في البداية ينبغي القول إن الصراع المذهبي الذي يستعر في الإقليم لم يصل ذروته بعد، وهو الصراع الذي حذر منه مثقفو الوطن العربي المتجاوزون للمذهبية، إدراكاً منهم بأن هذا الصراع الممتد منذ قرون إذا ما أعيد إنتاجه بأسلحة حديثة يمتلكها الخصوم المتأهبون كفيل بإحراق وتدمير المنطقة العربية التي تميل بفطرتها الصحراوية للعنف، والأقرب لخطاب العاطفة منها للعقل؛ إذ يكفي خطيب مفوه كي تستل السيوف لتصنع بركاً من الدماء.
ثم ينبغي القول إن استمرار الصراع المذهبي هو حكم على طرفي الصراع بأن مستوى وعيهم لا يزال يسكن في العصور القديمة، عصر القبليات البائد في العالم والباقي عندنا، فجوهر الطائفية هو الانتصار للطائفة والتعصب لها في الحق والباطل، طبقاً للمنطق الجاهلي.
وبينما انتهى الصراع في المسيحية بين البروتستانت والكاثوليك بالتعايش في إطار الدولة، وكذلك بين اليهودية الأرثوذكسية والمحافظة في اليهودية، يستعر الصراع بين المذهبين الرئيسين في الإسلام فلماذا؟
ثم ينبغي القول إن المنطقة العربية تجلس على برميل من بارود الصراعات، فكيف اندفعت أو انجرت لهذا الصراع الذي سيحرق كل أصابع وأقدام كل من شارك فيه، وهو مخطط كان لا بد من الانتباه له جيداً.
لو كان لدى العرب مراكز دراسات تقرأ وتتابع، ويصنع فيها القرار بعيداً عن العاطفة؛ لأن الأمر أخطر من خلاف واختلاف، ويمكن العودة لأي باحث على محرك البحث غوغل إلى أحد أخطر توصيات مؤتمر هرتسيليا الثالث عشر الذي انعقد في آذار 2013، إذ جاء فيها « ضرورة تكريس الصراع السني الشيعي».
لقد مرت هذه التوصية الخطيرة بسلام، بل بالعكس كأن ما يحدث هو أن المنطقة استدرجت لها، ومن فكر في العبث في الحديقة الخلفية لإيران «دمشق» كان عليه أن يتوقع أن إيران دولة ليست سهلة، وستستبيح حديقته الخلفية، هذا ما حصل وكان ذلك وصفة لتغيير وجه المنطقة على نحو مدمر، الخشية أن ما حدث حتى اللحظة منذ ربيع العرب الذي سقطت فيه كل الأوراق هو مجرد البدايات في حفلة الجحيم المذهبي.
كيف استسهل الخليج التدخل في سورية حليفة طهران؟ ألم يعرف أن الأمر أخطر كثيراً من قرار ترسمه مشيخة إمارة جاهلة لتاريخ الصراعات المعلنة والدفينة في المنطقة، أم أنها دفعت لذلك وفق سيناريو الفوضى الذي رسمته دوائر كوندوليزا رايس، وتعرف أنه سيصل إلى حالة الاحتراق الكلي وتحويل المنطقة إلى ركام تبقى فيه إسرائيل وحدها، بعد التآكل الداخلي في صراع لم يهدأ منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي الأخطر، الذي أصبح كوثائق من التاريخ والذي انعقد في 29/5/1949 حدد بن غوريون إستراتيجية إسرائيل العامة قائلاً: «على إسرائيل أن تبني جيشاً قوياً أقوى من كل الجيوش العربية مجتمعة»، وقد فعلت، ولأكثر من ستة عقود، فقد تجنب العرب التحرش بإسرائيل حتى حين كان لحمنا يتطاير شظايا آخرها عدوان غزة الأخير، وذات مرة في اجتماع لوزيري الاتصالات الفلسطيني والإسرائيلي، قال بنيامين بن إليعازر للمهندس عماد الفالوجي حين كان الأخير يتذرع بالعرب لتصليب موقفه، قال له الإسرائيلي «سيادة الوزير هناك ثلاث دول في المنطقة إسرائيل وإيران وتركيا، أما العرب فهم خارج المعادلة وأضعف من أن يكون لهم حساب».
لقد ضربت إيران ضربتها في اليمن ومضيق المندب، وهذا في سياق طبيعي للتدهور الحاصل نحو الدمار، لا يعني ذلك مباركة ما فعله الحوثي أو تبريره، فالانقلاب واحد في أية دولة، وهو مخالف لمنطق بناء الدولة الحديثة، ولا يحق لأي كان أن يستخدم السلاح للسيطرة على الدولة أو لحسم خيارات الشعوب وإغلاق الباب عليها، ومن لم يصدق ليسأل أهل غزة ما حل بهم وكيف توقفت حياتهم الديمقراطية وكفوا عن ممارسة اختيار ممثليهم، ومن أعلن دعمه للديمقراطية في سورية هو نفسه من يمنع ممارستها في بلاده، ومن أعلن دعم الثورة بالمال والإعلام والتي دمرت سورية هو نفسه من سخر إعلامه لهدم مصر لولا فطنة المصريين وكراهيتهم للعنف وثقافتهم المتسامحة كمنتج للوادي وليس الصحراء لأصبحت دولتهم ركاماً كما سورية.
حتى أيلول الماضي كان الحوثيون مجرد حشود تتظاهر ضد رفع الأسعار، وتطالب بصوت لها فيما سمي بمخرجات الحوار الوطني كما قال الكاتب صبحي حديدي، من الذي هندس ذلك الحوار وأبقاهم خارجاً وصممه كحوار مذهبي تأجج ليفتح حرباً؟
لم يقرأ توازنات المنطقة من يعتقد أنها يمكن أن تنتهي بضربة واحدة أو بسنوات قبل أن تدخل اليمن في حريق سيمتد خارج حدوده، ولم يقرأ توازنات المنطقة من يعتقد أن العمل العسكري سيحل الأزمة بين قوى مذهبية تتقاتل منذ قرون طويلة على شرعية الحق والدين والتاريخ ولم تحسم بعد، ولن يكون الحل سوى الحوار مع طهران لإلزام الحوثيين بالعودة عن انقلابهم.
البلد العربي الذي كان مهيئاً للعب ذلك الدور هو مصر، فلم يكن منطقياً انحيازها في هذا الصراع وهي بلد متجاوز للمذهبية والطائفية، وعلاقاتها متوازنة مع الخليج ومع إيران؛ ولأن قوة مصر وموقعها وموقفها تؤهلها لأن تكون وسيطاً يستجاب له في الأزمة اليمنية، وهناك فرصة أن تقوم مصر بهذا الدور، وقد تنجح بإعادة الرئيس هادي دون حرب.
الصراع في الإقليم هو صراع مصالح ولكنه يتخذ طابعاً دينياً، فالحروب الدينية هي حروب مقدسة لاتباعها ووقودها، إذ تكفي إطلالة على وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة حجم الحقد الكامن، وبالتالي فالأمر سيطول ولا خير للعرب فيه، والأسوأ أن العرب ليس لهم مصالح ولا يجيدون لغة المصالح، لكن كثيرا من الصراعات جرى استخدامها لمصالح دول كبرى، أخشى أن الأمر كذلك هذه المرة.
كلما عدت لمقررات مؤتمر هرتسيليا قبل عامين أحزن على العرب، الذين لم يسأل أي منهم حتى اللحظة: أين إسرائيل التي تخوض صراع مصالح مع إيران من كل ما يحدث؟
ثم ينبغي القول إن استمرار الصراع المذهبي هو حكم على طرفي الصراع بأن مستوى وعيهم لا يزال يسكن في العصور القديمة، عصر القبليات البائد في العالم والباقي عندنا، فجوهر الطائفية هو الانتصار للطائفة والتعصب لها في الحق والباطل، طبقاً للمنطق الجاهلي.
وبينما انتهى الصراع في المسيحية بين البروتستانت والكاثوليك بالتعايش في إطار الدولة، وكذلك بين اليهودية الأرثوذكسية والمحافظة في اليهودية، يستعر الصراع بين المذهبين الرئيسين في الإسلام فلماذا؟
ثم ينبغي القول إن المنطقة العربية تجلس على برميل من بارود الصراعات، فكيف اندفعت أو انجرت لهذا الصراع الذي سيحرق كل أصابع وأقدام كل من شارك فيه، وهو مخطط كان لا بد من الانتباه له جيداً.
لو كان لدى العرب مراكز دراسات تقرأ وتتابع، ويصنع فيها القرار بعيداً عن العاطفة؛ لأن الأمر أخطر من خلاف واختلاف، ويمكن العودة لأي باحث على محرك البحث غوغل إلى أحد أخطر توصيات مؤتمر هرتسيليا الثالث عشر الذي انعقد في آذار 2013، إذ جاء فيها « ضرورة تكريس الصراع السني الشيعي».
لقد مرت هذه التوصية الخطيرة بسلام، بل بالعكس كأن ما يحدث هو أن المنطقة استدرجت لها، ومن فكر في العبث في الحديقة الخلفية لإيران «دمشق» كان عليه أن يتوقع أن إيران دولة ليست سهلة، وستستبيح حديقته الخلفية، هذا ما حصل وكان ذلك وصفة لتغيير وجه المنطقة على نحو مدمر، الخشية أن ما حدث حتى اللحظة منذ ربيع العرب الذي سقطت فيه كل الأوراق هو مجرد البدايات في حفلة الجحيم المذهبي.
كيف استسهل الخليج التدخل في سورية حليفة طهران؟ ألم يعرف أن الأمر أخطر كثيراً من قرار ترسمه مشيخة إمارة جاهلة لتاريخ الصراعات المعلنة والدفينة في المنطقة، أم أنها دفعت لذلك وفق سيناريو الفوضى الذي رسمته دوائر كوندوليزا رايس، وتعرف أنه سيصل إلى حالة الاحتراق الكلي وتحويل المنطقة إلى ركام تبقى فيه إسرائيل وحدها، بعد التآكل الداخلي في صراع لم يهدأ منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي الأخطر، الذي أصبح كوثائق من التاريخ والذي انعقد في 29/5/1949 حدد بن غوريون إستراتيجية إسرائيل العامة قائلاً: «على إسرائيل أن تبني جيشاً قوياً أقوى من كل الجيوش العربية مجتمعة»، وقد فعلت، ولأكثر من ستة عقود، فقد تجنب العرب التحرش بإسرائيل حتى حين كان لحمنا يتطاير شظايا آخرها عدوان غزة الأخير، وذات مرة في اجتماع لوزيري الاتصالات الفلسطيني والإسرائيلي، قال بنيامين بن إليعازر للمهندس عماد الفالوجي حين كان الأخير يتذرع بالعرب لتصليب موقفه، قال له الإسرائيلي «سيادة الوزير هناك ثلاث دول في المنطقة إسرائيل وإيران وتركيا، أما العرب فهم خارج المعادلة وأضعف من أن يكون لهم حساب».
لقد ضربت إيران ضربتها في اليمن ومضيق المندب، وهذا في سياق طبيعي للتدهور الحاصل نحو الدمار، لا يعني ذلك مباركة ما فعله الحوثي أو تبريره، فالانقلاب واحد في أية دولة، وهو مخالف لمنطق بناء الدولة الحديثة، ولا يحق لأي كان أن يستخدم السلاح للسيطرة على الدولة أو لحسم خيارات الشعوب وإغلاق الباب عليها، ومن لم يصدق ليسأل أهل غزة ما حل بهم وكيف توقفت حياتهم الديمقراطية وكفوا عن ممارسة اختيار ممثليهم، ومن أعلن دعمه للديمقراطية في سورية هو نفسه من يمنع ممارستها في بلاده، ومن أعلن دعم الثورة بالمال والإعلام والتي دمرت سورية هو نفسه من سخر إعلامه لهدم مصر لولا فطنة المصريين وكراهيتهم للعنف وثقافتهم المتسامحة كمنتج للوادي وليس الصحراء لأصبحت دولتهم ركاماً كما سورية.
حتى أيلول الماضي كان الحوثيون مجرد حشود تتظاهر ضد رفع الأسعار، وتطالب بصوت لها فيما سمي بمخرجات الحوار الوطني كما قال الكاتب صبحي حديدي، من الذي هندس ذلك الحوار وأبقاهم خارجاً وصممه كحوار مذهبي تأجج ليفتح حرباً؟
لم يقرأ توازنات المنطقة من يعتقد أنها يمكن أن تنتهي بضربة واحدة أو بسنوات قبل أن تدخل اليمن في حريق سيمتد خارج حدوده، ولم يقرأ توازنات المنطقة من يعتقد أن العمل العسكري سيحل الأزمة بين قوى مذهبية تتقاتل منذ قرون طويلة على شرعية الحق والدين والتاريخ ولم تحسم بعد، ولن يكون الحل سوى الحوار مع طهران لإلزام الحوثيين بالعودة عن انقلابهم.
البلد العربي الذي كان مهيئاً للعب ذلك الدور هو مصر، فلم يكن منطقياً انحيازها في هذا الصراع وهي بلد متجاوز للمذهبية والطائفية، وعلاقاتها متوازنة مع الخليج ومع إيران؛ ولأن قوة مصر وموقعها وموقفها تؤهلها لأن تكون وسيطاً يستجاب له في الأزمة اليمنية، وهناك فرصة أن تقوم مصر بهذا الدور، وقد تنجح بإعادة الرئيس هادي دون حرب.
الصراع في الإقليم هو صراع مصالح ولكنه يتخذ طابعاً دينياً، فالحروب الدينية هي حروب مقدسة لاتباعها ووقودها، إذ تكفي إطلالة على وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة حجم الحقد الكامن، وبالتالي فالأمر سيطول ولا خير للعرب فيه، والأسوأ أن العرب ليس لهم مصالح ولا يجيدون لغة المصالح، لكن كثيرا من الصراعات جرى استخدامها لمصالح دول كبرى، أخشى أن الأمر كذلك هذه المرة.
كلما عدت لمقررات مؤتمر هرتسيليا قبل عامين أحزن على العرب، الذين لم يسأل أي منهم حتى اللحظة: أين إسرائيل التي تخوض صراع مصالح مع إيران من كل ما يحدث؟