مغزى حضور فلسطين في وثائق بنما

مهند-عبد-الحميد
حجم الخط

خرج إلى العلن أكبر تحقيق في تاريخ الصحافة الاستقصائية بعنوان: «وثائق بنما»، التي سُربت من شركة «موساك فونسيكا» للخدمات القانونية ومقرها «بنما». شارك في العمل الإعلامي الضخم 370 صحافياً ينتمون لأكثر من 70 بلداً. الوثائق تغطي 40 سنة من أعمال غير مشروعة كالتهرب الضريبي وتبييض الأموال وإخفاء الثروات وتفادي العقوبات، أبطالها 140 شخصية من كبار الرأسماليين ورجال الأعمال والمتنفذين في الحكومات المختلفة، ينتمون لأكثر من 50 بلداً. أما حجم المستندات المنشورة فقد سجل رقماً قياسياً - 11 مليون وثيقة - يفوق ما نشرته كل من ويكيليكس وتسريبات سنودن وتسريبات شركات الظل ولوكسمبورغ والبنوك السويسرية مجتمعة. أسماء عربية عديدة ومن مستويات رفيعة سياسياً (رؤساء وملوك وأمراء ورؤساء حكومات)، ومالياً (كبار رجال أعمال ورأسماليين مخضرمين وحديثين)، أتت الوثائق على ذكرها، وقُدمت للرأي العام الداخلي والخارجي كأطراف ضالعة أو متهمة في علاقات تجارية ذات أصول غير معلنة وغير شرعية. أحدثت الوثائق جلبة في بلدان الديمقراطيات، ولم تحدث الوثائق أي تأثير في البلدان غير الديمقراطية. الصنف الأول من البلدان شكل لجان تحقيق لمساءلة كل المتهمين الذين وردت أسماؤهم في الوثائق، وشارك الرأي العام في الضغط على صناع القرار من أجل محاكمة كل من تثبت إدانته في التهرب الضريبي وفي إخفاء الثروات وغسيل الأموال والتحايل على القوانين. ومنذ بداية تسرب الوثائق، شارك الإعلام في نشر الوثائق والمساءلة والنقاش حول الأضرار التي لحقت بمواطني البلدان التي ينتمي إليها المتهمون، ومن المتوقع أن تحدث تغييرات كبيرة ومحاسبات انتصاراً للحق العام. مقابل ذلك، فإن الدول غير الديمقراطية تجاهلت الوثائق وكأن شيئاً لم يكن، ولم تشكل لجاناً للمساءلة والتحقيق، ولم تنعكس الفضائح التي قدمتها الوثائق على وسائل الإعلام التي أوردت معلومات مقتضبة خالية من ذكر أسماء المسؤولين الضالعين، والبعض فسر إخراج الوثائق إلى العلن باعتباره مؤامرة تستهدف الدول والرؤساء والملوك والأمراء وأولادهم. فرق جوهري بين رأي عام يشارك في الدفاع عن الحق العام في مواجهة الفساد، ورأي عام يصمت صمت القبور على أبسط حقوقه في الدفاع عن الحق العام.    من الملفت أن الوثائق المسربة تبين تورط أكثر من 600 شركة إسرائيلية، وحوالى 850 مساهماً إسرائيلياً في التهرب الضريبي غير القانوني، وإن ضلوع هذا الكم الكبير من الشركات والأشخاص في علاقات تجارية تخفي ملكية الأصول غير الشرعية، لا يمكن عزلها عن أعمال النهب والقرصنة التي تمارس في الأراضي الفلسطينية المحتلة. الاحتلال العسكري الإسرائيلي وضع دولة الاحتلال في خندق البلدان التي تمارس الفساد على خلفية كولونيالية عنصرية. ما يهمنا في قضية الـ 11 مليون وثيقة في فضيحة بنما المدوية وجود أو عدم وجود فلسطينيين في ملف التهرب الضريبي وإخفاء الثروات وغسيل الأموال. الوثائق كشفت عن وجود رجال أعمال وشركات فلسطينية، وما يهم أكثر هو كيفية التعامل مع الوثائق التي كشفت مشاركة جهات فلسطينية. هل سيتم التحقيق في الموضوع من قبل جهات الاختصاص المحايدة والمستقلة، أم سنحذو حذو الدول التي تجاهلت الوثائق وما تضمنته من مخالفات من الوزن الثقيل. الوثائق نشرت اسم محمد مصطفى، وزير الاقتصاد السابق، نائب رئيس الوزراء، الذي قدم توضيحاً ينفي فيه مخالفته للقوانين. ونشرت الوثائق اسم الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار «أبك» وهي شركة تنشط في مجالات اقتصادية متنوعة، وتعتبر قناة الأموال والاستثمارات من العالم العربي إلى فلسطين»، ويملك صندوق الاستثمار حوالى 18% من الشركة، كما تمتلك «شركة الخدمات التجارية» التابعة للسلطة أسهماً أخرى. توضيح محمد مصطفى، لا يجيب على قضايا من نوع: لماذا جرى تغيير الصفة القانونية للشركة العربية الفلسطينية للاستثمار إلى شركة مساهمة عامة أجنبية في العام 2013؟ مع العلم أنها تأسست وكل الشركات المنضوية داخلها للعمل في فلسطين؟ القضية تحتاج إلى وقفة مسؤولة مع وضعنا الاقتصادي برمته. وقفة مع ما كشفته وثائق بنما وما قبلها. أينما تذهب، تسمع سخطاً وإدانة، وأقل شيء تسمع تذمراً وندباً للحظ والشك، وأحسن ما تسمعه هو السؤال عن حالنا البائس، وتلك مظاهر ضعف وتدهور للمناعة، فإلى متى؟