«حماس» اليوم والغد غيرها «حماس» الأمس

77269005-d2f5-4922-9b61-f41cdc8d908a
حجم الخط

بالرغم من ضغوط الضرورة الموضوعية، التي كانت تفرض ولا تزال تفرض الحاجة لثورة داخلية على الذات تشمل كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني وفي مقدمتها حركة فتح بما انها رأس القاطرة وصاحبة العدد الأكبر من عرباتها، بالرغم من ذلك إلاّ أن تغييراً لم يقع. يضرب التكلس والجمود في كل مفردات العمل الفصائلي الكفاحي، وبعضها تضرب فيه الخلافات، والتمزق، ما يؤدي فعلياً إلى تراجع وزن كل هذه الفصائل، وكل فصيل، في مختلف مجالات الحياة الفلسطينية الثقافية، والسياسية والاجتماعية والكفاحية. ثمة مقولة صائبة تؤكدها الأحداث التاريخية وهي أن ما كان صحيحاً ومناسباً بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم. تغيرت جذرياً طبيعة العلاقة مع الاحتلال عما كانت عليه خلال مرحلة ما قبل أوسلو، وتغيرت أيضاً موازين القوى الداخلية، وعناصر اتخاذ القرار. حتى عشية أوسلو، كانت حركة فتح، هي حركة الشعب الفلسطيني وروح برنامجه الوطني وتطلعاته، وكانت الأوسع جماهيرية على الاطلاق بين فصائل العمل الوطني، وكان بوسعها أن تمارس الاحتكار السياسي والاجتماعي واحتكار القرار، لكن حالها اليوم لا علاقة له البتة بحالها بالأمس، وكل ذلك لأنها لم تقف لمراجعة تجربتها بعمق وجدية ولاجراء التغييرات الضرورية. تمنح الشرعية سواء في منظمة التحرير الفلسطينية أو في السلطة الوطنية تمنح هذه الشرعية حركة فتح القدرة على إدارة السياسة الفلسطينية العامة بحدود معقولة، لكن هذا الوضع قابل بل مرشح للتغيير، في حال جرت المصالحة، واستعادت المؤسسة الوطنية وحدتها، وجرت انتخابات حقيقية تؤسس لشراكة حقيقية تعكس موازنات القوى. رغم كل ما جرى خلال السنوات العشر الماضية، والخطيئة التي ارتكبتها حركة حماس، حين استولت بالقوة على السلطة في قطاع غزة في صيف العام 2007، وحصتها الكبيرة من المسؤولية إزاء الانقسام الخطير وتداعياته، فإن الحركة لم تفقد جماهيريتها، وهي تتجه نحو توسيع قاعدتها الشعبية، ومراكمة المزيد من عناصر القوة. ثمة فارق بين الحركتين الكبيرتين، فعدا عن المسؤولية التي تقع على عاتق حركة فتح، إزاء فشل برنامج البحث عن الحقوق من خلال المفاوضات، فإن عدم نجاح مشروع المقاومة المسلحة الذي تبنته حركة حماس في تحقيق إنجازات ملموسة، وما جره ذلك من خسائر كبيرة، قد أبقى حماس تقريباً عند مستوى جيد من القوة، فيما أدى ذلك إلى تراجع حركة فتح. حركة فتح لا تزال حركة ليبرالية، تستوعب التنوع والاختلاف، ومشروعها يخاطب فئات واسعة من الشعب الفلسطيني، لأنه مشروع وطني خالص بامتياز، فيما تمتاز حركة حماس العقائدية بأنها حركة منظمة جداً، قائمة على المركزية الشديدة، ولكن بعدها العقائدي يجعلها قادرة على مخاطبة واستقطاب فئات اجتماعية واسعة، انطلاقاً من طبيعة البيئة الثقافية والاجتماعية. المهم في الأمر هو ضرورة التوقف ملياً، أمام عملية المراجعة، العميقة التي تجريها حركة حماس، سواء اعترفت بذلك أو لم تعترف، ما يجعلها الفصيل الوحيد، الذي يفتح أمام ذاته وعوداً حقيقية نحو المزيد من التقدم، والتوسع والتأثير. بعيداً عن عمليات التشكيك، والتوصيفات التي تحتمل الخطأ والصواب فيما يتعلق بجدية وعمق التغييرات التي تقدم عليها حركة حماس في هذه الفترة، فإنها تبدي اليوم التزاماً متزايداً إزاء أولوية الوطني على الإسلامي الأممي، ما يفتح أمامها آفاقاً واسعة للحركة. تعلن حماس أنها ليست على علاقة تنظيمية أو إدارية مع جماعة الإخوان المسلمين، وأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي، وهو ما قد فتح الطريق أمام تحسين علاقتها بمصر وبعدد من الدول العربية الفاعلة خصوصاً السعودية، الأمر الذي قد يشمل أيضاً كل دول الخليج العربي. التركيز على أولوية الوطني الفلسطيني له تعبيرات ملموسة، وتداعيات هامة ويخلق حالة من التفاعل الحقيقي، مع متطلبات العمل السياسي في ضوء المتغيرات الهائلة التي تقع على كل المستويات الدولية والإقليمية والعربية وحتى الفلسطينية. حماس لا تتبنى ولا ترفض التعاطي مع المشروع الوطني الفلسطيني الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية، ولا ترفض من حيث المبدأ، أو تقبل بدون شروط التفاوض مع إسرائيل. وحماس التي تتبنى مشروع المقاومة المسلحة، والمستعدة لأن تدفع بالدم ثمن هذا المشروع تعطي إشارات قوية على استعدادها للتعاطي مع أشكال النضال الأخرى خاصة في الضفة الغربية بما في ذلك القدس، شرط أن يكون ذلك في اطار توافق وطني. ثمة مراجعة لكنها تحتاج إلى أمرين أساسيين: الأول يتصل بضرورة استكمال هذه المراجعة بما يشمل الموقف من موضوع الاعتراف بالآخر، والشراكة السياسية، والديمقراطية، والعلاقة مع المجتمع كجهة مسؤولة عن مجتمع وليس عن جماعة. أما الأمر الثاني فيتصل بضرورة تظهير ما يستجد من متغيرات في سياسة الحركة بمعنى الاجتهاد في تأكيد القول بالعمل والممارسة، والتحلي بالصبر إزاء الحصاد الممكن تحقيقه. قد يتطلب ذلك تقديم تنازلات تكتيكية إزاء العديد من القضايا، التي يمكن أن تساعد أكثر في بناء الثقة مع الآخرين كل الآخرين، ولتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة. إن استكمال مثل هذه المراجعة يرشح الحركة لأن تحصد لاحقاً من النتائج ما يفوق كثيراً ما تقدمه اليوم من تنازلات. هل تشكل هذه المراجعة من قبل حماس الكبيرة مهمازاً ودافعاً لحركة فتح، والفصائل الأخرى، نحو مراجعة تجاربها، بما يؤدي إلى تجديد كل مفاصل العمل الوطني الفلسطيني؟ هذا ما نتمناه وننتظره اليوم قبل الغد.