التصريح المفاجئ الذي أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد قبل الماضي، وقال فيه إنه تلقى إشارات إيجابية بشأن الأسرى الذين تحتجزهم كتائب الشهيد عز الدين القسام، لم يكن عبثياً، وعلينا أن ننظر إلى الدوافع والأهداف. هذا الملف استحوذ على اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية، والفلسطينية، وبعض العربية والدولية، خصوصاً بعد أن أدلى أبو عبيدة الناطق باسم القسام بتصريح يكذب ما ورد على لسان نتنياهو. أراد أبو عبيدة أن يقدم معلومة لا جديد فيها حين ظهرت خلفه أربع صور للجنود الإسرائيليين، دون أي إشارة أو شرح لحالة كل منهم. المعلومة التي ظهرت خلف أبو عبيدة معروفة لدى الإسرائيليين، ذلك أن اثنين منهم دخلا بأرجلهم عبر الحدود إلى قطاع غزة، والآخرين ربما كانا جثتين أو حيين سقطا بيد القسام خلال الحرب الأخيرة العام 2014. وبغض النظر عن ردود الفعل السياسية والإعلامية والاجتماعية التي تحركت في إسرائيل دفاعاً عما قاله نتنياهو أم نقداً، أم احتجاجاً، فإن القليل من ردود الفعل ذهب لتقديم تفسير واضح للأهداف والدوافع التي أرادها نتنياهو. أراد نتنياهو أن يفتح هذا الملف، بعد تجاهل استمر طويلاً وربما بعد فشل بعض المحاولات، التي انتهت بصمت من قبل أطراف أخرى لم تكن مصر من بينها، وربما فشلت لأنها تجاوزت، ديكتاتورية الجغرافيا السياسية. في الواقع فإن العديد من المحاولات، والمبادرات التي تدخلت فيها أطراف أخرى غير مصر لمعالجة ملفات فلسطين، ما كان لها أن تنجح في تحريك أي من هذه الملفات طالما كانت العلاقة بين مصر وحركة حماس، على النحو العدائي والمتوتر الذي كانت عليه قبل زيارة وفد الحركة للقاهرة خلال الشهر الماضي. تصريح نتنياهو والرد عليه من قبل القسام، يشير إلى قناعة تولدت لدى الطرفين، بأن الأوضاع باتت تسمح بتحريك هذا الملف، بعد أن توقف قطار المحاولات والمبادرات عند القاهرة التي تحوز على أوراق، تمكنها من تحقيق النجاح، وهو أمر كان من الصعب تحقيقه في ظل توتر العلاقات المصرية مع حركة حماس. التصريح والرد عليه يكشفان عن رغبة الطرفين في معالجة هذا الملف، كل لأسبابه، ولكن السبب الرئيسي هو أن الطرفين يحتاجان لتحقيق إنجاز. إسرائيل تعاني من فشل كل محاولاتها لتهدئة الانتفاضة التي أصبحت خارج السيطرة، ولا يفيد لتهدئتها كل الوسائل التي استخدمتها ولا أي تفاهمات مع أطراف فلسطينية. وتعاني إسرائيل من عزلة دولية متزايدة، ومن حرج شديد إزاء موقفها من المبادرة الفرنسية التي تحظى بتأييد واسع عربي ودولي. إذاً، الخيارات أمام نتنياهو مغلقة على سياسة متطرفة إزاء كل ما يتعلق بالفلسطينيين، فهو إما أن يذهب إلى عدوان كبير ضد قطاع غزة، لا ذرائع أو مبررات، أو ظروف تسمح بالمبادرة إليه، ولا يحتمل في الوقت ذاته استمرار الانتفاضة ومفاعيلها. فتح ملف تبادل الأسرى هو خيار بالنسبة لنتنياهو، إذ سيبدو أمام مجتمعه على أنه إنجاز، وأمام المجتمع الدولي على أنه إشارة لمرونة سياسية إسرائيلية، أما بالنسبة للأثر على الصعيد الفلسطيني، فإنه سيعزز من قوة «حماس» في المعادلة الداخلية الفلسطينية، ربما يساعد في تغيير المناخ الاجتماعي في الضفة الغربية. من جانب آخر، تحتاج حركة حماس لتحقيق إنجاز متعدد الأهداف، فهو إنجاز لصالحها ولصالح برنامج المقاومة في مقابل فشل خيار المفاوضات السياسية، وهو إنجاز يعزز قدرتها في الحوار الجاري لتحقيق المصالحة، التي تطبخ على نار ساخنة. وترغب حركة حماس، أيضاً، في إضفاء مصداقية عملية تحتاجها لإقناع الطرف المصري الذي تسعى إليه الحركة، بأنها جادة فيما يتعلق بقناعتها في اعتماد البوابة المصرية، كأولوية في بحثها عن حلول لكل ما يتعلق بالملفات الفلسطينية، بما في ذلك ملف معبر رفح، والتبادل التجاري والاقتصادي بين مصر وقطاع غزة. ترغب حركة حماس، أيضاً، في تأكيد مصداقيتها ومسؤوليتها تجاه الأسرى الذين وعدتهم كل الوقت بأن يحصلوا على حريتهم، وعلى أن الطريق مفتوح على المزيد من صفقات التبادل من خلال الاعتماد على أسلوب خطف جنود إسرائيليين، إذ لم تصلح أساليب أخرى في تحرير الأسرى خصوصاً ذوي الأحكام العالية. وتسجل «حماس» درساً متكرراً، بأنها قادرة على إرغام الحكومة الإسرائيلية على تجاوز القرارات والقوانين التي تحظر عليها الإفراج عن أسرى «ملطخة أيديهم بالدماء» وفق التعبير الإسرائيلي. ملف تبادل الأسرى هو عنوان لمعركة تكتيكية ذات أبعاد متعددة، تحرص كتائب القسام، أن تحقق مكسباً معنوياً، في البعد الاستخباري حيث تفشل الوسائل الاستخبارية الإسرائيلية مرة أخرى في الوصول إلى جنودها أو الحصول على أية معلومات مهما كانت بسيطة عن أوضاعهم. على كل حال، إذا كان الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، لديهما من الدوافع ما يفرض الحاجة لفتح هذا الملف، فإن مصر هي الأخرى بحاجة إلى تحقيق إنجاز لتأكيد دورها إزاء الملفات الفلسطينية والفلسطينية الإسرائيلية. المصادر الصحافية أشارت إلى أن هذا الملف مطروح بقوة من قبل جهاز المخابرات المصرية، وأن تحريك الملف قد بدأ من الجانب المصري ما يعني أن ما جرى تداوله حتى الآن، هو مجرد بداية قد لا تطول كثيراً، حتى تصل إلى صفقة تبادل تحتاجها كل الأطراف لأن تكون سريعة وفي توقيت يناسب كل الأطراف.