دولة اسرائيل مدينة بشكل كبير لعبد الفتاح الشريف. ولمن لا يعرف هذا الشخص فهو الفلسطيني الذي يحمل الاسم الكامل «المخرب الذي قتله الجندي مطلق النار في الخليل». لا ضير. فنحن ايضا لا نعرف اسم الجندي مطلق النار. ومثل الفلسطيني هو ايضا تحول الى رمز. الفلسطينيون ذُهلوا بيقين. ما الذي حدث لليهود؟ أي عاصفة هذه التي تحدث لهم بسبب فلسطيني قتيل؟ حسب المعطيات التي قامت بجمعها «بتسيلم» في عملية «الجرف الصامد» فقد قتل في العملية 1767 فلسطينيا، بينهم 271 ولداً تحت سن السابعة عشرة. وفي السنة الهادئة 2013 قتل 21 فلسطينيا. يمكن القول إن عددا منهم تم اطلاق النار على رؤوسهم. فكيف يعقل أن فلسطينيا واحدا، «مخربا»، أو حسب أورويل «تورط»، نجح في تفكيك المجتمع الاسرائيلي. ووضع رئيس الاركان ووزير الدفاع في موضع الانتقاد. وتسبب بأن تخضع «قيم الجيش» للامتحان الأصعب؟ كيف نجح هذا الشخص في المكان الذي فشل فيه آلاف الفلسطينيين القتلى؟. هل كان ذلك بسبب كاميرا عماد أبو شمسية، التي دخلت الى كل صالون اسرائيلي وأظهرت الرصاصة التي فجرت رأس الشريف؟ الكاميرا التي أوضحت جيدا أن ما يحدث في الخليل لا يحدث هناك فقط. وأن اسطورة طهارة السلاح ليست سوى اسطورة؟ هذا كلام فارغ، حيث شاهدنا تصويراً لأسرى حرب مقتولين وفتاة تحمل المقص تُقتل من مسافة صفر. هذا الامر لم يحدث لأننا شاهدنا فلسطينيا آخر يُقتل. يبدو أن الزعزعة، التي أصابت من تَزعزعَ، نبعت من الادراك بأن الحرب في «المناطق» تشمل القتل وليس فقط «الافشال» و»التحييد» و»المنع». ولكن هذا التفسير غير مقنع لأن من لا يهتم بما يحدث وراء الخط الاخضر، لا يمكنه أن يزعم أنه جاهل أو ساذج. فهو ايضا يعرف أن هناك أموراً فظيعة تحدث وأن آلاف الاشخاص «لا يموتون هكذا» وكأنهم قطيع. إذاً، يجدر البحث عن الاجابة في مكان آخر. ومثلما في احداث تاريخية كثيرة، فان القتل في الخليل قد اختار توقيتا ناجحا ايضا، انتظره المجتمع الاسرائيلي من اجل استكمال تشكله. لأنه عند النظر الى رئيس الاركان بشكل مفاجئ وكأنه يمثل حقوق الانسان، ووزير الدفاع يعود للحديث مثل ابن الكيبوتس، وعندما يقوم نشطاء «نحطم الصمت» بالاساءة لسمعة اسرائيل، والحكومة لا تمنح الأمل لجزء من الجمهور – يجب ايجاد بطل أو حدث مفصلي من اجل التحليق حوله. شخص يطلق رصاصة البدء للحرب الاهلية، أو على الأقل يطلق صافرة بدء اللعبة. اليسار يحتاج الى «الجندي مطلق النار» ليقوم بتعزيز خلاياه الضعيفة والاتحاد حول راية «المبادئ». واليمين يحتاج الى رمز للقومية، حيث إنه يخشى دائما من ترك مؤيديه له. إن خيبة أمل اليسار خرجت الآن على الجندي مطلق النار وكأنه المسؤول عن الاحتلال والذي تسبب بالانتفاضات وحطم بسلاحه صورة اسرائيل في العالم. أما اليمين فهو لا يهتم بالجندي مطلق النار. وهو يفكر فقط بطبق الفضة الذي يستطيع وضع رأس اليسار عليه. لم تكن للطرفين فرصة أفضل من تلك التي قدمها «مطلق النار». التوقيت كان مثاليا. ويجب علينا أن نتذكر من يستحق التقدير على هذه الحرب. وهو عبد الفتاح الشريف الذي أدخلنا بموته الى «حرب المبادئ» وشكل صورتنا. لهذا هو يستحق إكليلا من الورود.