لم تحظَ التطورات الأخيرة في العلاقات الإسرائيلية ـ الأفريقية بالأهمية الإعلامية والسياسية التي تتوازى مع أهميتها، خاصة في ظل الخارطة السياسية وتداعيات ما يسمى بالربيع العربي، فبالكاد تناولت وسائل الإعلام، وكذلك تعليقات الساسة في المنطقة العربية الإعلان عما يسمى «باللوبي البرلماني الجديد» ومهمته المحددة هي دفع العلاقات الإسرائيلية ـ الأفريقية إلى الأمام، الإعلان تم في مقر الكنيست الإسرائيلية في حفل حضره كافة ممثلي الدول الأفريقية في إسرائيل في الأول من شباط الماضي، حيث ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية في هذا الحفل، خطاباً رسم الخطوط العريضة لهذا اللوبي، هذه الخطوط التي لاقت ترحيباً من كافة السفراء المعتمدين في إسرائيل، وذلك من خلال دعوتهم، جميعاً، لنتنياهو بزيارة بلادهم!! جوهر هذا الخطاب، خارطة طريق وضعتها إسرائيل لتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، ولن نقول عودة إسرائيل إلى أفريقيا، فهي لم تبارحها قط، وحسب ما جاء في خطاب نتنياهو فإن الجديد الذي يجعل من العلاقات بينهما أكثر ضرورة من أي وقت مضى هو «الارهاب»، حيث أن لإسرائيل خبرة طويلة في هذا المجال، وهو ما تحتاجه القارة الأفريقية أكثر من أي وقت مضى، نتنياهو، للدلالة على ارتباط الإعلان عن «اللوبي البرلماني الجديد» بمساعدة أفريقيا في مجال مواجهة الارهاب، أشار إلى أن زيارة للقارة الأفريقية، ستبدأ من شرقها، وبالتحديد عندما يسمى إحياء الذكرى الأربعين لعملية عنتيبي «الارهابية» عندما قامت قوات إسرائيلية خاصة عام 1976 بتحرير رهائن معظمهم إسرائيليون بعد أن اختطفتهم مجموعة «ارهابية» على متن طائرة فرنسية حيث قتل شقيق نتنياهو يوني نتنياهو خلال هذه العملية في مطار العاصمة الأوغندية عنتيبي. إلاّ أن الهدف الرئيسي من وراء هذه الجولة في هذا الوقت بالذات، عبّر عنه نتنياهو بطريقة واضحة لا لبس فيها، مقابل كافة أشكال الدعم الإسرائيلي للدول الأفريقية في مجال مواجهة الارهاب والتقنيات الحديثة الضرورية للتنمية، فإن نتنياهو أشار إلى أن الدول الأفريقية، على الرغم من أن إسرائيل لم تقصّر في دعمها، إلاّ أن هذه الدول في معظم الأحوال، تصوت في الأمم المتحدة لصالح القرارات أو مشاريع القرارات ضد إسرائيل، خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر هنا غير منصف على الإطلاق!! يقول نتنياهو موضحاً: يجب عليكم أن تصوتوا من أجل مصالح دولكم، يجب عليكم أن تصوتوا لصالح أفريقيا، ولا شك عندي أن المصالح الأفريقية والمصالح الاسرائيلية شبه متطابقة، بل انها أكثر من متطابقة (!) لذلك أودّ أن أشاهد انعكاس هذا الأمر على العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف بيننا. على الرغم من التمدّد الإسرائيلي داخل القارة الأفريقية منذ وقت طويل، إلاّ أن التجارة بينهما لم تزد عن 2 بالمئة من إجمالي تجارة إسرائيل الخارجية، غير أن هذا التمدد اتخذ من مجالات أخرى لا يمكن الافصاح عنها تأثيراته ومخاطره، عبر التسليح وتجارة الماس، والمرتزقة. الجوانب الأمنية غير الواضحة والتي لا تعكسها عقود مشتركة، كانت أهم عناصر التأثير الإسرائيلي في الدول الأفريقية، غير أن ذلك لم يعكس نفسه على طريقة تصويت هذه الدول في المنظمات الدولية. إلاّ أن دولاً أفريقية عديدة، أبدت اهتماماً كبيراً بتطوير علاقاتها مع الدولة العبرية أثناء الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، بعدما لوحظ أن دولاً عديدة لا تزال تصوت ضد إسرائيل، خاصة الدول الأفريقية، الامر الذي يمكن القول معه إن الاهتمام الإسرائيلي الحالي بالقارة الأفريقية، يعود في الأساس، إلى الحصار السياسي المتنامي على الصعيد العالمي ضد السياسة الاستيطانية للدولة العبرية من جهة، والحرب على الارهاب من جهة ثانية، وإذا كانت تخسر مصوتين تقليديين لها سواء بالتصويت ضد أو بالامتناع عن التصويت في المحافل الدولية، بعدما كانت هذه الدول ـ غير الأفريقية ـ تصوت تقليدياً لصالحها، فإن القارة السوداء، قد تشكل إنقاذاً عددياً واعداً بتخفيف الضغط السياسي والدبلوماسي على الدولة العبرية. ولا تزال الدول الأفريقية، أرضاً سياسية واقتصادية بكراً على الرغم من ثورات الاستقلال خلال القرن الماضي، وعلى الرغم من التقارب الجغرافي والديني، بين العرب وأفريقيا، الا أن الجهود العربية انصبت على «الدعوة الإسلامية» في هذه القارة، دون أن تشكل هذه الدعوة، قدراً من التأثير اللازم لضمان دعم هذه الدول سياسياً للقضية المركزية للعرب، خاصة بعدما أقدمت دول عربية، ومنظمة التحرير الفلسطينية على عقد معاهدات سلام مع إسرائيل، الأمر الذي دفع بالدول الأفريقية إلى التبادل الدبلوماسي مع الدولة العبرية. الخارطة السياسية تتبدل، ليس في منطقتنا فحسب، بل ان إسرائيل تدفع باتجاه تبديل هذه الخارطة على نطاق أوسع، انطلاقاً من أفريقيا هذه المرة!!