميرا بسيطة جريمة قتل موصوفة لصالح "بتسيلم". فتيان ثم شابان، وبين الجريمتين مرّ عامان، وفي جريمة القتل الموصوفة في منطقة/ ثكنة عوفر، كانت مظاهرة احتجاج سلمية، ورشق بالحجارة، ولم تكن محاولة طعن أو دهس، أو دفاع الجنود عن النفس. كيف تصادف "إغلاق" ملف التحقيق في جريمة يوم النكبة أمام ثكنة/ سجن عوفر، مع "فتح" ملف التحقيق في رصاصة إجهاز والتحقق من القتل، أطلقها، عن بعد أمتار قليلة، الجندي اليؤور عزرياه على الشاب الشريف؟ الجندي القاتل في جريمة عوفر المزدوجة، بن ـ ديري حاول تمويه القتل باستبدال طلقة القنص النارية بالرصاص بطلقة مطاطية، لكن الطلقة القاتلة المعدنية استخرجت من جثة الفتى، وأكد خبراء المقذوفية أنها أطلقت من بندقية ام ـ 16 للجندي المتهم بالقتل العمد. صيام نوّارة، والد الفتى الشهيد، قال إن الملف لم يُغلق بعد، خلاف ما أعلنت النيابة العسكرية الإسرائيلية. أمام ثكنة وسجن عوفر، كانت تجري مظاهرات احتجاج سلمية من الطلاب، ورشق حجارة، ولم يصب أي جندي حتى بخدش، وأطلق الجندي القاتل رصاصة الموت بعد هدوء الاشتباك وتفرق وانصراف الطلاب! أمام حاجز تل الرميدة المعزّز، أصيب جندي بجراح طفيفة بعد حادث طعن. شاب لقي مصرعه على الفور، وآخر أصيب بجراح ثخينة.. وعندما كان يختلج قبل زفرة الموت، عاجله جندي برصاصة في رأسه! شريط توثيق الجريمة يُظهر وقائع القتل العمد، لكن النيابة العامة العسكرية أبلغت المحكمة العسكرية أن التحقيق مع الجندي سيكون حسب جنحة القتل غير العمد؟! الجيش يحقق مع الجيش، أو الادعاء العسكري يواجه الدفاع العسكري. قائد الجيش ووزير الدفاع من جهة، والحكومة من جهة أخرى. ورئيس الحكومة "تلعثم" في إدانة جريمة القتل ودعم وزير الحربية ورئيس الأركان، ثم "تلعثم" في تبرير سلوك الجندي القاتل. الرأي العام الإسرائيلي انقسم بين غالبية كبيرة تبرر القتل وتبرئ الجندي القاتل، وبين أقلية ترى أن هذه جريمة قتل عن عمد. كتّاب الرأي في الصحف الإسرائيلية انقسموا، بدورهم، بين غالبية تدين جريمة قتل موصوفة عن عمد، وبين أقلية ترى أن للجندي القاتل ظروفه المخففة! توارى الحديث المكرور والادعاء القديم المبتذل عن طهارة السلاح اليهودي، إلى الحديث عن "تهويد" ما كان "جيش الشعب" وعن بوادر خلاف بين قيادة جيش الدولة وجيش المستوطنين. ما الذي يعنينا من أمر العدالة الإسرائيلية المدنية والعسكرية؟ كانت إسرائيل كدولة تتحدث عن الخطر العربي، ثم صارت تتحدث عن الخطر الإسلامي.. أمّا الآن؟ فإن صراع الفلسطينيين مع إسرائيل من أجل حقوقهم ومستقبلهم يضع صورتها أمام نفسها في المرآة، وصورتها أمام العالم، أيضاً. صورة تزداد بشاعة. لا يوجد احتلال أخلاقي أو باسم "كوشان إلهي" ولا يوجد جيش احتلال أخلاقي ولا طهارة لسلاح جيش الاحتلال. وبالتالي: لا عدالة في تحويل القتل العمد إلى اشتباه بالقتل، ثم تحقيق فيه، ثم تلفيق ولفلفة وعقوبات مسلكية ضد الجنود، ابتداءً من عقوبة "قرش شدمي" على جريمة مجزرة كفر قاسم، إلى عقوبة استيطان قلب مدينة الخليل H2 بـ400 مستوطن وسط 200 ألف مواطن، وحماية "الحاضرة اليهودية" في قلب المدينة، بعد جريمة القتل الجماعية في الحرم الإبراهيمي التي اقترفها باروخ غولدشتاين. تاريخ ووقائع في عمود 31 آذار المعنون "كأن هاجر من أسطورة الأرض والشعب" حصل تقديم وتأخير في وقائع تاريخية. ـ سقطت حيفا في 22 نيسان 1948. ـ أعلن بن ـ غوريون إقامة دولة إسرائيل ليلة 14ـ15 أيار1948. ـ سقطت طيرة ـ حيفا حرباً في 17 تموز1948. ـ كسبت عائلة هاجر الأبطح استعادة 20 دونماً من أراضيها في طيرة ـ حيفا، وصارت العائلة العربية الوحيدة التي عادت وبقيت في القرية التي كانت عربية وصارت يهودية. تشجير حملات تشجير الأرض المهدّدة بالمصادرة تقول إنها تعمل على زراعة المليون الثالث من الأشجار، وخاصة شتلات الزيتون. سألت: هل بعد زراعة الشتلات يقومون بسقايتها شهوراً وسنوات؟ خاصة أن أمّي الفلاحة من طيرة ـ حيفا كانت تقول: لا تزرع إن كنتَ لا تسقي ما تزرع؟ المستوطنون يسرقون الشتلات أو يقلعونها، وأسنان الماعز تأتي على بعضها، فكم يتبقّى وينمو من المليون الأول والثاني والثالث؟ كتب صديقي على "الفيسبوك" ماذا قال له والده الفلاح: "خذ حمار جارك واملأ تنكتي ماء واسقِ شتلات الزيتون على التلّة!".