لامس الكتاب الجديد للروائي والكاتب السياسي الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف "اوروبا والبحث عن دور الاتحاد الأوروبي في القرن الحادي والعشرين"، أهم الجوانب التي تكشف عن مستقبل الدور الأوروبي في السياسة الدولية، من خلال مقاربته التحليلية للقضايا المختلفة التي تؤثر وتصنع هذا الدور.
وانطلق أبو سيف في كتابه الصادر عن دار الأهلية للنشر في عمان، في هذه الملامسة من علاقة هذه الجوانب وتشابكها وتداخلها، محاولاً أن يكشف عن التأثير المتبادل فيما بينها.
ويكشف الكتاب أن أوروبا واقعة بين رغبتين تبدوان متناقضين. تتمثل الأولى في الرغبة الحقيقة في أن تلعب دوراً أو أن تترجم نفوذها المالي والاقتصادي إلى قوة سياسية، وهي تدرك أن هذه القوة السياسة لا بد أن تكون مسنودة بقوة عسكرية؛ فيما تتمثل الثانية في عدم الرغبة بالخوض في أزمات العالم ومشاكله، أو ربما القتال لأجل قضايا الآخرين.
غير أن التعمق في المسار الذي تحاول أوروبا خطه في صناعة سياستها وقوتها الخاصة، بحسب ابو سيف، يكشف عن محاولة للتوفيق بين الرغبتين من خلال صوغ سياسة خارجية وأمنية ترتكز على صناعة تدخل خاص بأوروبا يعفيها من الأزمات غير الضرورية، وهي بذلك تلعب اللعبة وفق شروطها، أو هكذا تحاول.
أما إلى أي مدى يمكن لها أن تنجح في ذلك فهذا مرهون بجملة من العوامل الأخرى التي ترد بالتحليل والنقاش في متن هذا الكتاب.
ويحلل الكتاب البحث الأوروبي عن دور في عالم السياسة المعاصرة من خلال محاولة فهم الجوانب المختلفة المتعلقة بفرص تحقيق هذا الدور.
ويسعى الكتاب، وعبر فصوله المختلفة، فكفكة المفاصل الأساسية المتعلقة بالدور الأوروبي، وتحليل التجربة الأوروبية من عدة زوايا، في محاولة لتسليط الضوء على فرص وآفاق أوروبا في العالم. فهو ينتقل في تحليل مكثف ومعمق من قراءة تجربة التكامل الأوروبي في منظورها التاريخي والمؤسساتي إلى الحديث عن السياسة الخارجية للاتحاد وتطوير سياسات أمنية إلى العلاقة مع الولايات المتحدة ومستقبل حلف الناتو، إلى نوع القوة الأوروبية.
ويناقش الكتاب قضايا التكامل الأوروبي والسياسات الأوروبية من أفكار الوحدة الأوروبية التي انتشرت في مطالع القرن العشرين إلى الأزمة الاقتصادية اليونانية في العام 2015 وأزمة المهاجرين السوريين في صيف 2015. كل ذلك في محاولة لوضع صورة أوروبا في السياسة الكونية في موضعها الصحيح، والوصول إلى أقرب فهم لهذا الدور.
ويذهب الكتاب إلى أنه يمكن لأوروبا الموحدة أن تلعب دوراً هاماً في عالم الغد، بل إنها مرشحة وبقوة للعب هذا الدور، وتمتلك من المقومات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ما يدفع لتحقيقه . بل إن طبيعة نشوء القوى وتكونها يقترح أن الاتحاد الأوروبي يمتلك الكثير من الفرص. والاتحاد خلال السنوات الماضية أثبت أنه قادر على تطوير نفسه والانتقال في تطوره من مرحلة إلى أخرى.
رغم ذلك، وكما يجادل الكتاب، فإن ثمة الكثير من المعيقات التي قد تقف في طريق اكتمال الدور الأوروبي، ليس أولها تبادراً إلى الأذهان التعقيدات المؤسساتية والإدارية التي تكبل مقدرة الاتحاد على اتخاذ القرارات السريعة، بجانب عدم وجود قناعات موحدة لدى صنّاع القرار في المؤسسات المختلفة بجدوى البحث عن هذا الدور، إذ أن الكثير من الأوروبيين ما زالوا يعتقدون بأن قوة المشروع الوحدوي الأوروبي تكمن في أخلاقياته، وهو قائم على عدم جعل القوة الميدانية هي الحاسمة، وهو ما قد يكون صحيحاً داخلياً، بمعني في علاقة الدول الأوروبية بعضها ببعض، لكن أوروبا كما يجادل البعض الآخر بحاجة لأن تلعب وفق قانون الغاب حين تكون في الغابة.
و يكشف الكتاب أن جزءاً من العجز الأوروبي يمكن رده إلى الخلاف الأوروبي حول هوية هذا المشروع التكاملي وغاياته.
ويناقش الفصل الأول من الكتاب، تطور مشروع الوحدة الأوروبي عبر دراسة المراحل المختلفة لهذا التطور وتحليلها وتفسيرها، وتقديم قراءة نقدية للأفكار والأسباب التي قادت إلى هذا التكامل بين خصوم الأمس.
ويُخصص الفصل الثاني، لمناقشة تطور السياسة الخارجية الأوروبية والعقبات التي تقف في طريق تطوير هذه السياسة. بينما يقوم الفصل الثالث بمناقشة التطورات التي حدثت في مجال التكامل في مجال الأمن والدفاع منذ اللحظات الأولى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى توقيع اتفاقية لشبونة، مناقشاً كل فترة ونبضة بتفصيل يساهم في شرح الدوافع الكامنة وراء التقدم البطيء الذي حدث خلال أكثر من نصف قرن تجاه تبني دول الاتحاد لسياسات دفاعية مشتركة.
ويناقش الفصل الرابع، نوع القوة الأوروبية من قوة اقتصادية إلى قوة مدنية إلى قوة ناعمة أو قوة أخلاقية أو خشنة. في حين يركز الفصل الخامس على العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة من خلال النظر في فهم الولايات المتحدة لعملية التكامل الأوروبية والعلاقات التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانية وانشاء حلف الناتو والتحولات التي طرأت على مهام الحلف بعد انهيار جدار برلين.
ويشكل الفصل السادس خاتمة معنونة بـ" الدور الأوروبي بين الطموح والمعيقات"، ويناقش آفاق الدور الأوروبي وممكناته والمعيقات التي قد تعيقه. وهو يسترجع المقولات الأساسية التي وردت في الفصول المختلفة ويصوغ منها أسئلة أكبر حول مستقبل مشروع التكامل برمته.
وبهذا يكون الكتاب قد لامس أهم الجوانب التي تكشف عن مستقبل الدور الأوروبي في السياسة الدولية، من خلال مقاربته التحليلية للقضايا المختلفة التي تؤثر وتصنع هذا الدور.
يذكر أن عاطف أبو سيف حاصل على الدكتوراة في العلوم السياسية من المعهد الجامعي الأوروبي في مدينة فلورنسا في إيطاليا وعلى الماجستير من جامعة برادفورد في بريطانيا والبكالوريوس من جامعة بيرزيت. ويعمل أبو سيف رئيساً لتحرير مجلة سياسات الصادرة عن معهد السياسات العامة في رام الله. وله مجموعة من المؤلفات في العلوم السياسية منها كتابه "إسرائيل والاتحاد الأوروبي: الشراكة الناعمة" الصادر عن مركز "مدار"، وكتاب "علاقات إسرائيل الدولية" (تحرير) الصادر عن "مدار" أيضاً، وكتاب المجتمع المدني والدولة الصادر عن دار الشروق.
إلى جانب ذلك، فأبو سيف روائي وكاتب له مجموعة من الروايات كان آخرها روايته "حياة معلقة" الصادرة عن الأهلية والتي ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.