سورية.. هل تكون الخامسة سنة الفرج

Sadeq-Alshafy
حجم الخط
مع بداية السنة الخامسة في عمر الأزمة السورية يلح السؤال الأهم، هل ستشهد هذه السنة خاتمةَ الأحزان ليبدأ بعدها الفرج.
لا أحد يملك الجواب على هذا السؤال، لا بدرجة اليقين ولا بدرجة الاحتمال عالي الإمكانية.
الاحتمال الأكثر حضوراً حتى الآن هو ان تبقى الأزمة قائمة ومستمرة وان بوتائر متفاوتة وأشكال مختلفة حتى يتم انهاك القوى المنخرطة فيها بالذات النظام القائم وقواته بانتظار عملية تجميع وتدريب قوات خاصة من المعارضة المعتدلة، كما يسمونها، لكي تنجز المهمة، مع أن التجميع والتدريب لم يبدأ بعد، وأن المهمة غير ثابتة بل يجري عليها تعديلات أساسية حسب الظروف وتوازنات القوى المتغيرة.
وربما تبقى الأزمة قائمة بانتظار اتفاق صفقة يشمل سورية كما يشمل كل المنطقة، مع ان هذا الاتفاق لا يلوح بالأفق، ولو بملامحه الرئيسية.
الأكيد بالمشهد السوري هو تعاظم معاناة الناس قتلا واضطهادا وضيق عيش، وفوق ذلك هجرة، وهم من فتحوا بيوتهم ومؤسساتهم لكل موجة لجوء عربي ولم يطلبوا، عونا ولا إغاثة من هيئات دولية او إقليمية ولا من متبرعين. والأكيد أيضا، تعاظم معاناة الوطن تمزيقاً وإرهاباً وتهديداً لنسيجه الاجتماعي ولطابعه ولدوره بالمنطقة، وهو الوطن الذي تفاخر عن حق بوحدته وامنه ومدنيته وتماسك نسيج مجتمعه على تنوعه، وفرض لنفسه دوراً بالمنطقة لا يمكن القفز فوقه.
لا يمكن مع ذلك تجاهل تراكم متغيرات على المشهد السوري حتى أصبحت حقائق ملموسة لا يمكن تجاهلها ولا تجاوزها في اي بحث لحل الأزمة في سورية. يظل صمود سورية شعباً ووطناً وحكماً هو العنوان الأساس والجامع لكل هذه المتغيرات، إن بتسبيبها وان بالربط فيما بينها.
 اول هذه المتغيرات، هو التغير الملحوظ في المزاج الشعبي السوري بالأساس ثم العربي، وهو تغير لعب تيقظ الوطنية السورية الدور الأهم في تشكله، وعيا منها للأخطار التي تستهدف سورية الوطن والكيان والدولة والمؤسسات. فلم يعد الأمر قضية ديموقراطية وحريات وحقوق اجتماعية بل أصبح إلغاء لكل وجود الدولة والمجتمع ومؤسساتهما، لصالح سورية جديدة مختلفة تماما، لم تكن أبداً في وارد وذهن من ايد في البداية الحركات الاحتجاجية السلمية.
من اهم تعبيرات هذا التغير تبدل او تعدل موقف شرائح واسعة ممن كانت مع المعارضة السلمية ضد النظام الحاكم، لصالح التمسك او القبول ببقائه واستمراره بكل ما له وما عليه بوصفه رمز الدولة وحامي تماسكها واستمرارها.
هذا التغير ساعد، وإن بدرجات متفاوتة، في حدوث تغير، وبنفس الاتجاه، في المزاج الشعبي العربي أولاً ثم الإقليمي. كما ساعد، مقترناً بالواقعية السياسية، في تغير مواقف عدد من القوى العالمية وطريقة مقاربتها للوضع في سورية.
وثاني هذه المتغيرات، وهو يرتبط بالمتغير الأول ارتباطا وثيقا، فهو قدرة الحكم في سورية وجماهيره المؤيدة ومؤسساته - العسكرية منها بالذات - وتحالفاته الإقليمية والدولية على الاستمرار والتماسك والصمود. وهذا ما مكّن الحكم من الانتقال الى المبادأة والهجوم وتحقيق تقدم ملموس على الأرض في اكثر من منطقة وإحداث تغيير متواصل في ميزان القوى لصالحه.
وثالث المتغيرات، هو تعمق الفرز ووضوحه الشديد في قوى المعارضة وتشكيلاتها المعروفة، مترافقا مع تغير واضح في توازن القوى فيما بينها، لصالح قوى التشدد الديني، وتركز القوة فيما بينها في تنظيمين ( داعش والنصرة) وتراجع شديد في قوة وفعل التشكيلات الأُخرى، بالذات الجيش الحر، إضافة الى حروب النفوذ والتصفيات فيما بينها.
لم يتجل ذلك بالمستوى العسكري فقط، بل تجلى بالمستوى السياسي ايضا. فقد تراجع الفعل والتأثير السياسي للائتلاف المعارض، لصالح تعامل القوى الخارجية مع الملف السوري بشكل مباشر، وانكفاء دور الائتلاف واكتفائه بدور التابع والصدى لذلك التعامل المباشر والمردد لمقولات تلك القوى والمنفذ المنضبط لسياساتها ومواقفها وبرامجها.
 ورابع المتغيرات، هو التغير الذي يحصل باضطراد وتصاعد في مواقف ومعالجات الدول الأكثر تأثيرا على المستوى الدولي، كنتيجة للمتغيرات السابقة.
 العنوان الأساسي لهذا المتغير، الإقرار بوجوب التعامل مع النظام السوري القائم في البحث عن أي حل للوضع في سورية، بل وضرورة التعاون معه للنجاح في مجابهة قوى الإرهاب، خصوصا وان بشائر هذا الإرهاب بدأت بدق أبوابها بل وضربت في عمق بعضها، وذلك بعد ان ظل التخلص من النظام القائم واستبداله، احد ثوابت سياسات هذه الدول.
هذا المتغير يفرض نفسه بتسارع ملحوظ على الرغم من تمنع بعض القوى غير الأساسية والإقليمية منها بالذات، وعن تصريحات تبدو متناقضة في بعض الحالات تعبر بالأساس عن اختلاف بتسارع السير نحو هذا المتغير.
وأما خامس المتغيرات، فهو تأكد واتضاح حقيقة ان النظام القائم، هو من يخوض معركته تحت راية الوطنية السورية بارتباط مع القومية العربية، تشاركه في ذلك قوى صغيرة أُخرى بينما تخوض معظم قوى المعارضة معركتها تحت اكثر من راية ليس بينها الوطنية السورية، ناهيك عن القومية العربية.
 والراية الطاغية من بين رايات المعارضة هي راية الدين كما يفهمونه ويقدمونه ويمارسونه: متشدداً دموياً عابراً للجنسيات والوطنيات رافضا لأي آخر حتى لو كان له نفس الانتماء.
حتى النصر المحدود الذي تحقق في معركة كوباني لم تتم نسبته الى الوطنية السورية بل الى الوطنية الكردية والى الدعم الدولي، مع أن هناك حديثا لا يخلو من المصداقية عن الدعم المباشر واللوجستي والسياسي الذي قدمته الدولة السورية وقواتها في هذه المعركة.
وفي النهاية فلا يمكن لأي حل يحفظ سورية وطناً وسيادة ومجتمعاً وتعايشاً وأمناً ومؤسسات ودوراً وتاريخاً، أن يتحقق إلا تحت راية الوطنية السورية.