ما يجهله الكثيرون أو يتجاهلونه؛ هو أن الرئيس الراحل ياسر عرفات؛ أيقن انه خدع من قبل الغرب ودولة الاحتلال؛ عندما وعدوه بدولة وتحويل الضفة وغزة إلى سنغافوره العرب؛ وبدل ذلك حولوا الضفة إلى شوارع التفافية ومستوطنات؛ وان الاتفاق حول دولة خلال خمس سنوات بحسب "اوسلو" تحولت إلى "شك" مفتوح؛ مما جعله يتخذ قرار العودة إلى شعار حركة فتح الذي كان سببا في التفاف الجماهير حولها مع بداياتها وهي (البندقية)؛ وهو ما تسبب بمحاصرته في رام الله واستشهاده لاحقا؛ لتبدأ مرحلة جديدة من العودة للمفاوضات مجددا.
قراءة متأنية في البرنامج السياسي الوطني الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر سنة 1988؛ يتبين انه يقوم على خيار الدولتين في فلسطين التاريخية، والعيش جنباً إلى جنب مع (دولة إسرائيل)، في سلام شامل يضمن عودة اللاجئين، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة سنة 1967، وعاصمتها (القدس الشرقية).
لاحقا؛ أثمر برنامج منظمة التحرير عن اتفاقية أوسلو في أيلول 1993، وإقامة السلطة الوطنية على أمل إقامة الدولة الفلسطينية خلال خمس سنوات مع انتهاء المرحة الانتقالية؛ التي تحولت لمرحلة دائمة نتيجة مكر وأطماع الاحتلال؛ ومن هنا وجدت حركة فتح نفسها بين فكي كماشة؛ فلا هي حققت دولة؛ ولا هي نجحت ببرنامجها ولبت طموحات الشعب الفلسطيني؛ كونها صاحبة وقائدة برنامج (م.ت. ف)؛ الذي لم ينجح في أدق وأصعب محطاته.
وجاءت تصريحات "نتنياهو" العنجهية يوم أمس؛ لتقضي على ما تبقى من ثمار "اوسلو" على مرارتها - نصت اتفاقات "أوسلو" على فرض السيادتين الأمنية والمدنية الفلسطينيتين على مناطق "أ" - بقوله أن جيشه سيبقى يقتحم مناطق "أ" بحسب "اوسلو" وقتما شاء وبكل حرية؛ وأن "حرية عمل الجيش في مناطق "أ" الفلسطينية هو "أمر مقدس"، وإن "إسرائيل" ترفض العودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة قبل العام ٢٠٠٠.
إذن؛ بعد هكذا تصريحات واضحة جدا؛ ماذا تبقى من "اوسلو"؛ وأين هي الدولة الفلسطينية المستقلة التي تضمنها برنامج منظمة التحرير الفلسطينية؟ وما الذي جناه الشعب الفلسطيني من البرامج بعد 28 عاماً من المفاوضات؟!
قد يرد مؤيدي برنامج منظمة التحرير ويقولون: وأين البديل؟ وماذا فعل وحقق ونجح به غيرنا من مؤيدي البرنامج المقاوم للشعب الفلسطيني؟! ليكون الجواب من قبل مؤيدي البرنامج المقاوم : البديل هو البرنامج المقاوم الذي طرد الاحتلال من غزة واجبره على هدم 20 مستوطنة بيديه صاغرا ذليلا؟!
ليس من الحكمة؛ أن تطالب حركة فتح أو قوى اليسار وقيادة المنظمة؛ حركة حماس أو الجهاد تبني برنامج ثبت عدم قدرته على النجاح أو تحقيق أية انجازات للشعب الفلسطيني؛ أو تحرير شبر من الأرض المحتلة؛ طيلة 28 عاما من المفاوضات؛ بينما البرنامج المقاوم حرر غزة ولو كان بشكل غير كامل ونهائي، خاصة مع إبقاء الحصار؛ وهي؛ أي غزة؛ هي التي تمنى "اسحق رابين "أن يبتلعها البحر يوما؛ لقوة مقاومتها للاحتلال وإيقاع الخسائر الفادحة به التي لم تعد تطيقها دولة الاحتلال وقتها؛ وهي استطاعت خلال الحرب العدوانية عام 2014 على ضرب قلب دولة الاحتلال بصواريخها لتحقق معادلة الردع.
لا يعني مما سبق؛عدم قدرة برنامج المنظمة على تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني انه انتهى إلى غير رجعة؛ بل المطلوب إعادة المراجعة والنقد الذاتي البناء وتصويبه من جديد؛ ضمن برنامج وطني موحد متفق عليه يفعل طاقات الشعب الفلسطيني الخلاقة ويفجرها من جديد في وجه الاحتلال، وينهي سلبيات برنامج المنظمة السابق؛ ويطور ايجابياته لاحقا؛ وهذا هو عين الصواب ومطلب الشعب الفلسطيني الذي مل اختلاف البرامج وانقسامها بحدة وبقوة؛ في ظل احتلال يستهدف الجميع.