أيدت تركيا سياسة تصفير المشكلات. فقد اعتقدت أنقرة لسنوات أن هذه هي الطريقة المثلى لتعزيز مكانتها الدولية على حساب الولايات المتحدة ايضا. كانت لاردوغان حتى فترة قصيرة طموحات كبيرة، إلا أن خططه تشوشت، ويجد الاتراك أنفسهم الآن في مركز المواجهة مع الارهاب العالمي. وبدل تصفير المشكلات هناك تصفير للجيران. واذا لم يكن هذا كافيا، يوجد الآن في تركيا ملايين اللاجئين وكثير من العمليات. وبهذا القدر تجد تركيا نفسها مع صفر انجازات. إن المصالحة التركية - الاسرائيلية التي نشاهد الإعداد لها يجب أن توضع في هذا السياق بالضبط. يصعب على أنقرة أن تكون وحدها في الحي بدون أصدقاء: الإيرانيون لن يكونوا أبدا شركاء حقيقيين. والعدو اللدود، الاسد، الذي كان مع رِجل ونصف في القبر، حظي بالحياة والحكم كهدية من بوتين الذي تحول منذ قضية الطائرة الى العدو الاكبر لأنقرة. أوروبا ايضا، رغم الاتفاقات، ليست شريكة حقيقية لاسيما بعد اكتشافها أن "داعش" قد استخدم المصفاة التركية من اجل عبور الحدود السورية نحو اوروبا من اجل تنفيذ العمليات. ويضاف الى ذلك أن صفقات النفط بين تركيا و"داعش"/ التي كشفت عنها روسيا، لا تساهم ولا تعمل على تحسين مكانة أنقرة في العالم. اذا اختبرنا جيدا السياسة التركية الانتهازية جدا في العقد الاخير، سنصل الى استنتاج بأن أنقرة قد اكتسبت مشكلاتها باستقامة. اسرائيل ايضا، التي هي ضحية التنظيمات "الارهابية" الفلسطينية منذ عقود، لها اسبابها للوقوف الى جانب تركيا في هذه الاوقات الصعبة. صحيح أن الموضوعين المختلف فيهما لم يتم حلهما بعد وهما نشاط "حماس" في إسطنبول وحصار غزة، حيث تطلب أنقرة رفعه، لكن يبدو أن الاتراك يريدون تقليص الفجوة، إلا اذا كان هناك من يعتقد في انقرة أنه ما زال هناك وقت للعب، كما في السابق. واذا كانت تركيا تريد استخدام اسرائيل كرافعة من اجل الضغط على روسيا، فهذا سيكون خطأ كبيراً. طالبت هيئة محاربة "الارهاب" قبل ايام في خطوة نادرة المواطنين الاسرائيليين الخروج فورا من تركيا. وحثت من يخطط لزيارتها على تأجيل سفره. وقد فعلت الولايات المتحدة شيئا مشابها. يمكن الافتراض أن تحذير الدولتين يستند الى المعلومات ذاتها. تدافع تركيا الآن عن نفسها في مواجهة "داعش" وفي مواجهة التنظيم السري لحزب العمال. لقد كانت لتركيا أولوياتها. ففي الوقت الذي اعتبر فيه العالم أن "داعش" هو تهديد، اعتبرته تركيا فرصة لمنع اقامة دولة كردية مستقلة. قد تكون النقطة التي على اسرائيل التفكير فيها في الشرق الاوسط المتغير هي وقوف الاكراد الى جانب اسرائيل تاريخيا. ونحن ايضا وقفنا الى جانبهم في مراحل تاريخية. الاكراد واسرائيل قوة تؤيد الغرب، وهما الاكثر جدية في الشرق الاوسط. ايضا الطريقة التي يواجهون بها "داعش" في سورية والعراق تلزم المجتمع الدولي بتعويضهم. لا شك أن مسألة استقلال كردستان هي مسألة مشروعة. ونحن لا نعرف لماذا توضع جانبا. برلمانات كثيرة في العالم، منها البرلمان الفرنسي، سارعت للاعتراف بفلسطين، لكنها نسيت كردستان ولا نعرف السبب. احدى المشكلات الاساسية أمام اعتراف اسرائيل بكردستان كانت التعاون بين إسرائيل وتركيا. إن تصدع العلاقة بين اسرائيل وتركيا كان يمكنها أن تدفع اسرائيل الى استكمال خطوة بدأت في الخمسينيات في العراق وأعادت المبدأ القائل "عدو عدوي هو صديقي". وقد يكون هذا هو سبب رغبة اردوغان في أن يكون صديقاً لأنه يفهم أننا نعيش في عالم متغير.